“معاريف” ضخ الأموال لغزة بهدف قطع الطريق على الدولة الفلسطينية واحتلال قطاع غزة بعد الانتخابات

في الجيش الإسرائيلي يستعدون للحرب في غزة، وهذا سيحصل أغلب الظن بعد الانتخابات، مع حلول الصيف. كل الخطط جاهزة عمليًا، ستكون حربًا شاملة مع توغل بري لقوات كبيرة ومناورة برية للمدرعات، حاملات الجنود المدرعة وسلاح المشاة، عمليات سرية لوحدات خاصة واحباطات مركزة، إلى جانب هجمات مكثفة من الجو وقصف من البحر.

غاية الدخول البري فسيكون احتلال القطاع، بالوصول من الحدود وحتى البحر (مسيرة نحو عشرة كيلومترات) لا يُفترض أن يستغرق أكثر من أربع ساعات، وإطلاق القوات البرية نحو المعركة المستقبلية لن يكون فقط لأغراض عسكرية – عملياتية اضطرارية، وعندما يُحتل القطاع سيبدأ القتال من حي إلى حي ومن بيت إلى بيت.

أما هدف الحرب فيتعين على القيادة السياسية أن تقرره، وأولًا وقبل كل شيء؛ هل هو إسقاط حكم حماس؟ حتى لو نجح هذا، وثمة شك حول ذلك لا بأس بهِ، فإن أفكار حماس لن تهزم، من سيحل محل حكمها؟ السلطة الفلسطينية؟ مشكوك جدًا أن تحمل على حراب الجيش الإسرائيلي كي تعود وتحكم القطاع. نظام عربي – دولي؟ احتمال طفيف، مصر غير معنية بأخذ المسؤولية عن القطاع. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو روى في محادثات مغلقة بأنه في لقاءاته مع زعماء في العالم العربي طرح عليهم فكرة أن يأخذوا تحت رعايتهم إدارة القطاع، أما هم فلم يرغبوا في السماع عن ذلك.

في هذه الظروف، ستضطر إسرائيل إلى العودة لتحكم القطاع، وتقيم فيه حكمًا عسكريًا، وتحرص على إطعام مليونيْ فلسطيني وتلبية احتياجاتهم: التعليم، الصحة، الوقود، الغذاء وغيره، في فترة كفّت فيها إدارة ترامب عن تمويل الوكالة، ناهيك عن الضغط من اليمين لإقامة المستوطنات مرة أخرى في القطاع. وإذا احتل الجيش الإسرائيلي غزة وانسحب منها بعد زمن ما، فإنه لن يبقي فيها إلا أرضًا محروقة وأرضًا خصبة لتصبح مثابة الصومال، بلاد تسيطر عليها عصابات ومنظمات “إرهابية” كالقاعدة و”داعش”.

كل واحد من هذه الخيارات أسوأ من سابقه، ولكن سيناريو الحرب بعد أشهر قليلة ليس قدرًا محتومًا، هذا السيناريو يُمكن منعه، وهو سيُمنع إذا ما عملت الحكومة التي ستقوم بعد الانتخابات على اتصالات مع السلطة الفلسطينية تحت مظلة مؤتمر إقليمي برعاية الدول العربية والقوى العظمى؛ وفي “أزرق – أبيض” يتحدثون عن ذلك. أما احتمالات أن تنشب الحرب فستزداد إذا ما انتخب نتنياهو لولاية خامسة وشكّل ائتلافًا يمينيًا مرة أخرى، ليس لأنه يدق طبول الحرب، بل العكس، فنتنياهو زعيم حذر لا يسارع إلى القتال؛ بل بسبب الضغط الجماهيري المتعاظم الذي يتعرض له، بسبب العجز الذي يبديه هو وحكومته لمعالجة مشكلة غزة.

في الـ 30 من آذار قبل سنة، بدأت المظاهرات على الجدار، وتواصلت بإطلاق الطائرات الورقية الحارقة والبالونات المتفجرة وإلقاء العبوات الناسفة ونار القناصة والكمائن ضد قوات الجيش الإسرائيلي، وبين الحين والآخر إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل؛ هذه حرب استنزاف بكل معنى الكلمة. حتى نشوبها كان للسكان في غلاف غزة هدوء ثلاث سنوات ونصف، ولكن حكومة نتنياهو ضيعتها، حين امتنعت عن محاولة الوصول إلى تسوية.

مخطط التسوية واضح بما يكفي للجميع: على إسرائيل أن ترفع الحصار، تسمح بدخول مليارات الشواكل لإعمار القطاع (المال موجود من الدول المانحة ومن المحافل الدولية)، توسيع مجال الصيد والدفع إلى الأمام بمشاريع لزيادة قدرة إنتاج الكهرباء، تحسين حقيقي لجودة مياه الشرب، إقامة منشآت مجاري وتطهير للمياه العادمة ومشاريع توفر عملًا وتقلص البطالة التي تصل إلى 50%. ثمة موضوعان يصعبان الأمر جدًا على هذا المخطط: الأول هو رفض السلطة الفلسطينية المشاركة في العملية طالما لم تستأنف إسرائيل المفاوضات معها، والثاني هو إصرار إسرائيل على أن يكون الشرط المسبق لكل تسوية أو ترتيب هو إعادة أشلاء جثمانيْ الجندييْن وإعادة المدنييْن الاثنيْن، حماس مستعدة لصفقة تبادل، ولكنها تضع شرطًا مسبقا لها (تحرير نحو 50 من رجالها، من محرري صفقة شاليط ممّن اعيد اعتقالهم عشية “الجرف الصامد”، وكذا تحرير مئات الأسرى من السجون في إسرائيل).

إسرائيل ترفض ذلك؛ فلا حراك طالما لا توجد صفقة تبادل للأسرى، ولا صفقة لأن الثمن المطلوب عال، وبكسر هذه الدائرة الشيطانية يتعين على الحكومة أن تتخذ قرارًا شجاعًا، فتنظر إلى الجمهور مباشرة، إلى العيون، وتقول بأن حياة سكان غلاف غزة والهدوء أهم من أشلاء جثمانيْ الجندييْن والمدنييْن الاثنيْن اللذيْن انتقلا إلى غزة بارادتهما، ولكن حكومة نتنياهو لا تفعل أيّ من هذه الأمور، وبدلًا من ذلك فإنها تراوح في المكان من وقف مؤقت للنار وهزيل إلى آخر.

قبل نحو ثلاثة أسابيع، تحدث رئيس الوزراء في كتلة “الليكود”، وردًا على الانتقاد الذي وجّه له بموافقته على نقل المال القطري إلى غزه، فإنه في واقع الأمر يدفع خاوة لمنظمات “الإرهاب”؛ قال نتنياهو أن من يعارض الدولة الفلسطينية يجب أن يؤيد ضخ الأموال.

رسميًا، لم يتراجع نتنياهو علنًا عن تأييده لفكرة الدولتين، ولكن في فكره وفي أفعاله واضحٌ كالشمس أنه يعارض ذلك. يمكن للأمر أن يشرح خطواته منذ “الجرف الصامد” وبالتأكيد في السنة الأخيرة، فهو يبذل كل جهد مستطاع لإضعاف السلطة (تجميد نصف مليار شيكل من أموال ضرائب الشعب الفلسطيني التي تحتجزها إسرائيل كوصيّ)، وبالتوازي يضخ الأموال لحماس كي يشتري هدوءًا مؤقتًا.

لا يمكن أن يكون لنهج نتنياهو تفسير آخر؛ فهو يعبّر عن رغبته بشق الشعب الفلسطيني إلى كيانيْن جغرافييْن (الضفة وغزة) وإلى حكمين (السلطة وحماس)، وهدفه الأعلى هو سد كل شق – حتى وإن كان صغيرًا للغاية – يتيح استئناف المفاوضات السياسية، وتحطيم فكرة الدولة الفلسطينية.

هذه سياسة واضحة، تستمد إلهامها من أيديولوجيا وفكر متماسك فيه رؤية تاريخية بعد المدى، فهي مستعدة لأن تضحي بسكان الجنوب (واستنادًا إلى نار الصواريخ في الأسابيع الأخيرة “غوش دان” وشمالها أيضًا) على مذبح فكر تاريخي أيديولوجي للمدى البعيد. إذا ما نشبت قريبًا حرب في غزة، فإنها ستكون حربًا زائدة أخرى، ونتيجة مباشرة لسياسة، استراتيجية وفكر وليس لغياب السياسة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن