من يحمي الصحفيين؟

من يحمي الصحفيين؟
مصطفى إبراهيم

اعتقالات ومصادرة هواتف…
من يحمي الصحفيين من السلطة الفلسطينية؟

بقلم: مصطفى إبراهيم

نجلاء زيتون، صحافية فلسطينية من مدينة رام الله، مراسلة شبكة (القدس) الإخبارية، تعرضت للضرب على يد عناصر في الأجهزة الأمنية الفلسطينية اثناء تغطيتها تظاهرة احتجاجية يوم السبت 26 حزيران/ يونيو، بعيد مقتل نزار بنات.

أخبرتني في اتصال هاتفي أنها تشعر بالحزن والظلم جراء الضرب المبرح، إذ تظهر آثار الكدمات على أنحاء جسدها. وتضيف نجلاء أنها لم تعد تشعر بالأمان وتخشى النوم في منزلها بخاصة بعدما سرق عناصر أمنيون هاتفها النقال، ونشروا صوراً شخصية ومحادثات لها على وسائل التواصل الاجتماعي.

خوف نجلاء تتقاسمه معها صحافيات كثيرات، لا بل إنها مخاوف معظم الفلسطينيين جميعاً، إزاء مستقبل قضيتهم الضائع ووحدتهم الوطنية المهددة، لا سيما في ظل ما تشهده الضفة الغربية بخاصة مدينة رام الله من أحداث وانتهاكات، والاعتداء الوحشي على المتظاهرين السلميين والصحافيين، كما وصفه بعض المسؤولين الأوروبيين ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.

في المقابل، تمارس السلطة الفلسطينية وقيادتها نوعاً من الإنكار ما يؤشر إلى الإمعان في استمرار القمع بقرار سياسي من أعلى المستويات، تفرضه الأجهزة الأمنية الفلسطينية، أحياناً عبر عناصر بزي مدني، وبمشاركة آخرين لا ينتمون إلى أجهزة الأمن، في مدن الضفة الغربية. وبذلك تتكرر مشاهد الاعتداء على الصحافيين والمتظاهرين السلميين المحتجين الذين يمارسون حقهم في نقل الحدث والتعبير. واعتقل حوالى 30 صحافياً، تعرض عدد منهم للضرب والتعذيب أثناء الاحتجاج.

وتوسعت حملة القمع الشديد في حزيران/ يونيو 2021، بعد اندلاع احتجاجات واسعة على جريمة قتل الناشط السياسي نزار بنات.

وفي استعراض الدكتور عمار الدويك مدير “الهيئة المستقلة لحقوق الانسان” (ديوان المظالم، وهي المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وتعمل في الضفة وغزة)، الشهادات الحية والتوثيقات المباشرة التي تقوم بها الهيئة والعمل الميداني، قال: نعمل مع شركائنا من نقابة الصحافيين ومؤسسات حقوق الإنسان، ونلاحظ وجود استهداف متعمد للصحافيين وبخاصة النساء من خلال الاعتداء بالضرب أو خطف الكاميرات أو أجهزة الاتصال المستخدمة في التصوير، في ظل عدم تدخل الأمن لتوفير الحماية لهم، على رغم أن البعض طلب الحماية، ما يحول دون قيام الصحافيين بدورهم في الميدان.

وقال الدويك إن لجنة من المحامين والمستشارين القانونيين من الهيئة المستقلة ونقابة الصحافيين ومؤسسة الحق ومركز القدس للمساعدة القانونية، قد تم تشكيلها لمتابعة الإفادات والشكاوى بشكل قانوني مع الجهات المختصة، إضافة إلى تشكيل فريق قانوني، والتواصل مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة لبلورة موقف مشترك من التطورات الخطيرة، وذلك لمتابعة القضايا والاعتداءات التي تعرض لها صحافيون وصحافيات أثناء تغطية التظاهرات السلمية في رام الله.

ودعت “نقابة الصحافيين الفلسطينيين” إلى مقاطعة أخبار الرئاسة والحكومة الفلسطينية حتى تحقيق مطالبها، وعلى رأسها محاسبة قائد الشرطة.

ودعت النقابة رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتيه، وبصفته وزيراً للداخلية أيضاً إلى “إقالة قائد الشرطة على خلفية تقاعس الشرطة عن تأمين الحماية للصحافيين الذين تم الاعتداء عليهم ومنعوا من التغطية وهددهم عناصر بزي مدني، على مرأى من عناصر الشرطة، وذلك أثناء محاولتهم تغطية احتجاجات واشتباكات بالأيدي وقعت مساء السبت 26 حزيران في مدينة رام الله. وقالت النقابة إنها ستشرع بالملاحقة الجنائية لكل من يثبت تورطه بالاعتداءات على الصحافيين بأي طريقة كانت.

واحتجاجاً على القمع وملاحقة الصحافيين ومنعهم من التغطية الاعلامية اعتصم يوم الاثنين 28/6/2021، عشرات الصحافيين، أمام مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في فلسطين التابع للأمم المتحدة في رام الله، رفضاً لاعتداءات أجهزة أمن السلطة وأفراد بزي مدني على الصحافيين، مطالبين بتوفير الحماية العاجلة لهم.

وعبر الصحافيون الذين تم الاعتداء عليهم عن غضبهم في بيان مشترك، ووجهوا نداء عاجلاً لاتخاذ الإجراءات الضرورية بتوفير الحماية الشخصية والمهنية للصحافيين من قمع الأجهزة الأمنية ليتمكنوا من تغطية أحداث القمع والمواجهات مع المتظاهرين السلميين لمنع نقل صور القمع، وتأدية الصحافيين عملهم المهني. وتعرضت حرية العمل الصحافي للتهديد بالمنع من التغطية، ومصادرة حقائب الصحافيات وسرقة هواتفهن المحمولة وشرائح التخزين الخاصة بالكاميرات، مع تكسير الأجهزة والكاميرات.

وتعرض صحافيون للملاحقة والشتائم البذيئة والضرب والدفع والشتم والتخوين، والتهديد بالتعرض الجسدي، والاستهداف المباشر والإصابة بقنابل الغاز مسيل الدموع من مسافة قريبة جداً. والأخطر أن أفراد الأمن الذين سرقوا الهواتف المحمولة من الصحافيات والمتظاهرات يقومون بنشر صور خاصة على مجموعات “واتس آب” التابعة للأمن.

تجمع قطاعات مختلفة في المجتمع الفلسطيني وفي مقدمتها منظمات المجتمع المدني بخاصة منظمات حقوق الإنسان، على تزايد حدة قمع الحريات العامة منها الحق في التجمع السلمي والتعبير وحرية الصحافة والتغطية الصحافية. وهذه ممارسات غير مسبوقة وسط تغول واسع النطاق من السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية.

وتأتي هذه الانتهاكات في سياقات من التدهور الخطير في الحياة السياسية والحريات العامة، لا سيما حرية الرأي والتعبير وما سبقها من حل المجلس التشريعي، وإصدار قرارات وقوانين رئاسية لتعديل قانون السلطة القضائية وجعلها تابعة للسلطة التنفيذية، وتعديل قانون الجمعيات الخيرية وتقويض المجتمع المدني، إضافة إلى قرار الرئيس محمود عباس بتأجيل انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، وتأجيل انتخابات النقابات المهنية.

ثم كانت فضيحة صفقة اللقاحات ضد فايروس “كورونا” مع إسرائيل، ما أوصل الى اغتيال نزار بنات الذي تعرض للاحتجاز والاستدعاء أكثر من مرة وأطلق مجهولون النار على منزله.

وهي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها صحافيون ومتظاهرون لاعتداءات، على يد الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وأفراد بالزي المدني، بما يخالف توصيات لجان التحقيق التي تم تشكيلها بعد قمع الأجهزة الامنية تظاهرة سلمية أمام مجمع المحاكم في مدينة رام الله، احتجاجاً على محاكمة الشهيد باسل الأعرج، عام 2017، والتي أوصت بضرورة احترام دور الصحافيين، وتجنب إطلاق الغاز مسيل الدموع في الأسواق وأماكن تجمعات المواطنين.

لأجل ذلك فقد الفلسطينيون الثقة بلجان التحقيق سواء تلك التي شكلت للتحقيق في صفقة اللقاحات، أو في عملية اعتقال نزار بنات ومقتله، وغياب المساءلة والمحاسبة، وبدلاً من احترام سيادة القانون وإطلاق الحقوق والحريات، وتوفير حماية المواطنين والمتظاهرين، يتم التستر على مرتكبي الجرائم والانتهاكات التي تمارسها مجموعات مدنية تعمل بالتنسيق مع أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. فمن يحمي الصحافيين، لا بل المجتمع بأكمله، من قمع السلطة واستبدادها؟

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن