وما بدلوا تبديلا – خالد بطراوي

وما بدلوا تبديلا - خالد بطراوي
خالد بطراوي

الكاتب: خالد بطراوي

هل تذكرون أيها الأعزاء ليخ فاونسا؟

ذلك “الكهربجي” البولندي الذي حاز على جائزة نوبل للسلام عام 1983 وقاد الحركة العمالية البولندية “التضامن” على إمتداد عشر سنوات التي أطاحت بالنظام الإشتراكي البولندي وإمتطى فاونسا سدة الحكم عام 1990 وحتى عام 1995 محولا بلاده من النظام الإشتراكي الى الرأسمالي.

كانت قلوبنا تنظر الى بولندا وإضراب عمال حوض بناء السفن في جدانسك ثمانينات القرن المنصرم تلك التي إستثمرها بكل ذكاء فاونسا ( وفي رواية أخرى فاليسا) وتربع على عرش قيادة الحركة العمالية البولندية وسعى الى أن تغادر بولندا المعسكر الإشتراكي.
بعد أن “لخها” ليخ فاليسا، ودعمه الغرب مطيحا بالإشتراكية البولندية كنظام، وبعد أن تربع لخمس سنوات على سدة رئاسة بولندا، ترشح فاونسا ( أو فاليسا) ثانية للإنتخابات الرئاسية وهزم هزيمة نكراء أمام الوزير الشيوعي السابق ألكسندر كفاشنيافسكي وذلك عام 1995، وعاد ليرشح نفسه مجددا عام 2000 ليهزم ثانية شر هزيمة ولا تتعدى نسبة المصوتين له 1.01% من الأصوات، ليعلن فاليسا بعدها إنسحابه من نقابة “التضامن”.

لكن، لماذا أذكركم بذلك كله؟

ببساطة … أكلوه “لحم” ورموه “عظم” … كما يقول المثل الشعبي العربي.

كانت الإمبريالية العالمية بوصفها أعلى مرحلة من مراحل الرأسمالية آنذاك، بحاجة الى إحداث حالة إختراق في المعسكر الإشتراكي، ووجدت في ” الفرخ” فاليسا ملاذها، فهو العامل الكهربائي الفني الذي يعمل في حوض بناء السفن حيث التململ الكبير بين صفوف العمال، وهو المتحدث اللبق وصاحب الشخصية الكرزماتية القيادية التي أهلته لقيادة حركة ” التضامن” وهي أوسع تنظيم نقابي في بولندا بل وفي المعسكر الإشتراكي.

فصفق له الغرب، وأمدوه بالأموال وأغدقوا عليه، وفرّخوا ” بطانة صالحة ” حوله وتنامي دور منظمة ” التضامن” وعصفت ببولندا أحداث جسام قادتها ” التضامن” وذاع صيت فاليسا وتمت الإطاحة بالنظام الإشتراكي وإقتيد فاليسا ” على الاكتاف” الى سدة الحكم.
لكن … كما يقولون …. راحت السكرة وإجت الفكرة.
بولندا أمام تحديات كبيرة وأمام إستحقاقات أكبر، فمن ناحية أطلق العنان للرأسماليين للسيطرة على مقاليد الإقتصاد ” وبالتالي السياسة” في بولندا، وفي ذات الوقت هناك إستحقاقات ووعودات للطبقة العاملة البولندية على فاليسا ( الذي لخها) وعلى بطانته الصالحة أن تفي ولو بالجزء اليسر منها.

فكان الفشل الذريع، لم تلب ” التضامن” ولم تحقق أي من شعاراتها، بل على العكس …. تنكرت للطبقة العاملة وتحول قادتها الى ” البروليتاريا ذات الياقات البيضاء” والى أداة طيعة من أدوات الرأسمالية المتنامية في بولندا، عندها إكتشفت الطبقة العاملة … المؤامرة، وإكتشفوا زيف فاليسا فأطاحوا به في الإنتخابات في المرة الأولى وفي المرة الثانية، وأدرك ” هذا الفرخ” متأخرا أنه قد غرر به من الغرب، وأنه خذل الطبقة العاملة فخرج من منظمة ” التضامن” ليقضي ما تبقى من عمره في شيخوخة ليست صالحة بل …. رذلة.

كم هو سهل أيها الأحبة أن يكون الفرد و/أو التنظيم في المعارضة حيث حنفية الدعم المباشر وغير المباشر من كل شخص و/أو هيئة و/أو دولة يسعون الى تقويض النظام القائم، حيث سيحمل هذا المعارض و/او الفصيل على أكف من الراحة لحين تحقيق الهدف .. وهو الإطاحة بالنظام القائم ( ولا أدافع هنا مطلقا عن أي نظام ولا لأبرر له أيضت شنيع أفعاله)، لكن من نافلة القول أن المعارضة دوما تتشدق أنها مع الكادحين والطبقة العاملة والفلاحين والفقراء والمستضعفين والفئات المهمشة والديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان وحتى حقوق الحيوان، وعند المحك العملي لا نجد ذلك كله.

أولئك الذين يدعمونكم ويصفقون لكم … يستخدمونكم مرحليا لخدمة أهدافهم ومصالحهم، ثم يتركونكم لقمة سائغة بيد الشعوب التي لا ترحمكم لأنكم سطرتم في سفر تاريخها صفحات سوداء من القمع والتنكيل ونشرتم ثقافة وشبح الموت.
كم من حزب معارض في العالم عموما وفي عالمنا العربي خصوصا أطاح بنظام بلاده تاريخيا وتربع على سدة الحكم … وعندما إنتهى دوره … لقي شر ميتة. كم من زعيم حاول أن ” يلوي ذنبه” أو ” يعنفق” … فرماه الغرب في عبارة للصرف الصحي ليلتقطه أبناء شعبه وينكلوا به تنكيلا.

ألا يندم اليوم ذلك المواطن المصري الذي رزق بتوأم ثلاث سبعينات القرن المنصرم فسمى الأول أنور ( تيمنا بأنور السادات) وسمى الثاني جعفر ( تيمنا بجعفر النميري) وسمى الثالث معمر ( تيمنا بمعمر القذافي) وإتضح أنهم جميعا “ليسوا ضباطا أحرارا” بل “زلم مرحلة” ، إنتهى أولهم بإغتيال في عرض عسكري، وظلت طائرة الثاني محلقة في أجواء السودان عند عودة جعفر النميري إليها ليمنع من الهبوط وإلتقط الشعب الليبي معمر القذافي من عبارة للصرف الصحي في مدينة سيرت ليلقى حتفه بالنعال قبل الرصاص.
هي إذا المعادلة …. ترفع وتتبنى الأمبريالية قادة يبدأون كمعارضة …. تقدم لهم كل الدعم لتقويض نظام الحكم في بلادهم … تسمح لهم بالتربع على سدة الحكم لفترة على أن ينفذوا أوامرها … وعندها تشعر أنهم قد أصبحوا ” دقة قديمة” وثمة حاجة لإستبدالهم تماشيا مع متطلبات وتقنيات العصر … تلقي بهم ” كالكلاب” في مزابل التاريخ.

تلك هي الظاهرة العامة … يشذ عنها قادة عظام .. عادوا الإمبريالية والرأسمالية وإنحازوا لشعوبهم فقضى بعضهم شهيدا وبقي من بينهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن