مصر تودّع الحوار وتركب قطار المجهول

بقلم/ أحمد الحيلة

بقلم/ أحمد الحيلة

يبدو أن الخط البياني آخذ في التصاعد بالنظر لما تشهده مصر من أحداث أمنية هذه الأيام؛ فبعد مقتل النائب العام المصري المستشار هشام بركات في سيارة مفخخة في القاهرة (29حزيران/يونيو) الماضي، قامت أجهزة النظام بقتل 13 قيادياً بالأمس من الاخوان المسلمين في مدينة 6 أكتوبر، في الوقت الذي كانت فيه منطقة الشيخ زويّد شمال سيناء على موعد مع أكبر هجوم مسلح تتعرض له القوات المصرية في 15 نقطة أمنية وعسكرية، راح ضحيتها عشرات الجنود بين قتيل وجريح على يد مسلحي “ولاية سيناء” الموالين لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

تلك الأحداث وما قد يتلوها من مشاهد عنف متوقعة بين النظام والمجموعات المسلحة، يثير التساؤل عن مستقبل الأوضاع في مصر، حيث الانقسام السياسي الحاد بين أنصار ما يعرف بالشرعية والرئيس مرسي المنتخب والمحكوم عليه بالإعدام، وبين أنصار الرئيس السيسي المتهم بالانقلاب على ثورة 25 يناير.

عند محاولة قراءة مستقبل الوضع المصري في ظل الأحداث الدامية التي جرت خلال الأيام الراهنة، نسلط الضوء على العديد من النقاط الهامة ذات العلاقة ومنها:

• أولاً: فشل سياسات الرئيس السيسي وحكومته في إدارة شؤون الدولة المصرية بعد سنة من الحكم، فالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية غير مستقرة، والأجواء السياسية والأمنية مأزومة ومعقدة، رغم حجم الدعم السياسي والاقتصادي المتواصل من دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر، ومن واشنطن، وبروكسل، وتل ابيب بشكل غير مباشر (وفي هذا تفصيل ومعلومات كثيرة يمكن الرجوع إليها من مصادرها المختصة في المجالات كافة).

• ثانياً: الرئيس السيسي ما زال متمسكاً بسياسة الإقصاء أو الاستئصال لكافة القوى السياسية المعارضة والمحسوبة على ثورة 25 يناير وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين عبر سلطة القضاء، وذلك بإصدار مئات الأحكام بالإعدام والسجن المؤبد للمعارضين السياسيين لحكمه ولإفرازات ما يعرف بثورة 30 يونيو المضادة. والإشكال الكبير الذي يواجه الرئيس السيسي هنا، أن التيار المعارض له ولسياساته الأمنية يشمل الإسلامي، واليساري، وفيه قطاع عريض من الشعب المصري الذي لا يعرف الانتماء إلا لمصر، وهو تيار يمثل نحو نصف الشعب حسب الانتخابات المتكررة التي جرت عقب ثورة 25 يناير. وهذا بدوره أنتج انقساماً سياسياً ومجتمعياً حاداً، ومجتمعاً متوتراً مشحوناً بالكراهية والاغتراب داخل حدود الوطن.

• ثالثاً: إن استمرار الاعتقالات السياسية، والأحكام القضائية التعسفية ـ حسب شهادات العديد من المنظمات الحقوقية المعنية ـ ، وجنوح الحكومة المصرية لتنفيذ أحكام الاعدام بحق قيادات الإخوان المسلمين والرئيس مرسي ـ وهو أمر متوقع ـ ، سيُعدُّ ضربة قاضية لأي إمكانية أو فرضية للحوار السياسي بين الأفرقاء، وسيُسرّع من وتيرة التصعيد الأمني الداخلي الموجود أصلاً؛ لأن غياب القيادات السياسية الكبيرة والمؤمنة بالسلمية سيفتح الباب على مصراعيه لجيل الشباب المتحمس لمواجهة النظام وأجهزته الأمنية بالقوة، على قاعدة أن النظام لا يؤمن بالحوار، وطالما أن ثمن المعارضة السياسية هو القتل ميدانياً، أو الحكم بالإعدام، أو السجن المؤبد، فسيجد الكثير من الشباب المصري ضالته في حمل السلاح إما للدفاع وإما لأخذ حقه الشخصي أو الوطني بالقوة.

• رابعاً: اتساع مساحة الدولة المصرية والتي في معظمها صحراء مترامية الأطراف، وتمتعها بساحل يصل طوله نحو 1000 كيلومتر على البحر الأبيض المتوسط شمالاً، واشتراكها غرباً مع ليبيا بحدود طويلة تزيد على 1100 كيلومتر، يجعل من مصر عرضة لكل أنواع التهريب خاصة إذا أخذنا بالاعتبار ترهل الوضع الأمني واستمرار القتال الداخلي في ليبيا، وعدم وجود حكومة مركزية هناك. هذا يعني وجود خاصرة أمنية رخوة على الحدود الغربية لمصر، مما قد يسمح بإدخال أنواع وكميات كبيرة من السلاح إلى الأراضي المصرية.

• خامساً: إن حالة الاضطراب في الإقليم، وتراجع سيطرة الحكومات المركزية، وصعود تيارات المعارضة المسلحة، سيخلق حالة من المحاكاة لدى قطاع من الشباب المصري الذي يشعر بالاضطهاد والظلم داخل الدولة. وليس أدل على ذلك من وجود ما يسمى “ولاية سيناء” المنتسبة لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والتي قامت بالأمس بعمليات عسكرية ضد الجيش المصري وقواه الأمنية في الشيخ زويّد شمال سيناء، وهذا ينذر باتساع رقعة المواجهة والمحاكاة في مناطق أخرى من مصر.

• سادساً: إن المشهد المصري في أصله سياسي، وما ثورة 25 يناير السلمية إلا تعبير عن ذلك، ويفترض بالأفرقاء الاحتكام إلى الحوار والتوافقات السياسية كآلية لحماية مقدرات البلد، ومصالح جميع الأطراف. لكن للأسف أن عقلية العديد من الساسة العرب ـ دون التعميم ـ هي عقلية المالك لعقار أو مزرعة، وإذا أضيف عليها الخبرة الأمنية أو العسكرية التقليدية التي تؤمن بالقوة والمزيد من القوة لإحكام السيطرة، فإننا نصبح أمام حالة من الاستبداد والبطش والتنكيل بالآخر الرافض للإذعان أو الاستسلام. وهذا في حد ذاته مبعث قلق على مستقبل مصر خاصة بعد رفض القيادة المصرية الأخذ بنصائح المملكة العربية السعودية، بالحوار والتصالح مع الإخوان والقوى السياسية الأخرى حماية لمصر القاطرة المفترضة للعالم العربي.

وإذا أضفنا لما سبق تأكيد الرئيس السيسي، أثناء جنازة النائب العام هشام بركات، على “عجز القوانين والمحاكم في تحقيق العدالة في مصر”، ومن ثم إعلان الحكومة المصرية أنها في حالة “حرب مع الإرهاب”، ودخول الاحتلال الإسرائيلي على خط الأزمة المصرية من خلال تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو التي أكد فيها بالأمس أن “إسرائيل شريك لمصر، وفي خندق واحد مع دول المنطقة في محاربة الإرهاب”..، فإننا نعتقد أن المشهد ينذر بانزلاق مصر إلى أتون الصراع الداخلي المسلح الذي سيأخذ البلد إلى عالم المجهول، إن لم يتم الاستدراك والتوقف لإعادة النظر في السياسات القائمة قبل فوات الأوان.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن