إسرائيل القديمة والعرب الجدد

د. عبدالله الأشعل
د. عبدالله الأشعل

بقلم / د. عبدالله الأشعل

عندما قامت الجامعة العربية فى 22 مارس 1945 كانت الحرب العالمية الثانية قد بدأت فى الخمود وكانت الآمال معلقة على عالم جديد تتصدره الأمم المتحدة بكل القيم التى عصفت بها السنة اللهب وأطماع الساسة فى حربين عالميتين لا يفصل بينهما سوى عقدين من الزمان بالكاد فكان العالم قد صمم على أن تتقدم الشعوب لانشاء عالم خال من الحروب والويلات، وتستقل فيه الأمم عن الاستعمار والعبودية والعنصرية وتزينه منظومة حقوق الانسان التى تأخرت ثلاثة أعوام  منذ أبرام ميثاق الأمم المتحدة. فى هذه الظروف نشأت الجامعة العربية وكانت نذر استعمار فلسطين تلوح فى الافق لأن مقومات إسرائيل كانت قد اكتملت منذ مؤتمر السلام فى فرساى عام 1919 وتشكيل الوكالة اليهودية التى وضعت نظام الانتداب على فلسطين بناءا على اتفاق شهير بين الأمير فيصل بن الحسين الذى فر مع والده وأخوته من الحجاز والذى كان لا يزال يجتر أوهام الدولة العربية الواحدة وعلى رأسها والده الذي أعدت بريطانيا عدتها مع أبن سعود لضم الحجاز إلى امارته المتمددة. كان الاتفاق بين فيصل وحاييم وايزمان رئيس الوكالة اليهودية يقضى بالتعاون بين العرب واليهود على الاستقرار فى فلسطين وتشجيع الهجرة اليهودية إليها وتنفيذ وعد بلفور. هكذا بدأت القضية الفلسطينية باتفاق شهير وهكذا بدأت الجامعة العربية بمبادرة بريطانية لكى تتحدث بريطانيا العظمى مع كيان واحد تسيطر هى على كل أعضائه وتحتل أراضيها وفى عام 1948 كان المخطط قد اكتمل لاعلان قيام دولة إسرائيل على أكثر من نصف أراضى فلسطين.

وعندما تنعقد قمة نواكشوط العربية فأن ذلك يدعو إلى التأمل فى مسيرة العرب وفى مسيرة إسرائيل وطريق الأشواك الذى سار فيه الفلسطينيون وألحت علينا أسئلة تدعو إلى الألم ولا تحتاج إلى اجابات ولكننا نكتب فى الواقع للاجيال التى ستقرأ تاريخ الأسئلة بأقلام كتاب السلطة فى العالم العربى الذين ينتمون إلى أمة عربية خالدة ولكن بعض حكامها تآمروا عليها تحت أستار مختلفة . فنقارن بين قمة أنشاص الأولى فى مصر برئاسة الملك فاروق التى رصدت تقدم العصابات الصهيونية فى فلسطين وبين قمة نواكشوط حيث  صار العرب أعرابا ممزقة لا يجمعها رابط ومن ثم لم تعد جامعتهم تصلح غطاءا لسترهم بل أصبحت وكرا لمؤامراتهم ولم نسمع حتى الآن حاكما شجاعا يكشف سترهم ويؤكد لهم أنهم يختانون أنفسهم.

خلال العقود من الرابع في القرن الماضي إلى العقد الثانى من الألفية الجديدة، كانت إسرائيل نبتا شيطانيا زرع فى أرض طاهرة وكان الجسد العربى حينذاك يدرك أن هذا النبت هو سرطان وأن الحياة لا تتسع إلا للجسد العربى بالنظر إلى منطقة ممتدة وشعوب قديمة واراده صلبة لقهر هذا الكائن الذى انقض على جزء من الجسد، فإذا الجسد اليوم يستسلم  للسرطان وتتصور بعض أعضائه أن التحالف مع السرطان وقاية لها من شروره بعد أن اخترق الغرب طبقته الحاكمة وتمكن من أن يسقط الصخرة التى كادت أن تقضى على السرطان فى مهده وهى مصر فسقطت بعدها كل القلاع العربية بدرس مرير تجاهله الحكام العرب وهو أن تعايش السرطان مع الجسد يكون مؤقتا وينتهى الأمر أما بأن تفقد المناعات العربية مقاومتها ويقضى السرطان عليها وهذا ما حدث على مستوى القيادات العربية وأما ان تفتك هذه المناعات بالسرطان فى معركة ضارية تخرجه إلى الأبد من دائرة المناعة العربية، وهى بلا شك الشعوب العربية التى صارت ترى بوضوح بعد أن تعرضت لعقود من التشويش فماذا تنتظر هذه الشعوب من حكام أصبحوا صرعى السرطان الصهيونى وتخلوا بالضرورة عن الشق الفلسطينى فى المعادلة رغم أنهم لا زالوا يكررون بشكل ممل ساذج نفس المقولة وهى أن فلسطين قضية العرب الأولى، كانت فى الماضى  لالتماس الشرعية لوجودها فأصبح التفريط في فلسطين قربي هذه النظم لواشطن واسرائيل بعد أن أخمدوا الموجة الأولي من اثورات الشعوب التي أوشكت أن تطوي تاريخهم.

فكيف تحولت إسرائيل من كائن مزروع فى غير تربته ضمن مؤامرة دولية واضحة أسست فى البداية لشرعيتين فى إسرائيل الأولى هى شرعية القوة والإرهاب والإبادة  ، والثانية هي شرعية قرار التقسيم المناقض تماما لميثاق المنظمة الدولية؟! وكيف تجاوز قطار الزمن هذا القرار وكيف تحول العرب إلى التسابق على احتضان إسرائيل وتدليلها بعد أن سحقتهم إسرائيل وقضت على أدميتهم تحت ستار المبادرة العربية التى ولدت ميتة وكيف دبت الروح فى هذه المبادرة  فجأة لكى تكون قميص عثمان للقضاء تماما على عروبة العرب واعلان الانضواء وراء إسرائيل بحجة أنها تحمى الأمن القومى العربى الذى تهدده إيران وهى التى تساند المقاومة العربية بعد أن تخلى العرب عنها بل وطلب وزير خارجية السعودية تجريد هذه المقاومة من السلاح، كما أعلنت جامعة الخليج أن حزب الله وهو الوحيد الذى تخشاه إسرائيل فى المنطقة منظمة إرهابية يتم اعداد المؤامرات ضده بالتعاون مع إسرائيل ؟! .

وكيف جرأت النظم العربية بعد الهزة الشعبية الأولى السلمية عام 2011 على التقارب مع السرطان بحجة حماية الأمن القومى العربى وهى تعلم أن هناك رابطة آثمة بينه وبين السرطان لتدمير الأوطان العربية والتنكيل بالشعوب العربية؟! .

ومن الذى يدافع عن الأقصى الجريح العرب أم إيران وكيف تحول العرب صاغرين إلى رعايا لإسرائيل ويرتكبون الفاحشة وهم يشهدون؟! وكيف استكانت الجيوش العربية ويشعر جنرالاتها بالفخر وهم المهزومون فى جميع المواجهات مع إسرائيل وصاروا يكدسون السلاح ويسعون إلى أنشاء قوة عربية موحدة وكأنها ستحرر الأقصى المبارك بينما صارت النظم لينه هينة مع إسرائيل ومتوحشة على شعوبها وكيف أخرج هذا الكيان العرب بارادتهم إلى خارج التاريخ وصارت إسرائيل هى الوكيل الحصرى لواشنطن فى المنطقة منذ أن قالت كوندا ليزا رايس بصراحة أن من رضى عنه شارون رضى عنه البيت الأبيض وهى القاعدة الذهبية لبقاء الحكام العرب في السلطة حتى الآن ؟! فإذا اجتمع هؤلاء فى هذه الظروف فما هى القضايا المشتركة التى تهم المنطقة والتى بقيت بعيدة عن هذا الاستقطاب المخيف بعد أن أصبح التسابق لوضع إسرائيل فى الموضع الذى تريد مصدرا لدهشة إسرائيل نفسها.

لهذا السبب تمنيت ألا يجتمع هؤلاء القوم بأى وقت وفى أى مكان لأن فى اجتماعهم المزيد من القلق علي ما تبقى من مصالح عربية فماذا ينتظرمن أجتماع أصحاب السمو والفخامة والسيادة مع أمين عام الجامعة العربية الذى يجاهر بكراهيته لثورات الشعوب العربية وكان طرفا فى المؤامرة على غزة عام 2008 ويجاهر بذلك هل تأمل الشعوب العربية خيرا من هؤلاء بعد أن أصبح موعد القمة ومكانها سببا للاضطراب فى كل الع
واصم العربية.

ستظل الأمة العربية خالدة وسوف تقرر الشعوب مصيرها وتأتى بمن هو يليق بشرف هذه الأمة الذى مرغوه فى التراب.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن