من المسؤول.. إسرائيل أم إيران؟

الكاتب: خالد القشطيني

المفروض في منطقة الشرق الأوسط أن تكون من أسعد وأرخى وأغنى مناطق العالم بفضل ما فيها من نفط وغاز ومعادن وآثار سياحية ودينية ومكانة جغرافية مهمة لكل العالم. ولكنها، مع الأسف، أصبحت من أشقى الديار، وكأن لعنة قد حلت بها. اعتقدنا أن إسرائيل سبب ذلك. فطالما كنا نسعى لتدميرها، فإنها تتفادى ذلك المصير بتدميرنا. تتغدى بنا قبل أن نتعشى بها.
بيد أن عنصرا جديدا أضيف لهذه المعادلة منذ سنوات: إيران. فعندما نلاحظ ما يجري في العراق واليمن وسوريا ولبنان من التمزق والموت والدمار، وما يجري في جهات أخرى من الاضطراب وعدم الاستقرار، نجد أن العنصر الأول في هذه المشاكل يعود للتدخلات الإيرانية. انطلقت هذه التدخلات من فكرة الثورة الإسلامية وتصديرها. لقد رحبنا بهذه الثورة بادئ الأمر، وكنت ممن عبر عن ابتهاجه بها، ولكنني وضعتها في هذا الامتحان. قلت إذا كانت صادقة في نياتها ونقض ما فعله الشاه، فلتبادر بإعادة الجزر الثلاث التي اغتصبها الشاه من الإمارات العربية. لم تفعل. وعندئذ شطبت عليها، وقلت: أرى من وراء ذلك برنامجا للتوسع الإمبراطوري بذريعة دينية طائفية.
الذراع العسكرية لتنفيذ هذا البرنامج هي الحرس الثوري، الباسدران. وصفهم أحمدي نجاد خير وصف، بقوله إنهم الإخوة المهربون. يعملون بتهريب السلاح والمال لمن ينفذون المسعى التوسعي للنفوذ الفارسي. أدرجتهم الولايات المتحدة في قائمة المنظمات الإرهابية. وهذا لعمري شيء عجيب في أن يكون الرئيس الإيراني، بصفته الرئيس الأعلى للباسدران، رئيسا لمنظمة إرهابية! إنهم المسؤولون عن جل ما يجري في المنطقة من المشاكل. وإذا كانت طهران صادقة في نيتها السلمية مع الدول المجاورة، فإنها تستطيع إثبات ذلك بتحويل الباسدران إلى جزء من الجيش الإيراني، ويتحمل بهذه الصفة مسؤوليته كجزء سيادي من الدولة، ولا يبقى منظمة ميليشياوية تتصرف على هواها كعصابات مستقلة عن السلطة. إن مثل هذه المنظمات الهلامية المسلحة كثيرا ما تتحول إلى دولة داخل دولة، ويتصرف قادتها بما يحلو لهم ويعزز كيانهم ومكانتهم بعيدا عن أيدي السلطات، وحتى بخلاف سياسة بلادهم، بل ويفرضون أفكارهم وسياستهم على الحكومة القائمة.
وكما قلت، نفهم مخاوف إسرائيل من العرب، وبالتالي سعيها لزعزعة كياناتهم. ولكن العرب لا يشكلون أي خطر على إيران، فليس هناك أي مبرر لما يقوم به الحرس الثوري في تأجيج الصراعات المحلية في العالم العربي، وتهريب «الثورة» الإيرانية لهم.
وما الذي ستجنيه إيران من هذا المسعى غير تخريب العالم العربي وإضاعة الفرصة لازدهار العالم الإسلامي وسعادة شعوبه ورفع مستوى شبيبته؟ وكما ذكرت سابقا، الأسرة الدولية والقوى الكبرى وإسرائيل لن تسمح لإيران بابتلاع العالم العربي وإقامة إمبراطورية فارسية تستحوذ على ثرواته وتتحكم بها وتملي إرادتها على العالمين، وهو ما يحملني على الاعتقاد بأن هذا المسعى الإمبراطوري سيخيب ويتحمل الشعب الإيراني كلفته المادية والمعنوية، ويعلمنا جميعا بأن خلط الدين ورجال الدين بالسياسة سيئ المآل.

خالد القشطيني

صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن