أسرار وأسباب طعن مصر على الحكم بإعتبار حماس “تنظيما إرهابيا”

مصر -حماس

الوطن اليوم / وكالات – مثل قرار الطعن المصري الرسمي على حكم محكمة “أول درجة” الذي أصدرته محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، بإعتبار حركة حماس “تنظيما إرهابيا” مفاجأة للجميع، كما كان قرار اتهام الحركة أيضا مفاجأة صادمة، وهو أمر فتح باب تحليلات كثيرة للجوء مصر لذلك، بعد إعلانها الاستعداد لتنفيذ الحكم. وينتظر سكان قطاع غزة المحاصر، إنفراجاً يحل الملفات العالقة مع القاهرة وأولها فتح معبر رفح، الذي قدمت مبادرة لإنهاء أزمته، لكن دون معرفة آخر تطوراتها.

قرار الطعن المصري على الحكم ضد حماس الذي أصدرته المحكمة، بناء على دعوة قدمها محاميان مصريان، جاء بعد أن أعلن وزير العدل المصري المستشار محفوظ صابر أن “الحكومة لن تطعن على الحكم القضائي الصادر في حق حماس باعتبارها “منظمة إرهابية” وذلك يعني أن الحكم واجب النفاذ وسيتم التحفظ على جميع ممتلكاتها على مستوى الجمهورية بعد ثبوت تورطها في “أعمال الإرهاب” التي شهدتها البلاد وسيتم إخطار البنك المركزي بالتحفظ على الأرصدة الموجودة في البنوك” حسب ما قال الوزير.

وقال أيضا “أن لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان برئاسة المستشار عزت خميس ستبدأ في إجراءات التحفظ على جميع ممتلكات وأرصدة حركة حماس” وأشار إلى أن “الحركة أصبحت طبقا للحكم القضائي والأدلة التي اعتمد عليها “منظمة إرهابية تضر بالأمن القومي للبلاد وسيتم القبض على أي عضو فيها في مصر ومصادرة جميع أموالهم ومقراتهم”.

وهذا ما فتح الباب أمام تحليلات وتساؤلات أكثر، فالحركة التي قضي ضدها في مصر، لم تكن تتوقع الاستئناف الحكومي، وإن كان هناك من يرون أنه من المحتمل أن يكون صورة جديدة تسعى إليها مصر لتثبيت الحكم من محكمة أعلى في الاختصاص، وهناك تحليلات تشير إلى أن مصر التي قبلت أن تدخل حركة الجهاد الإسلامي كوسيط لتقديم مبادرة لحل أزمة إغلاق معبر رفح البري، خاصة وأن مباحثات وفد الجهاد التي ترافقت مع النطق بالحكم ضد حماس، ركزت على مناقشة إنهاء التوتر، بين القاهرة وحركة حماس، لذلك ربما أرادت مصر أن تحافظ على قناة الاتصال بالحركة، بعدم قطع الخيط الأخير القائم عبر قناة “المخابرات العامة” كون الحركة لاعب رئيسي في غزة، وتتحكم من خلال موظفيها في إدارة المعبر والأمن بما في ذلك حفظ الحدود مع مصر.

من بين ما يتردد أيضا أن تدخلات أطراف عربية وإقليمية، ربما تكون السبب وراء دفع مصر لإتخاذ قرار الاستئناف، خاصة وأن السلطات المصرية، قد لا تبالي كثيرا بضعف الأدلة ضد الحركة لتمرير وتنفيذ قرارها، في ظل محاربتها لتنظيم “الإخوان المسلمين” منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي.

فاسم المملكة السعودية يطرح بقوة هنا، فهي الحليف الأبرز للنظام المصري، وترددت مؤخرا معلومات وأنباء تشير لوجود اتصالات لإعادة علاقاتها بشكل جيد مع حركة حماس، بعد وصول الملك سلمان لسدة الحكم، خاصة وأن العلاقة بينهما تأثرت كثيرا منذ الانقسام الفلسطيني، وتحميل المملكة لحماس مسؤولية إنهاء اتفاق مكة، إضافة لدولة قطر أكثر الدول العربية قرباً من حركة حماس، والتي تستضيف على أراضيها رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، والتي أيضا شرعت في خطوات عملية نحو إعمار قطاع غزة المدمر، رغم تلكؤ المانحين الذين تعهدوا بذلك في مؤتمر القاهرة، وكذلك تركيا الداعم الإقليمي للحركة، إذ زار رئيسها رجب طيب أردوغان الرياض بعد زيارة قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل عدة أيام فقط.

على العموم فإن حركة حماس استقبلت القرار المصري الجديد، بعدم الإفراط في التصريحات المشيدة، فالناطق باسم الحركة سامي أبو زهري علق بالقول أن قرار الطعن المصري يمثل إقرارا بأن هناك خطأ ارتكب بحق الشعب الفلسطيني وقضيته، وأن حماس تأمل أن يؤدي ذلك لـ “تصحيح الخطأ السابق باعتبار ذلك يسهم في تطوير العلاقات بين الجانبين”. وقد كشفت الحركة أيضا عن تلقيها مؤخرا “إشارات إيجابية” من الجانب المصري الرسمي بأن قرار المحكمة المذكورة لا يمثل الموقف الحكومي ولا أثر له على الأرض.

وذلك على عكس استقبالها لقرار الحكم ضدها، الذي انتقدته أكثر من مرة وعلى لسان أكثر من مسؤول، وسيرت ضده مسيرات عارمة في شوارع قطاع غزة، انتقدت خلالها الأداء الرسمي المصري ضدها، وقد وصفت القرار وقتها بـ “الصادم” ودعت مصر لتصحيح الخطأ، وساندتها الفصائل الفلسطينية، واعتبرته أيضا “قرارا مسيسا، لتصدير أزمات مصر الداخلية” ولوحت حماس بورقة سحب وساطة مصر من ملفات التهدئة والمصالحة، وهي ملفات تديرها مصر وترفض أي تدخلات عربية أو أجنبية بشأنها.

جملة التحليلات السابقة، تحدد في مجملها شكل العلاقة المقبلة بين السلطات المصرية والحركة، فالأخيرة التي تنفي بشدة اتهاماتها بالتدخل في شؤون مصر، تحدت كثيرا إثبات ذلك، بل وأكدت مرارا على حفاظها على الأمن القومي المصري، وذهب رئيسها في غزة إسماعيل هنية وهو من أبرز قادة حماس، للكشف عن وجود قناة اتصال رسمية مع الجهات المصرية، بعد الحكم القضائي أكدت لهم أن قرار محكمة القاهرة “غير ملزم” للحكومة، وقد نفى وجود مسلحي حركته في الأراضي المصرية وتحديدا في سيناء، كما يتردد من اتهامات.

صحيفة “القدس العربي” اللندنية نقلت عن مصادر خاصة ترجيحها بأن مصر أرادت أن تعيد من جديد رعايتها للملفات العربية وأهمها الملف الفلسطيني، من خلال عودة استضافة قادة فتح وحماس على أراضيها، لبحث المصالحة التي تشهد خلافات شديدة، وهو أمر سمحت به بعد انتهاء الحرب ضد غزة الصيف الماضي لمرة واحدة، وعادت ورفضته من جديد، وكذلك القيام من جديد بمهام الوساطة بين وفد الفصائل الفلسطينية الممثل بشخصيات قيادية من حماس، وبين إسرائيل، لإتمام باقي بنود اتفاق التهدئة الذي توسطت فيه أيضا الصيف الماضي خلال حرب “الجرف الصامد” وجمدته فيما بعد إلى أجل غير مسمى، خاصة وأن مصر التي لا ترغب في وسيط غيرها في هذا الملف أيضا، وصلها مساعي المقترحات التي نقلها وسطاء غربيين لحركة حماس من إسرائيل، وكذلك لجوء حكومة تل أبيب لأحد التجار من غزة لنقل هذه الأفكار إلى حماس، لإرساء تهدئة طويلة، بعيدا عن مصر الوسيط واللاعب الأساسي السابق، بسبب إتخاذها موقفا معاديا لحماس.

لا يمكن لإسرائيل أن تربط مستقبلها بعلاقات مضطربة بين القاهرة وحماس، في ظل أنباء عن إمكانية انفجار قطاع غزة من جديد بسبب تأخر الإعمار وسوء وضع سكانه المحاصرين اقتصاديا، فتل أبيب رافقت فتح قنوات اتصال جديدة بحماس بعيدا عن مصر، بتسهيلات بسيطة على حركة مرور البضائع.

وكانت معلومات أشارت إلى أن روبرت سيري مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، الذي ينهي مهامه هذا الشهر، إضافة إلى القنصل السويسري بول غرينير، زارا غزة والتقيا قادة من حماس، وعرضا وقفاً طويلاً لإطلاق النار يدوم لخمس سنوات، مقابل رفع الحصار عن قطاع غزة، بما فيها منع الدخول والخروج، وسماح إسرائيل ببناء ميناء ومطار في القطاع.

ولو نفذت هذه المقترحات، حال أبقت مصر على قرار حظر حماس باعتبارها “تنظيما إرهابيا”ستكون القاهرة بذلك قد فقدت أهم الملفات العربية التي تقوم بإدارتها بتكليف من الجامعة العربية، وإلا كيف لها أن تدير ملف التهدئة وهي لا تعترف بحماس، خاصة مع رفض الأخيرة لهذه الوساطة، إذ ربما كان قبولها مناقشة التهدئة عبر وسطاء غير مصريين إشارة للقاهرة لتصحيح الموقف.

على العموم فإن الأيام المقبلة ستكون الشاهد على مستقبل العلاقة، وسيلاحظ إن كانت مصر ستعيد علاقاتها مع حماس أم لا، وذلك من خلال البرهان العملي المتمثل أولا في إلغاء قرار المحكمة، وثانيا في استضافة رعاية المصالحة، والإشراف على مناقشة باقي بنود التهدئة، وحل أزمة معبر رفح البري المغلق.

وهنا لا يبدي السكان المحاصرون أي تفاؤل تجاه حل أزمة المعبر، رغم وجود مبادرة قدمها مؤخرا وفد حركة الجهاد الإسلامي، التي حافظت على علاقتها مع مصر، خاصة وأن المؤشرات تقول أن المبادرة من المحتمل أن تواجه خطر الفشل هذه المرة، رغم الحديث عن إيجابيات كثيرة حققتها.

فالقيادي في حماس النائب إسماعيل الأشقر، قال أن حركته تؤكد على مبدأ الشراكة في إدارة معابر قطاع غزة، وقال إنها ترفض أي مقترح يستبدل “مستنكفي” السلطة بموظفي المعابر الحاليين، وهو مقترح قدم من الجهاد، وقال أيضا أن حماس لن تسلّم المعابر إلا ضمن رؤية شاملة لتطبيق المهام التي أوكلت إلى حكومة التوافق، وفي مقدمتها إنهاء أزمة الموظفين.

جاء ذلك بعد أن سمحت مصر مؤخرا بفتح المعبر ليومين فقط، بعد 45 يوما من الإغلاق، لتمكين ألف مسافر من المغادرة فقط، وجلهم من المرضى والطلاب.

فالمواطن في غزة يتطلع لأشياء ملموسة، لا مجرد إعلان متكرر عن قرب حل أزمة المعبر الوحيد الذي يصل هؤلاء المحاصرين منذ ثماني سنوات من قبل إسرائيل بالعالم

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن