بقلم/ راسم عبيدات
رغم كل حالة الصمود التي يبديها المقدسيون،فالواقع يقول بأن ما يملكونه من طاقة وإرادة وإمكانيات كبيرة جداً،ولكن هذا ليس بالكافي لمنع تقدم وتمدد المشروع الصهيوني في المدينة،فهناك دولة إستيطانية تزج بكل طاقاتها وإمكانياتها لتهويد المدينة وأسرلتها،وأيضاً يجري العمل والتنسيق والتعاون بين مختلف الأجهزة والقطاعات والمستويات الصهيونية رسمية وغير رسمية،لتحقيق ما تصبوا إليه من أهداف في التهويد والأسرلة،ودلالة ذلك بأننا كل يوم نصحو على وقائع جديدة تفرض بالقوة وبالعمل في أرض الواقع،حيث التغيير يطال ويستهدف كل معالم الوجود العربي الإسلامي في المدينة،بكل ظواهره ومظاهره وتجلياته،للوصول الى حالة من نفي الوجود العربي – الإسلامي في المدينة،في أبشع وأحقر عملية للسطو على التاريخ وتزويره.
وصغيرنا قبل كبيرنا في القدس أصبح خبيراً ومحللاً فيما تتعرض له القدس من حرب شاملة يشنها المحتل على المقدسيين،وكذلك لا داعي لكي “نجتر” نفس الحديث عن أزمة السلطة وقصورها وعدم قيامها بدورها و وتحمل مسؤولياتها في المدينة،وحتى الغياب عن اجنداتها،ولا داعي أيضاً بأن نستمر في مطالبة ومناشدة العرب والمسلمين بأن يقفوا الى جانبنا أو يعملوا على دعمنا بالمال والإعلام والسياسة والموقف،فقرارهم وإرادتهم خارج سيطرتهم،ولا احد مهم يستطيع ان يدفع قرش واحد بدون قرار أمريكي- اوروبي- اسرائيلي ،حتى لو كان على شكل وجبة غذائية في شهر رمضان،فعلى سبيل المثال لا الحصر تصريح إدخال الوجبات من قبل هيئة الأعمال الإماراتية الى الأقصى في شهر رمضان كان من وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب،تحت عنوان إدخال الوجبات الى (هار هبيت) يعني جبل الهيكل،وعلى هذا المنوال يجري القياس،حيث تجد الخلاف بين أكثر من جهة وهيئة فيما يتعلق بمحاولة فرض السيطرة أو الموقف في قضية المسجد الأقصى.
ولنبتعد عن النمطية في الكلام وترداد نفس الإسطوانات والندب والبكاء،ولنفكر بشكل جماعي بحلول خلاقة تخرج عن إطار النمطية والرتابة فالأزمة غير العادية تحتاج الى حلول غير عادية ومن نمط خاص،ولنوقف الجدل والنقاش وطرح الحلول والمقترحات حول توحيد العناوين والمرجعيات في المدينة،فهذه مسألة معقدة ومرتبطة بمصالح واجندات لأكثر من طرف وجهة،وأصبح الحديث فيها يدمي القلب،فالإرادة السياسية عند المنظمة والسلطة وحتى الأحزاب والفصائل غير متوفرة،ولذلك الحل يجب ان يتاتى من المقدسيين أنفسهم،فخلق وإيجاد المرجعية والعنوان المقدسي الواحد فيما يتعلق بهمومهم الإقتصادية والإجتماعية،يكون من خلال هيئة علنية يتمثل فيها أوسع طيف مقدسي سياسي وطني مجتمعي مؤسساتي،يناط به رسم استراتيجيات ووضع خطط وبرامج وآليات يجري اشتقاقها من تلك الخطط والبرامج لكيفية حماية وتعزيز صمود ووجود المقدسيين في المدينة،بحيث يجري طرح ورقة موقف من القضايا المركزية من طراز علاقة المقدسيين ببلدية الإحتلال،وكيفية حصول المقدسيين على حقوقهم وتلقيهم لخدمات مقابل ما يجبى منهم قسرياً من ضرائب متعددة الأشكال والعناوين،وبالذات ضريبة “الأرنونا” المسقفات،قضية التعليم في مدارس القدس،فالمظلات التعليمية متعددة،ولكن ما هو واضح بأن العملية التعليمية والسيطرة عليها تحسم لمصلحة الإحتلال،فنحن نجد تمدد في التعليم وفق المنهاج الإسرائيلي،ناهيك عن إزدياد عدد الطلبة المقدسيين الملتحقين ب”البجروت” الإسرائيلي،والأخطر بأننا حتى اللحظة لا نمتلك رؤيا او حلول او مواقف،لا على مستوى سلطة او احزاب او وزارة تربية وتعليم،حول توجه أغلب المدارس الأهلية والخاصة لتلقي اموال من بلدية الإحتلال،فالبعض يبرر هذا حق لنا بإسترجاع اموالنا من بلدية الإحتلال..؟؟،ورأي قوي يقول بأن هذا يشكل إختراق مالي له ثمن على صعيد الموقف والمنهاج والعملية التعليمية،وبالتالي هذه المدارس تصبح تحت سيطرة بلدية الإحتلال ودائرة معارفها،وبما يجعلها تتماهى مع المدارس الحكومية،اللهم الفروقات بأن هذه المدارس تأخذ أقساط مرتفعة من الطلبة،وتتلقى مساعدات مالية من البلدية.
هنا لا توجد استراتيجية ولا رؤيا ولا حتى موقف،ومع بداية كل عام دراسي نجد أنفسنا أمام حالة من الضياع و”التوهان”.
قضية السلم الأهلي والمجتمعي في المدينة وتفكك النسيج الإجتماعي،غياب المرجعية والعنوان واضحة هنا،وهنا يجب التاكيد بأن أي هيئة أو مرجعية شعبية مقدسية يجري التوافق عليها مقدسياً،يجب ان تفرد حيزاً كبيراً لهذا الجانب من خلال لجنة منضوية تحت مسؤوليتها،بحيث يجب العمل بشكل حثيث لمنع تكريس العشائرية والجهوية والطائفية،وأن تكون الحلول للمشاكل والقضايا وفق رؤيا وطنية تعزز من مفهوم المواطنة والإنتماء الوطني.
قضايا السكن والإسكان،هي واحدة من القضايا المركزية في تعزيز الوجود والصمود المقدسي في المدينة،والإحتلال يمارس ويضع الكثير من العراقيل والمعيقات أمام المقدسيين على صعيد الحصول على الرخصة والكلفة العالية للحصول عليها،وعدم توفر الأراضي لإقامة أبنية أفقية،وكل الدراسات التي أنتجتها أو طرحتها المؤسسات واللجان والإتحادات التي تعني بالإسكان تتحدث عن أزمة عميقة وحاجة كبيرة للإسكان،حيث أننا بحاجة الى (40000) وحدة سكنية في السنوات الخمس القادمة،وفي دراسة قام بها الإتحاد التعاوني للإسكان في القدس، قال أنه بالإمكان الحصول على رخص وإقامة إسكانات عليها،اذا ما جرى تعاون ما بين المواطنين المقدسيين،والبنوك الفلسطينية التي ترفض تقديم أية تسهيلات للمواطنين المقدسيين،رغم ان الجهات الداعمة تضخ الأموال عندها،وتعمل على خلق إحتكارات او شركات يكون أعضائها مكون رئيسي فيها لإستغلال هذه الأموال لمصلحتهم ومنفعتهم وليس لمصلحة ومنفعة المواطنين المقدسيين،وكذلك عجز السلطة والمنظمة والأحزاب عن وضع حلول عملية في هذا الجانب،يفاقم من ازمة المواطن المقدسي ويزيد من حالة غضبه ويأسه وعدم ثقته بكل ما هو قائم.
الخروج من الأزمة يحتاج الى وقفة جريئة وقرارات جريئة بعيداً عن المصالح والأجندات الخاصة،فأهل مكة أدرى بشعابها،ولا يجوز ان يبقى المواطن المقدسي أسير لمزاجية هذا المسؤول او ذاك،او ما يخدم مصلحته واجندته،فالمقدسيون عليهم أخذ زمام امورهم بأيديهم،ولا مناص من تشكل لجنة او جسم مقدسي علني شعبي،يقود كل نضالاتهم المطلبية والمجتمعية،ويعالج كل قضاياهم ومشاكلهم اليومية والحياتية،ويرسم الإستراتيجيات ويضع الخطط والبرامج،والأليات العملية لكيفية تنفيذها في أرض الواقع،بما يحافظ على حقوق المقدسيين ويثبت وجودهم،ويدافع عن انتمائهم وهويتهم الوطنية.