هل تراجعت إسرائيل عن الضم؟

د. هاني العقاد
د. هاني العقاد

بقلم/ د. هاني العقاد

يبدو أن نتنياهو استمع خيراً لنصائح عديدة من المستوى الاستراتيجي وقادة الجيش والامريكان ليعتمد خطة اخري غير التي أعلن عنها قبل اشهر بالبدء بتنفيذ الضم المباشر والعلني في الأول من تموز , ولعل نتنياهو وأعضاء حكومته يتزرعون اليوم بعدم إعطاء الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر بعد ليجري الضم . لكن كثير من التقارير أفادت بعكس ذلك وأعطت مؤشرات على الارض تؤكد ان نتنياهو اعطي الاوامر منذ فترة طويلة بالشروع بالضم بصمت وبهدوء وتدرج وبتعتيم اعلامي اسرائيلي وبالتالي يمنع على اي من اعضاء الحكومة او المستوى الأمني والعسكري الحديث في هذا الموضوع او التصريح بأن الضم يجري الآن . ما يتم تصويره الان للمجتمع الدولي وينقله الاعلام العبري للفلسطينيين أن الضم قد جمد إلى حين موافقة ادارة البيت الأبيض وخاصة ان فريق ترامب الذي يقوده “جاريد كوشنر” مستشار ترمب لعلمية السلام و”افي بركوفيتش” لم يتوصل مع حكومة “نتنياهو” الى اي اتفاق حول الضم وغادر دون اي تقدم في المفاوضات وبالتالي ترك المشهد على حالة من خلاف صوري تكتيكي بين نتنياهو من طرف و”بني غانتس” وزير الجيش و”غابي اشكنازي” من طرف آخر , وحتى إن إدارة ترامب ورئاسة الفريق قالت إنها تركت الامر لطرفي الائتلاف الحاكم للاتفاق على الضم واوقفت الاتصالات بينهم وكأنها تريد ان تقول ان الامر الان في الملعب الإسرائيلي وقرارهم هو النافذ حتى لو نعطي الضوء الأخضر.

خطة جديدة تم التوافق عليها في موضوع الضم في إسرائيل وعلى اطلاع كامل من قبل فريق صفقة القرن الأمريكي وهو الإيحاء للجميع وحتى بدوائر قريبة من القرار بأن الضم تم تأجيله الان او تجميدة حتي يتم التوافق عليه بين طرفي الائتلاف الحكومي في اسرائيل , لكن الحقيقة ليست هذه وإنما الحقيقة أن الضم يجري الان بصمت وتدرج وهدوء وبتعتيم اعلامي خطير تفرضه الحكومة الاسرائيلية واعتقد ما ان ياتي شهر سبتمبر القادم والا أنجزت اسرائيل اكثر من نصف الخطة واستكملت كل شؤون البنية التحتية للمستوطنات الكبرى (هار حوما وغوش عتصيون ومعاليه ادوميم وارئيل وعليت في الوسط حتى حومش وايتمار في الشمال ) بالضفة الغربية وربطها بشبكة طرق حديثة وبالتالي يصبح اعلان تنفيذ الضم مسالة وقت وما هو إلا بروتوكول إعلامي يحتاج لمؤتمر صحفي لنتنياهو ليس أكثر . تكتيك اسرئيلي مقصود ومدروس لتمرير الضم دون ردات فعل تدفع فيها اسرائيل أثمان كبيرة على جميع المستويات السياسية والامنية والاقتصادية وخاصة ردة فعل كل من الأوروبيين والفلسطينيين الذين استطاعوا أن يجندوا نصف العالم ليقول معهم بالصوت العالي (لا للضم ) لان الجميع يدرك ان اي عملية ضم اسرائيلي لاي جزء من الأرض الفلسطينية هو انتهاك حقيقي لكافة بنود القانون الدولي واغتيال واضح المعالم لافاق حل الدولتين والسلام والأمن الإقليميين .

الخارطة التي تلقفها الاعلام بعد مغادرة فريق الصفقة الأمريكي الى واشنطن هي خارطة الفصل العنصري وهي اسوأ من سابقتها لأنها جاءت لصالح المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أرض الضفة الغربية حيث تم تخطيط ضم كافة الاراضي التي تحيط بالمدن والمحافظات الفلسطينية لتحاصرها من كافة الجوانب وتضمن في ذات الوقت تواصل جغرافي استيطاني وتشكل سياج امني اسرائيلي بالغ التعقيد من شأنه ان يحول كافة المناطق الفلسطينية المأهولة بالسكان إلى سجون مفتوحة الخروج منها يتطلب تصريح من الجيش الاسرائيلي ولعل هذه الخارطة تعكس مدى خوف الإسرائيليين من السقوط في مستنقع أمني قد ينتظر الجيش في الضفة اذا ما تم الضم وهذه حقيقة . هنا اقول انه سواء عدلت الخارطة ام لم تعدل فان ما ينتظر الإسرائيليين وحل أمني سغوصون فيه لما بعد الخاصرة ولن يخرجوا منه الا بخروج المستوطنين من الضفة الغربية وسوف تكلف اسرائيل مثل هذه الخطط مبالغ طائلة لأن الحدود ستتضاعف ثلاث مرات وليس لقدرة الجيش ان يحمي كل هذه المسافات المتداخلة من الحدود بين المستوطنات والمناطق الفلسطينية .

مخطئ من يعتقد أن إسرائيل تراجعت عن مخطط الضم نتيجة للرفض الدولي الواسع ومخطئ من يعتقد أن إسرائيل جمدت الضم حتى يتفق “نتنياهو” و”بيني غانتس” واشكنازي علي تنفيذ الخطة والمساحات المنوي ضمها والتوقيت لان نسبة الضم حددتها الصفقة من 30 إلى 35% من أراضي الضفة الغربية بما فيها الاراضي الواقعة بين بحيرة طبريا والبحر الميت وكذلك الأراضي المحيطة بنهر الاردن اي كل الأراضي التي تضمن اتصالا جغرافيا للدولة الفلسطينية مع الأردن شرقا . لهذا علينا كفلسطينيين ان نكشف للعالم خطورة هذه الخطة الإسرائيلية الماكرة ونتابع باستمرار حركات الجيش والمستوطنين على الارض وكل خطوة اعادة انتشار يلجأ إليها الجيش تحت حجج ومزاعم عسكرية سواء تدريبات ومناورات لان كلها ستكون لصالح مخطط الضم وعلينا الاستمرار في مقاومة هذا المخطط بمقاومتنا الشعبية التي يفترض ان تكون بأساليب متعددة تتجاوز المسيرات والاحتجاجات السلمية في شوارع المدن ليفهم الاحتلال ان خططه لن تمر بسلام , كما وان كل هذه الخطط باتت مكشوفة للفلسطينيين علي كافة المستويات الشعبية والرسمية فلا وقف لهذا المقاومة الا بسقوط صفقة القرن وانتهاء الاحتلال وتراجع ادارة ترمب عن اعلان القدس عاصمة للكيان ولا تراجع عن المواجهة مع المحتل ولا توقف عن اعتماد استراتيجية مواجهة فلسطينية موحدة تحدد اساليبها واجراءاتها ومركزها وقيادتها .

ولعله مهما ان يستمر النضال الدبلوماسي في المقابل وحشد العالم ضد هذا المخطط وكشف وفضح خطة نتنياهو الجديدة لتمرير الضم والالتفاف علي حركة الرفض الدولي والاممي والفلسطيني الكبير .

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن