هل هذه هي بداية النهاية لفقاعة البيتكوين؟

البيتكوين

ترجمة : شهاب ممدوح

لقد كان هذا الأمر واضحًا تمامًا بالنسبة لخبراء الاقتصاد والمستثمرين والمحللين منذ فترة طويلة. لكن ما يعيب هذا التحليل هو تركيزه على وجود فقاعة اقتصادية من دون توضيح كيف ومتى ولماذا ستنفجر تلك الفقاعة.

لقد أثار “ورين بوفيت” فزع مؤيدي العملات الرقمية، بقوله في الأسبوع الماضي: “أستطيع أن أقول بكل ثقة إن العملات الورقية ستلقى نهاية سيئة” مضيفا “متي سيحدث ذلك أو كيف، لا أعرف”.

الأمر لم يعد مجرد تخمين، فالأمر حدث أخيرًا.

حيث تهاوى سعر عملة البيتكوين بمقدار 20 بالمائة يوم الثلاثاء ليصل إلى 12 ألف دولار، أو أقل بنسبة 40 بالمائة من المستوى القياسي الذي حققه في ديسمبر. كما حققت عملات رقمية أخرى، مثل إيثيريوم وريبل، أيضا خسائر ثنائية الرقم.

ما سبب ذلك؟ عندما يتعلق الأمر بتحليل أسواق الأسهم، يكون هناك أحيانا ميل غريزي لاختراع علاقة سببية (“انخفضت الأسهم بسبب X” “وهبطت الأسهم وسط “Y) وذلك عندما تكون الأسواق مدفوعة بمجموعة من العوامل المتشابكة. لكن في هذه الحالة، فإن سبب انهيار البيتكوين يبدو واضحًا تماما. فمثلما كان الارتفاع الجنوني لتلك العملة مرتبطًا في جزء كبير منه بالطلب القادم من الصين واليابان وكوريا الشمالية، فإن انهيارها الأخير يبدو بالمثل مرتبطًا بالتطورات في آسيا.

قال وزير المالية الكوري الجنوبي “كيم دونج يون” إن الحكومة تفكر في إغلاق منصات تداول العملات الرقمية، أو على أقل تقدير، تطبيق قوانين جديدة تنظّم عمل تلك المنصات الناشئة. كما تتخذ الحكومة الصينية أيضا إجراءات صارمة بحق “البيتكوين” والعملات الرقيمة الأخرى، ليس فقط لأن المواطنين بإمكانهم استخدامها لغسل الأموال، والتهرب من ضوابط رأس المال، ولكن أيضا لأن القوة الحوسبيّة المطلوبة لمعالجة المعاملات والحصول على عملات رقمية جديدة-وهو ما يطلق عليه غالبا اسم “التعدين”- هائلة للغاية. إن سوق البيتكوين العالمي يستهلك كميات من الطاقة تفوق تلك التي تستهلكها الدنمارك، وفقا لأحد التحليلات.

إن سعر عملة البيتكوين يرتفع ويهبط مثل كيس بلاستيكي يعصف به إعصار، لذا من السخيف إيلاء أهمية كبيرة لتقلّب سعرها في يوم واحد. لكن أخبار اليوم تكشف لنا عن وجود تصدّع عميق في المنحى التصاعدي للبيتكوين. لقد جرى تصميم العملة الورقية كي تكون من دون جنسية أو قائد-“قوانين من دون حكّام”- لتفادي حالات الفشل الفردية، ولكي تبقى بعيدة عن سيطرة الحكومات. لكن المفارقة الكبرى أن هبوط أسعار البيتكوين اليوم يُعزي جزئيا لفشلها في تلك الأمور الثلاث.

أولا، صُممت البيتكوين بحيث تتم المعاملات الرقمية بموافقة شبكة من الحواسيب وليس بموافقة حكومة واحدة. لكن سعرها المتقلّب للغاية يُعزى جزئيا إلى أن ملكيتها مركّزة للغاية.

حيث أن حوالي 40 بالمائة من عملات البيتكوين مملوكة من قِبل نحو 1000مستخدم، كما أن أكبر 100 عنوان للبيتكوين-بعضها قد يعود للشخص ذاته- تتحكم في سُدس مجموع ما تم إصداره من تلك العملة، وفقا لما أورده موقع بلومبيرج. أحد الأسباب التي تجعل البيتكوين تتهاوى بنسبة عشرين بالمائة في يوم واحد- وهو عمليًا أمر غير مسبوق بالنسبة لمعظم الأسهم، وبالتأكيد لمعظم العملات- هو أن لو أي شخص من هؤلاء المستثمرين الكبار قرر البيع، سيتأثر السوق بقراره هذا. إن التقلّب الهائل في أسعار البيتكوين يحدث لأن ملكية التكنولوجيا اللامركزية شكليًا، في الواقع، هي مركّزة للغاية.

ثانيا، إن منصات تداول البيتكوين-وهي أسواق على الإنترنت يجري فيها المتاجرة بالبيتكوين أو الاحتفاظ بها- هي عبارة عن حالات فشل محتملة. وهي تفشل، طوال الوقت. ففي عام 2014، سُرقت آلاف عملات البيتكوين من شركة Mt. Gox المتخصصة في تداول البيتكوين والتي يوجد مقرّها في طوكيو. وفي عام 2016، تهاوت أسعار البيتكون بعد أن قيل إن إحدى منصات تداول البيتكون في هونج كونج قد تم قرصنتها. واليوم، تهاوت البيتكوين مجددًا عندما هددت عدة حكومات بتنظيم عمل منصات تداول البيتكوين الموجودة في آسيا أو إغلاقها تماما.

ثالثا، بالرغم من أن العملات الرقمية صُممت أساسا لكي تكون من دون جنسية أو قائد، إلا أن قادة الدول مسؤولون بشكل كبير عن هبوطها الأخير. لا تحتاج البيتكوين لبنك مركزي، حيث يجري إصدار عملات جديدة من قِبل حواسيب مُثبّت عليها برامج خاصة بالبيتكوين. لكن مصير البيتكوين مازل مرتبطًا بقرارت البنوك المركزية والجهات التنظيمية الحكومية. ففي أواخر عام 2013، ارتفعت قيمة البيتكون بثلاثة أضعاف خلال شهر لتصل إلى 900 دولار، وذلك عقب توجيه عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، خلال جلسة استماع رسمية، المديح لعملة البيتكوين والعملات الافتراضية الأخرى، ووصفها بأنها “خدمات مالية شرعية”. لكن القواعد التي تضعها الحكومات لها آثار إيجابية وسلبية في نفس الوقت. حيث هبطت قيمة البيتكوين في يوم الثلاثاء بعد أن نقلت التقارير عن مسؤول في البنك المركزي الصيني قوله إن الحكومة ينبغي أن تحظر تداول العملات الرقمية. ربما تكون هذه هي المفارقة الكبرى بشأن البيتكوين: النظام الذي صُمم لتوزيع الثروة بعيدا عن الحكومات الفردية، هو شديد التأثر بالشائعات المتعلقة بالجهات التنظيمية الفردية.

تتحول الأصول إلى فقاعة عندما تستسلم الأساسيات لشعور “الخوف من إهدار الفرصة”. لكن الفقاعة التي نتجت عن الخوف من إهدار فرصة البيتكوين تنفجر، وذلك بالرغم من أن الأساسيات الاقتصادية تمضي قدما. لننظر إلى الدول المسؤولة بصورة رئيسية عن انهيار البيتكوين. حيث ارتفع الطلب على السلع الأساسية وأرباح المؤسسات المملوكة للدولة في الصين لمستويات قياسية. كما شهدت الأسهم الكورية نموًا يزيد على 20 بالمائة خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، بينما ارتفع مؤشر “نيكي” الياباني من نحو 23 ألف إلى نحو 24 ألف خلال الأسابيع الأربعة الماضية. وفي غضون ذلك، تجاوز سوق الأسهم الأمريكي ال 26 ألف نقطة للمرة الأولى في تاريخه. ربما تكون “سلسلة الكتل” (Blockchain) هي تقنية المستقبل. لكن هذه التقنية ليس لها علاقة على الإطلاق بالاقتصاد في عصرنا الراهن.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن