منتدى الدولي: كيف تؤثر أزمة أوكرانيا على دول الخليج؟

منتدى الدولي: كيف تؤثر أزمة أوكرانيا على دول الخليج؟
بايدن وبوتين

تتصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا فيما تواصل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي دعمهما السياسي والعسكري لكييف. ويبدو أن الصراع الذي يختمر على الحدود الروسية الأوكرانية سيكون له تداعيات تتجاوز أوروبا الشرقية.

وأدى توتر العلاقات بين روسيا والغرب في الأشهر الأخيرة من العام الماضي إلى ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا مع تراجع الإمدادات الروسية. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت روسيا أن إجراءاتها المستقبلية ستعتمد على الضمانات الأمنية. وبالرغم من إجراء حوار حول القضايا الأمنية بين الولايات المتحدة وروسيا، لم يتوصل الطرفان لاتفاق.

وووفقًا لـ”دميتري ترينين” من مركز كارنيجي في موسكو، فإن “المحادثات لم تنته بقطيعة لكنها تشير إلى أزمة ثقة هائلة تمنع التوصل إلى حل للأزمة الحالية في أي وقت قريب”.

وتضع هذه التوترات دول مجلس التعاون الخليجي في مأزق، حيث يجب أن توازن بدقة بين روسيا (التي نمت العلاقات معها تدريجيًا منذ عام 2015) والغرب (الحليف التاريخي التقليدي والضامن الأمني ​​لدول الخليج).

الارتباط بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي

باعتبارها أكبر مورد للطاقة في العالم، وقعت دول مجلس التعاون الخليجي في كثير من الأحيان في مأزق التوترات بين روسيا والغرب في السنوات الأخيرة. وفي أبريل/نيسان 2017، تم الإعلان عن خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2”. وكان الهدف من خط الأنابيب أن يكون مصدرًا موثوقًا للغاز الروسي إلى أوروبا عبر بحر البلطيق.

وقد وقعت شركة “نورث ستريم2” اتفاقيات تمويل بنسبة 50% من التكلفة الإجمالية لمشروع خط الأنابيب مع عدة شركات منها “إنجي” و”رويال دتش شل” و”يونيبار” و”ونترشل” و”إو إم في”. وتمتلك شركة “مبادلة” للبترول والبتروكيماويات القابضة الإماراتية 24.9% من أسهم مجموعة “إو إم في”. ولدى كل من عمالقة الطاقة الإماراتية والروسية علاقات تعاون مباشرة أخرى. وفي عام 2020، وقعت شركة “غازبروم” وشركة “مبادلة” للبترول مذكرة تعاون لتطوير تقنيات جديدة بشكل مشترك تركز على إنتاج النفط ورقمنة عمليات الإنتاج.

وفي مايو/أيار 2021، أعلنت إدارة “بايدن” تراجعها عن العقوبات المفروضة على خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2”. وفي حين رحب الكرملين بالقرار، تزايد الإحباط في كييف ووسط أوروبا مما أدى إلى تفاقم الانقسامات داخل الناتو والاتحاد الأوروبي.

ومع تصاعد التوترات، قال المستشار الألماني الجديد “أولاف شولتز” في اجتماع مع الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” إن حكومته متمسكة بجميع بنود الاتفاقية الألمانية الأمريكية بشأن خط الأنابيب والتي وقعتها حكومة “ميركل” السابقة في يوليو/تموز 2021. وتتضمن الاتفاقية بنودًا لفرض عقوبات إذا كانت روسيا ستستخدم الطاقة كسلاح أو ترتكب المزيد من الأعمال العدوانية ضد أوكرانيا.

وفي عام 2020 وحده، تمكنت الإمارات من زيادة تجارتها مع روسيا بنسبة 78% مقارنة بعام 2019، ووقع كلاهما إعلان شراكة استراتيجية لتعزيز التعاون في مجالات عديدة بما في ذلك استقرار سوق النفط ومكافحة الإرهاب، وهو الاتفاق الأول من نوعه لروسيا في الخليج. ومع ذلك، فإن تحقيق التوازن بين هذه العلاقة المتطورة والعلاقات الراسخة مع الغرب قد يمثل تحديًا كبيرًا للإمارات، التي تتجنب الوقوع في شرك التوترات.

♦ مواقف دول أوروبا من التصعيد العسكري على حدود روسيا

ومع احتشاد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، دعت الولايات المتحدة أمير قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، حاكم أكبر بلد منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، إلى البيت الأبيض للتباحث حول إمداد أوروبا في حالة اضطراب التجارة بين روسيا والاتحاد الأوروبي.

وقد تجد قطر، التي طالما وازنت مصالحها بين الغرب والشرق ولا تزال أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى شرق آسيا، نفسها ملزمة بهذا الطلب. وفي الوقت نفسه، من الواضح أن الدولة الخليجية الصغيرة ستستفيد مالياً من مثل هذا الاقتراح.

من ناحية أخرى، اتجهت سياسات موسكو الإستراتيجية نحو تحويل منافسيها في مجال الطاقة – دول الخليج تحديداً – إلى شركاء لها، مما شجع الترابط الاقتصادي. ويصف الأكاديميان الروسيان “ليونيد إساييف” و”نيكولاي كوزانوف” سياسات التوازن الروسية مع دول الخليج بأنها “استراتيجية مساومة”.

ويرى الأكاديميان أن روسيا تستخدم وجودها غير المباشر والمباشر في النزاعات الإقليمية (في ليبيا وسوريا واليمن وإسرائيل وفلسطين وإيران) لتسليط الضوء على أهميتها بالنسبة لدول الخليج.

في الوقت نفسه، سعت روسيا إلى بناء علاقات تعاون اقتصادي أقوى مع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال جذب استثمارات واسعة من دول الخليج مما يعني أن الخسائر الاقتصادية داخل روسيا ستؤثر سلبًا على دول الخليج أيضًا.

وفي عام 2019، أصبح صندوق الثروة السيادي القطري (جهاز قطر للاستثمار) مساهمًا في شركة “روسنفت” في أعقاب خصخصة شركة النفط الروسية العملاقة التي تسيطر عليها الدولة في أواخر عام 2016. ويمتلك جهاز قطر للاستثمار الآن حصة 19% في تلك الشركة فضلا عن الاستثمارات القطرية الأخرى في روسيا بما في ذلك شراء الدوحة لحصة بقيمة 500 مليون دولار في بنك “في تي بي” وحصة بقيمة 25% في مطار بولكوفو في سانت بطرسبرغ في عام 2013، وهو ما يضع قطر في موقف صعب.

♦ لافروف: بعض دول الخليج مستعدة للعمل مع مفهوم روسيا لتوفير الأمن في المنطقة

ومن خلال مشاركتها في “أوبك+”، تظل روسيا لاعبًا مهمًا في سوق الطاقة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي. ومن المتوقع أن يواصل أعضاء “أوبك+” البرنامج التدريجي لزيادة الإنتاج شهريا في فبراير/شباط الجاري، وهو قرار تم التوصل إليه بشكل مشترك بين موسكو ودول الخليج.

وفي حين أن العلاقات بين روسيا ودول الخليج يغلب عليها الجانب الاقتصادي، فإن التغيرات الجيوسياسية يمكن أن تحمل وزنًا كبيرًا أيضًا. فالتحولات الجيوسياسية المحتملة في ميزان القوى، وعواقب أي سيناريوهات تتبعها موسكو أو الغرب، سواء كانت حلول دبلوماسية أو مواجهات عسكرية، ستؤثر بشكل مباشر على العلاقات التي أقامتها دول مجلس التعاون الخليجي مع القوى العظمى، وعلى توازن القوى في منطقة الخليج.

ويمكن القول إن نتائج الربيع العربي عززت الأهمية المتزايدة لموسكو في المنطقة. وقد شهد التحالف التقليدي بين دول مجلس التعاون الخليجي وواشنطن تحولات خلال السنوات الأخيرة. ومع رغبة الولايات المتحدة في تقليص انخراطها في المنطقة، فإن التعاون بين موسكو ودول مجلس التعاون الخليجي يكتسب زخما أكبر.

وقد تشكل التوجه الخليجي لتحسين العلاقات مع روسيا نتيجة عدة أسباب على مدى العقدين الماضيين. وعلى سبيل المثال، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، تعالت أصوات داخل أمريكا تتهم السعودية بالمسؤولية الأخلاقية عن هذه الهجمات، لذلك بدأ رأس المال السعودي في التدفق خارج الولايات المتحدة، وأبدت القيادة السعودية اهتمامًا متزايدًا بشراء الأسلحة الروسية.

وخلال إدارة “أوباما”، أدى الدعم الأمريكي الضمني لانتفاضات الربيع العربي إلى إشعال غضب ملوك الخليج الذين اعتبروا أن واشنطن تخلت عن اثنين من حلفائها القدامى، “حسني مبارك” في مصر و”زين العابدين بن علي” في تونس. وعلى النقيض من ذلك، أظهر دعم موسكو القوي والمتواصل لـ”بشار الأسد” في سوريا (بالرغم من تعارضه مع مصالح دول الخليج) مصداقية الكرملين في دعمه لحلفائه. علاوة على ذلك، نظرت غالبية دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاتفاق النووي الذي توصلت إليه واشنطن مع إيران في 2015 بشكل سلبي.

♦ الصواريخ مقابل النفط.. هل يؤدي اللقاء الصيني الخليجي الغامض لصفقات تُغضب أمريكا وإيران على السواء؟

ومع ذلك، يمكن القول إن أزمة الخليج 2017-2021 هي التي سلطت الضوء على أهمية تنويع العلاقات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي. على سبيل المثال، نشر الرئيس “دونالد ترامب” تغريدة تدعم دول الحصار في بداية الأزمة، قبل أن يدعو وزير الخارجية “ريكس تيلرسون” ووزير الدفاع “جيم ماتيس” إلى الحوار بين دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي النهاية، حصدت الولايات المتحدة مكاسب كبيرة (سواء من الاستثمارات أو مبيعات الأسلحة) من طرفي الأزمة. ويمتلك صندوق الثروة السيادي السعودي استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار في الولايات المتحدة، منها 2 مليار دولار أضافها في بداية عام 2020 وحده. من ناحية أخرى، شعر “ترامب” بالارتياح في عام 2019 بعد أن وافقت قطر على شراء كميات هائلة من المعدات العسكرية.

وبالرغم من بناء “محور” مناهض لإيران يتألف من إسرائيل وأكبر دولتين في مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات)، يمكن القول إن الولايات المتحدة فقدت نفوذها كقوة عظمى وحيدة في المنطقة بعد انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني.

وفي عام 2018، فتحت الفرص أمام القوى العظمى الأخرى (روسيا والصين) لتعزيز وجودها في الخليج. ويرى “مارتن إنديك” أن قرار إدارة “ترامب” أدى إلى تدمير نصف قرن من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط و”إخفاق تام” للولايات المتحدة.

ويُنظر أيضًا إلى القيادة الأمريكية الحالية على أنها تخاطر بتقريب العلاقات بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي. وقد أعرب “بايدن” عن اعتقاده بأن التحدي الاستراتيجي الرئيسي للقرن الحادي والعشرين سيكون تعزيز الديمقراطية ومكافحة الاستبداد، وهو ما يضع عراقيل في علاقة الولايات المتحدة مع حلفائها في الشرق الأوسط. وبالرغم أن هذه الرسالة مناسبة لجمهور “بايدن” المحلي، فإنها تصب في صالح تقوية العلاقة بين روسيا ودول الخليج. ولكن لا يزال يتعين رؤية ترجمة هذا الخطاب في الممارسة العملية.

وفي كل الأحوال، سيتوجب على دول الخليج القيام بدراسة متأنية للفرص والمخاطر التي تخلقها التوترات الحالية بين روسيا والغرب وما قد ينشأ عنها من تغيرات في ميزان القوى.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن