في الطريق إلى الدولة

خلال أيام قليلة يعقد البرلمان البلجيكي جلسة هامة جداً للاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها ودعوة الحكومة البلجيكية إلى أخذ قرار بهذا الاعتراف، إنه سياق متصاعد لصالح حقنا الفلسطيني الذي ناضلنا من أجله طويلاً، وخضنا على الطريق في مسارات سياسية طويلة كان بعض الفلسطينيين والعرب يقفون خارجها، معادين لها، مشككين في جدواها، بينما كانت الشرعية الفلسطينية تراهن على حدوث هذا التغيير في الرأي العام العالمي لصالح فلسطين وحضورها من جديد في الجغرافيا السياسية في المنطقة كدولة كاملة السيادة ولها القدرة على الحياة والمساهمة في أمن واستقرار هذه المنطقة التي تعاني منذ عقود من القلق وتصدير الشر الذي يشعل الحرائق الكبيرة.
وبينما النص الفلسطيني يصعد فإن النص الصهيوني يتراجع، بل إن إسرائيل تواجه هذه الأيام المأزق الكبير، وهو مأزق وجودي، لأنها عاجزة عن تبرير نفسها، وعاجزة عن الدفاع عن سلوكها السياسي الذي ينحدر أكثر نحو إرهاب الدولة بما تفعله بالفلسطينيين دون حسيب أو رقيب، بل إن كل ما ادعته إسرائيل بأنها دولة متميزة في المنطقة ثبت أنه ادعاءات لا أساس لها، ويكفي أن نتنياهو الذي لم يجد مفراً من الذهاب إلى انتخابات مبكرة في السابع عشر من آذار “مارس” المقبل، يقول بصراحة في دفاعه عن نفسه، إنه يخوض معركة الانتخابات القادمة على خلفية من يحكم إسرائيل؟ وليس على خلفية ماذا تفعل إسرائيل في مواجهة الاستحقاقات والمتغيرات؟ وهل هي جزء من التاريخ وجزء من المنطقة التي نعيش فيها أم أنها تعيش خارج سياق التاريخ اعتماداً على الخرافات؟
في ست سنوات ذهبت إسرائيل إلى ثلاث حروب تدميرية في قطاع غزة، وإلى حرب تدميرية في لبنان 2006، وقبلها عام 2002 إلى اجتياح الصفة الغربية، دون أن ترتفع نخبها السياسية إلى مستوى الإجابة عن السؤال.. وماذا بعد؟
بل إن نتنياهو يغلق على نفسه الدائرة تماماً، ويردد لنفسه كل يوم مقولات “جابوتنكسي” الصهيونية التي كررها على مسامعه والده آلاف المرات، دون أن يرى أن العالم في حراك مستمر، وفي تغير واسع النطاق، وأن إسرائيل إذا لم تتغير وفقاً لمعطيات التاريخ فإنها سوف تغرق في المأزق أكثر وأكثر، وتصبح عبئاً على العالم، وأن طموحها المجنون بالهروب من استحقاقات القضية الفلسطينية وشعبها الصامد، تلك الطموحات ستزيد إسرائيل عزلة واصطداماً بالجدار.
المهم في الأمر: أن العمل الفلسطيني يبدو هذه الأيام منسقاً للغاية، فمع طرح المشروع الفلسطيني على مجلس الأمن من خلال الأردن بصفته ممثلاً للمجموعة العربية في مجلس الأمن، فإن القيادة الفلسطينية تطرح في نفس الوقت مشروعاً لإحياء المفاوضات مع الإسرائيلين، وهي المفاوضات التي كنا نريدها دائماً بمرجعية جديدة، وهذا هو الوقت المناسب.
بل إن القيادة الفلسطينية وصلت إلى درجة عالية من تنسيق عملها السياسي، حيث أعطت الأولوية الآن في هذه اللحظات على الذهاب لمجلس الأمن، وطرح موضوع الاعتراف بالدولة، وتركت الذهاب إلى اتفاق روما ومحكمة الجنايات الدولية كخيار لاحق في حالة الاستعصاء في مجلس الأمن بسبب الضغط أو الفيتو الأميركي، وهكذا فإن الدبلوماسية الأميركية ليست مضطرة إلى الخيارات المستحيلة، فقد رسمت القيادة الفلسطينية أن يكون موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية والمفاوضات بعد الاعتراف في حلقة واحدة وليسا موضوعين متباعدين أو متناقضين، ولذلك نرى بعض الأصوات المنافقة في الساحة الفلسطينية تضاعف من حجم الصراخ المشبوه الآن مطالبة بحشر كل الأشياء في لحظة واحدة، مع أن بعض هذه الأصوات ماطلت وماطلت ولا تزال تماطل في إعطاء الشرعية الفلسطينية تفويضاً بالذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية، وكثيرون يعرفون ذلك بالتفاصيل، ولكنهم في مجال النفاق السياسي ينكرون معرفتهم ويصمتون، فلماذا؟ وهل هم خائفون من كشف أوراقهم المستورة؟
إنها لحظة مهمة في تطور القضية الفلسطينية، ولذلك فإن كل الخطوات يجب أن تكون محسوبة بميزان من ذهب، ونطلب من كل الأطراف أن ترتقي إلى مستوى المسئولية، وحتى إذا كان لبعض الأطراف ارتباطات قوية بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، أو ارتباطات مع إيران، أو مع أية أطراف أخرى، فإن هذه الارتباطات لا يجب أن تجعل أوراقنا تصب في ميزان تلك الارتباطات، وهذا هو الفرق الجوهري بين الوطنية الفلسطينية والخارجين عن إطارها.
نحن في لحظات فارقة: وهذا التقدم في الحراك السياسي الدولي لصالح الدولة الفلسطينية ليس ناتجاً عن انفعالات، بل ناتج عن حسابات دقيقة، ومطلوب منا فلسطينياً النجاح في هذا الاختبار، وشعبنا لن يسمح في ظل كل الاعتبارات أن يأتي الخلل من ساحتنا، أو أن يأتي الاختراق القاتل من أي جانب فلسطيني، فليفتح اللاعبون عيونهم جيداً، ويحرصوا ألا يقعوا في خطيئة الاعتداء على الحق الفلسطيني مهما كانت إغراءات الأيدولوجية أو المكاسب الرخيصة، ويكفينا تلك الخيانة الكبرى التي ارتكبها صالح العاروري من قيادة حماس الذي أغرق قطاع غزة في حرب تدميرية من أجل استدراج عنف إسرائيلي لإسقاط السلطة، والمشكلة أن المنافقين الذين يتباكون اليوم على الدم الفلسطيني يعرفون كل تفاصيل هذه الخيانة ولا ينطقون بحرف واحد، الا لعنة الله على المنافقين.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن