من هم الأكراد؟

من هم الأكراد؟

يسكن الأكراد المنطقة الجبلية الممتدة على حدود تركيا، والعراق، وسوريا، وإيران، وأرمينيا، ويترواح عددهم ما بين عشرين وثلاثين مليونا.

ويعدون رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط، لكن لم تكن لهم أبدا دولة مستقلة.

وفي العقود الأخيرة، زاد تأثير الأكراد في التطورات الإقليمية، إذ قاتلوا من أجل الحكم الذاتي في تركيا، ولعبوا دورا هاما في الصراعات في العراق وسوريا، آخرها المشاركة في مقاومة تقدم تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ما هي أصول الأكراد؟

تاريخيا، عاش الأكراد حياة قائمة على الرعي في سهول ما بين النهرين، وفي المناطق الجبلية المرتفعة الموجودة الآن في جنوب شرقي تركيا، وشمال شرقي سوريا، وشمالي العراق، وشمال غربي إيران، وجنوب غربي أرمينيا.

واليوم يشكلون مجموعة متميزة، يجمعها العرق والثقافة واللغة، رغم عدم وجود لهجة موحدة. كما أنهم ينتمون لمجموعة مختلفة من العقائد والديانات، وإن كان أكثرهم يصنفون كمسلمين سنة.

لماذا ليس لدى الأكراد دولة؟

في مطلع القرن العشرين، بدأ الكثير من الأكراد التفكير في تكوين دولة مستقلة، باسم “كردستان”. وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصورا لدولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920.

إلا أن هذه الآمال تحطمت بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية.

وانتهى الحالة بالأكراد كأقليات في دولهم السابق ذكرها. وعلى مدار السنوات الثمانين التي تلت، سحقت أي محاولة كردية لتأسيس دولة مستقلة.

لِمَ يتصدى الأكراد لتنظيم الدولة الإسلامية؟

في منتصف عام 2013، توجهت أنظار تنظيم الدولة الإسلامية إلى ثلاثة مناطق كردية متاخمة لحدوده في شمالي سوريا. وأطلق التنظيم هجمات متكررة. وظلت وحدات الحماية الشعبية، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، تتصدى لهذه الهجمات حتى منتصف عام 2014.

وكانت نقطة التحول هي هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق في يونيو/حزيران الماضي، واستيلاؤهم على مدينة الموصل شمالي العراق، وهزيمتهم لوحدات الجيش العراقي والاستيلاء على أسلحتهم ونقلها إلى سوريا.

وأدى تقدم التنظيم في العراق إلى تورط الأكراد في الصراع. وأرسلت حكومة الإقليم شبه المستقل في منطقة كردستان قوات البيشمركة لقتال الدولة الإسلامية في المناطق التي تراجع منها الجيش العراقي.

وكانت الاشتباكات بين البيشمركة وتنظيم الدولة الإسلامية صغيرة، حتى كثف التنظيم من هجماته في أغسطس/آب الماضي. وانسحبت قوات البيشمركة بعد الهزيمة، فاستولى التنظيم على العديد من البلدات التي تسكنها أقليات دينية، من بينها سنجار التي كان يسكنها الآلاف من الإيزيديين.

وأطلقت الولايات المتحدة سلسلة من الهجمات الجوية على شمالي العراق، وأرسلت خبراء عسكريين، خوفا من حدوث مجزرة ضد الإيزيديين بعد انسحاب البيشمركة.

كما بدأت الدول الأوروبية في إرسال أسلحة لدعم قوات البيشمركة. كما انضم إلى جهود المساعدة مقاتلو وحدات الحماية الشعبية من أكراد سوريا، ومقاتلو حزب العمال الكردستاني في تركيا.

ورغم تقدم البيشمركة أمام الدولة الإسلامية في العراق، إلا أن مقاتلي التنظيم استمروا في محاولة الاستيلاء على المناطق الكردية في سوريا.

وفي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، شن تنظيم الدولة الإسلامية حملة على المنطقة المحيطة بمدينة عين العرب (كوباني) شمالي سوريا، وأجبر أكثر من 160 ألف شخصا على النزوح إلى تركيا.

إلا أن الحكومة التركية رفضت الهجوم على مواقع الدولة الإسلامية قرب حدودها، أو السماح لمواطنيها الأكراد بالعبور إلى الأراضي السورية لمواجهة التنظيم، مما أجج الاحتجاجات الكردية، وهدد حزب العمال الكردستاني بالانسحاب من مباحثات السلام مع الحكومة.

وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول، سمحت أنقرة لقوات البيشمركة بالمشاركة في القتال حول عين العرب.

لِم لا تساعد تركيا الأكراد في الدفاع عن عين العرب؟

ثمة صراع متأصل بين الدولة التركية والأكراد، الذين يمثلون حوالي 15 أو 20 في المئة من السكان.

وعلى مدار أجيال، عاملت السلطات التركية الأكراد معاملة قاسية. ونتيجة لحركات التمرد التي قامت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، أعيد توطين الكثير من الأكراد، ومنع الكثير من الأسماء والأزياء الكردية. كما حظر استخدام اللغة الكردية، وأنكر وجود الهوية العرقية الكردية، وأشير للأكراد باسم “أتراك الجبال”.

وفي عام 1978، أسس عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني، الذي نادى بتأسيس دولة مستقلة في تركيا. ثم بدأ الحزب الصراع المسلح بعد ست سنوات من تأسيسه. ومنذ ذلك الحين، قتل أكثر من 40 ألف شخصا وأعيد توطين مئات الآلاف.

وفي تسعينيات القرن الماضي، تراجع حزب العمال الكردستاني عن مطلب الاستقلال، وطالب بالمزيد من الاستقلال الثقافي والسياسي، لكنه استمر في القتال.

وفي عام 2012، بدأت محادثات السلام بين الحكومة التركية والحزب، بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة سنة. وطلب من مقاتلي حزب العمال الكردستاني التراجع إلى شمالي العراق، لكن الاشتباكات استمرت.

استقبلت تركيا 160 ألفا من الأكراد السوريين النازحين جراء القتال في عين العرب (كوباني)

ورغم اعتبار أنقرة أن الدولة الإسلامية تهديدا لها، إلا أنها تخشى إن سمحت للأكراد بالعبور والقتال في سوريا أن يتخذوا منها قاعدة لإطلاق هجمات على تركيا فيما بعد. كما قالت الحكومة التركية إنها غير جاهزة للمشاركة في جهود المساعدة في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية، إلا إذا كانت الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد من بين أهداف التحالف.

ماذا يريد الأكراد السوريون؟

يمثل الأكراد ما بين سبعة وعشرة في المئة من تعداد السوريين، ويعيش معظمهم في دمشق وحلب، وفي ثلاث مناطق متفرقة حول عين العرب، وبلدة أفرين، وبلدة قامشلي.

وتعرض الأكراد السوريين للكثير من القمع والحرمان من الحقوق الأساسية. ولم يمنح حوالي 300 ألف من الأكراد الجنسية السورية منذ ستينيات القرن الماضي، وصودرت الأراضي الكردية وأعيد توزيعها على العرب في محاولة “لتعريب” المناطق الكردية.

كما حاولت الدولة الحد من مطالب الأكراد بالمزيد من الاستقلال عن طريق قمع المتظاهرين واعتقال الزعماء السياسيين.
بدأت قوات الحماية الشعبية الكردية مواجهاتها مع الجهاديين في سوريا عام 2013

ولم تتأثر المناطق الكردية كثيرا بالصراع السوري في السنتين الأوليين. وتجنبت الأحزاب الكردية الكبرى اتخاذ أي موقف من أي من طرفي الصراع. وفي منتصف عام 2012، انسحبت القوات السورية من المناطق الكردية لتركز على قتال المتمردين في مناطق أخرى، ففرضت القوات الكردية سيطرتها على المنطقة.

وأعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي سيطرته، ووطد صلته بأحزاب كردية صغيرة ليكون المجلس الوطني الكردستاني. واتحدت الأحزاب لتعلن إقامة الحكومة الكردية الإقليمية عام 2014. وأكدوا على أنهم لا يسعون إلى الاستقلال، بل إلى “إدارة محلية ديمقراطية”.

يمثل الأكراد حوالي 15 أو 20 في المئة من السكان العراقيين. وتاريخيا، كان للأكراد العراقيين امتيازات مدنية مقارنة بالأكراد المقيمين في الدول المجاورة، إلا أنهم تعرضوا لقمع شديد.

وثار الأكراد في شمال العراق ضد الحكم البريطاني في فترة الانتداب، لكنهم قمعوا. وفي عام 1946، أسس الملا مصطفى بارزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني كوسيلة سياسية للنضال من أجل الاستقلال في اقليم كردستان العراق.

وبعد ثورة عام 1958، اعترف الدستور الجديد بالقومية الكردية، لكن الحكومة المركزية رفضت خطة بارزاني للحكم الذاتي، فأعلن حزبه القتال المسلح عام 1961.

وفي عام 1970، عرضت الحكومة اتفاقا على الأكراد بإنهاء القتال ومنحهم منطقة حكم ذاتي. لكن الاتفاق انهار واستئونف القتال عام 1974.

وبعد عام، انقسم الحزب الديمقراطي الكردستاني، أسس السياسي المعروف جلال طالباني الاتحاد الوطني الكردستاني.

وفي نهايات سبعينيات القرن الماضي، بدأت حكومة حزب البعث توطين عرب في بعض المناطق لتغيير التركيبية السكانية، خاصة حول مدينة كركوك الغنية بالنفط. كما قامت بإعادة توطين الأكراد في بعض المناطق قسرا. وتوسعت الحكومة العراقية في تنفيذ هذه السياسة في ثمانينيات القرن الماضي أثناء حرب العراق وإيران، إذ دعم الأكراد إيران. وفي عام 1988، أطلق صدام حسين حملة انتقامية ضد الأكراد، من بينها الهجوم بالغازات السامة على حلبجة.

وبعد هزيمة العراق في حرب الخليج عام 1991، اشتعلت انتفاضة واسعة في مناطق العراق ومنها كردستان ولشدة قمع الدولة لهذه الانتفاضة، فرضت الولايات المتحدة وحلفائها منطقة حظر جوي على شمال العراق، مما سمح للأكراد بالتمتع بحكم ذاتي. واتفق الحزبان الكرديان على تقاسم السلطة، لكن الصراعات احتدمت، واشتعل صراع داخلي عام 1994، دام لأربع سنوات.

وتعاون الحزبان مع قوات الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، التي أطاحت بصدام حسين، وشاركا في كل الحكومات التي شكلت منذ ذلك التاريخ. كما شاركا في التحالف الحاكم في الحكومة الإقليمية الكردستانية، التي شكلت عام 2005 لإدارة مناطق دهوك وإربيل والسليمانية.

وبعد هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في يونيو/ حزيران، أرسلت الحكومة الكردية قوات البيشمركة إلى مناطق الصراع التي كان يسيطر عليها الأكراد والحكومة العراقية، ثم طلبت من البرلمان الكردي الإعداد لاستفتاء على الاستقلال.

لكن من غير الواضح إذا ما كان الأكراد سيواصلون خططهم للحكم الذاتي، أو يدفعون باتجاه كيان مستقل في حكم فيدرالي عراقي.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن