رأى المستشرق الإسرائيلي ميخائيل ميلشتاين رئيس قسم الدراسات الفلسطينية في مركز يان التابع لجامعة تل ابيب أنه بعد الخطوة الجريئة التي أقدم عليها زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، في عملية “حارس الأسوار”، إذ بادرت حماس إلى بدء معركة ضد إسرائيل لأول مرة في تاريخها، وذلك بسبب حوادث في القدس، ومن دون احتكاك سابق في قطاع غزة، نراه يواصل فحص احتمالات تغيير قواعد اللعبة في مواجهة إسرائيل، على حدّ تعبيره.
وتابع المُستشرِق الإسرائيلي قائلاً في مقال نشره بصحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية إن “السنوار يعمل انطلاقاً من منطق مفاده أنه في الإمكان العودة إلى التسوية القديمة من دون الانجرار إلى معركة واسعة النطاق لا ترغب فيها حماس في هذه المرحلة”.
وأوضح أيضًا أن سلوك السنوار ليس سلوكاً غير عقلاني وليس دليلاً على روحية مسيانية، أو على انقطاع العلاقة بالواقع، بحسب تقديرات جهات أمنية إسرائيلية، فهو يعمل في ضوء اعتبارات ذكية وبواسطة أسلوب “التجربة والخطأ”، وهو مستعد لدفع ثمن معين مقابل الدفع قدمًا بالأهداف الأيديولوجية الأساسية بالنسبة إليه.
الباحث الإسرائيلي شدّد على أن إسرائيل تواجه اليوم معضلة إستراتيجية صعبة في قطاع غزة، فإذا أرادت أن ترسخ هدوءاً مثل الذي كان موجوداً قبل عملية “حارس الأسوار”، يتعين عليها أن تقبل شروط السنوار والعودة إلى مسار “التسوية القديمة”، ومعناها الموافقة على تحويل كل المساعدة القطرية وزيادة كبيرة في تصاريح التنقل والتجارة من القطاع وإليه، وكلّ ذلك من دون إحراز تقدم في المفاوضات في موضوع الأسرى والمفقودين الذي كان شرطاً أساسياً بعد عملية “حارس الأسوار”، للدفع قدماً بخطوات مدنية واسعة النطاق.
ولفت ميلشتاين إلى أن مغزى العودة إلى “التسوية القديمة” هو المس بقوة الردع الإسرائيلية، وفي هذا الإطار تتعزز إمكانية تبني قيادة حماس تقديرًا مفاده أنه في الإمكان العودة إلى القيام بخطوات استفزازية في المستقبل، سواء كان جرّاء تطورات خارج قطاع غزة، مثلاً في القدس، أو في الضفة الغربية، أو في المجتمع العربي داخل إسرائيل، من دون أن تدفع الحركة ثمناً باهظاً.
وتابع قائلاً إن الخيار الثاني أمام إسرائيل هو معركة إضافية واسعة النطاق يمكن بواسطتها إعادة صياغة قواعد اللعبة مع حماس. إذا وصلت إسرائيل إلى خلاصة أن هذه الخطوة ضرورية، فمن الأفضل أن تشمل هذه المعركة جواباً على ثلاث فجوات إستراتيجية برزت خلال عملية “حارس الأسوار”؛ أخذ زمام المبادرة الهجومية؛ توجيه ضربة قاسية إلى قيادة حماس، وصيغة صارمة لشروط التسوية في اليوم التالي من دون انسحابات ومرونة كما جرى في الأشهر الأخيرة، والإصرار على أن شروط الدفع قدماً بخطوات مدنية مهمة هي تقديم تنازلات في موضوع الأسرى والمفقودين.
وأوضح أنه بين هذين البديلين المتناقضين لا يوجد بدائل وسطية قابلة للتطبيق. استمرار الوضع الحالي معناه استمرار الاحتكاكات ولو بقوة مختلفة يمكن أن تفاجئنا حماس خلالها وتبادر إلى معركة ضد إسرائيل. ثمة احتمال ضئيل لأن تقرر “حماس” إبداء مرونة في مواقفها – في الأساس منع الاحتكاكات العنيفة وقبول الواقع المدني القائم والاستجابة إلى الضغط المصري والقطري عليها. صحيح أن مصر أغلقت معبر رفح كخطوة عقابية على سلوك حماس، لكن ليس من الواضح الآن ما إذا كانت ستنجح في إجبار “حماس” على منع الاحتكاكات العنيفة بصورة كاملة ودائمة في القطاع.
وخلُص المُستشرِق والباحِث الإسرائيلي إلى القول إن الواقع المعقد في قطاع غزة يثبت مرة أُخرى أن عملية “حارس الأسوار” لم تنته فعلاً، بل بقيت كقصة مفتوحة ولم تغير أساس قواعد اللعبة بين إسرائيل و”حماس”.
وبناءً على ذلك يتعين على إسرائيل الاستعداد لمواجهة معركة إضافية، ومن المحتمل في الأمد قريب. إذا أحسنت إسرائيل قراءة نوايا “حماس” وامتنعت من إسقاط منطقها على خصمها وأخذت مبادرة هجومية بدلاً من الانجرار إلى تبادل ضربات مرهقة، فإن هذا سيعزز فرص بلورة “تسوية جديدة” عند انتهاء المعركة المقبلة، على حدّ قول المُستشرِق وبالباحث الإسرائيلي.