إسرائيل وفلسطين.. تلازم المسار والمصير !

الكاتب: حسن البطل
الكاتب: حسن البطل

الكاتب: حسن البطل

الخنساء شاعرة رثاء.. هكذا يقولون. من مالك ابن الريب في رثاء نفسه، إلى قول شاعرنا القومي: تعب الرثاء من الرثاء: إن مدَح الشعراء المحدثون قول المتنبي: «كأن الريح تحتي»، فإن «شاعرة الرثاء» قالت شيئاً جميلاً عن سباق خيل بين ابنها وأخيها!

في سباقات العدْو قد يضع متسابق إحدى قدميه على خط النهاية، بينما آخر قد يسبق رأسه قدم منافسه. لذا يقولون: «رأساً برأس» قبل قدم بقدم.

بكرة، تعرفون نتيجة سباق بني غانتس مع بيبي نتنياهو، فهو سباق بين قدمين أو رأسين على خط النهاية، لكن الفوز بالتكليف سيكون بين قائمة وقائمة منافسة، لا بين رأس ورأس؛ قدم وقدم.

انتخابات رئاسة بلاد مهد «الربيع العربي» أسفرت عن مفاجأة، وصعد المرشح «المجهول» والمرشح «السجين» إلى سباق المرحلة الثانية. لا مفاجأة في انتخابات الكنيست الـ22 بين «حزب الجنرالات» بقيادة غانتس، وحزب «الليكود» الذي صار حزب نتيناهو، بل نصف مفاجأة إن شكّل الجنرال قائمة تفوق قائمة رئيس الوزراء المزمن و»المصروع»!

أين هي «مفاجأة» انتخابات أيلول؟ على الأرجح أن تتخطّى «المشتركة» عدد مقاعدها في انتخابات الكنيست العشرين، البالغة 13 مقعداً. قيل إن مفاجأة انتخابات تونس كانت «زلزالاً انتخابياً» وسيكون عدد مقاعد «المشتركة» بمثابة «هزّة سياسية» وحتى «هزّة أيديولوجية»، لا تساويها ربما سوى مفاجأة سقوط «الحزب العافوداتي» الذي أسس الدولة، وأحرز نصرها الخرافي الحزيراني، أمام حاجز الفشل في اجتياز نسبة الحسم (أربعة مقاعد).

حتى انقلاب العام 1977 كان حزب بن ـ غوريون وحزب بيغن، أو حزب الصهيونية العمالية، وحزب الصهيونية التنقيحية، هما المتسابقان الرئيسيان، وكان بن ـ غوريون يشكل حكوماته تحت شعار: (بدون «حيروت و»ماكي»). ما كان «ماكي» الحزب الشيوعي الإسرائيلي، صار «حداش» ثم «الجبهة» ثم صار القائمة الرباعية المشتركة، التي ستحرز مقاعد تفوق عدد مقاعد الحزب المؤسس للدولة، وللاشتراكية الصهيونية، وأيضاً الحزب الذي بدأ الاستيطان اليهودي للضفة الغربية، بعد نصره الخرافي في العام 1967.

رويداً رويداً، انطفأ الشعار اليساري المحبّب: «القلب ينبض في اليسار». هذا صحيح لولا أن الفصّ الأيمن من الدماغ هو الذي يتحكم بحركة القسم الأيسر من الجسم.

تكاد «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، أن تكون تنافساً بين الجنرال والسياسي، أو بين الأمن والأيديولوجيا، وانتهت إلى أن تكون بين حزب الدولة الإسرائيلية اليهودية، وحزب أرض إسرائيل اليهودية، ومنذ انتصار رابين الاستثنائي عام 1992، رئيس أركان «حرب الأيام الستة» صارت بين خيار التسوية الأوسلوية، وبين الخيار اللا ـ أوسلوي، الذي يقوده «ليكود» ـ نتنياهو بشكل خاص منذ العام 2009.

عداء «ليكود» ـ نتنياهو للدولة الفلسطينية وأوسلو، صار عداءً للفلسطينيين في إسرائيل. أولاً تحت شعار أنهم يتدفقون على صناديق الاقتراع، ثم أنهم «يسرقون» الانتخابات، مع أنه لم يوفر نواياه، إن فاز، لسرقة الأغوار والمنطقة (ج) وقلب مدينة الخليل، وساعدته إدارة ترامب في سرقة حق تقرير المصير الفلسطيني!

منذ الانهيار السوفياتي وجدار برلين، بدأت مرحلة انهيار الأحزاب الأيديولوجية اليسارية، وصعود الأحزاب اليمينية والشعبوية تحت راية الليبرالية الجديدة (النيو ـ ليبرالية)، وسبقتها بدايات انهيار العمالية الاشتراكية الصهيونية («الكيبوتزات» و»الموشافيم» و»الهستدروت»)، إلى أن شرّعت الكنيست ذات الغالبية اليمينية ـ الفاشية قانون الدولة القومية اليهودية.

العلاقة بين الزيادة والنقصان هي علاقة من نوع طرد وعكس، وفي الحالة الفلسطينية ـ الإسرائيلية هناك علاقة طردية أو عكسية بين تقرير المصير الفلسطيني وتقرير المسار السياسي ـ الأيديولوجي الإسرائيلي.

في تسويق سياسته الخارجية يرفع «ليكود» ـ نتنياهو شعار الخطر الأمني: إيران.. إيران، لكن في سياسته الداخلية الانتخابية يرفع شعار الخطر السياسي الأيديولوجي الفلسطيني على إسرائيل (خطر الدولة الفلسطينية سياسياً) وشعار خطر التصويت الفلسطيني في إسرائيل على الديمقراطية اليهودية.

أولاً، كانت الديمقراطية الإسرائيلية مشروطة بغالبية يهودية قبل انقلاب 1977، ثم صارت مشروطة بغالبية يمينية، لأن «اليسراوية» صارت تشنيعة ومسبّة، والآن صار الخطر على الديمقراطية اليهودية اليمينية هو أن يزيحها عن الحكم تحالف انتخابي ـ تصويتي يضم الوسط وبقايا اليسار والقائمة المشتركة!

في بداية اعتلال الديمقراطية اليهودية، كان هناك من دعا وجرب اختيار رئيس الوزراء عن طريق الاقتراع المباشر الشعبي، لكن هذه التجربة لم تستمر سوى فترتين بانتخاب الجنرال ايهود باراك، ثم الجنرال أريئيل شارون، الذي انسحب من غزة، وطوى مستوطنات شمال الضفة (مستوطنات منطقة جنين الأربع) وهناك من يقترح اعتماد النظام الرئاسي، مثل أميركا وفرنسا.

ماذا يقترح نتنياهو؟ إن فاز وعجز عن تشكيل حكومة رابعة، سوف يطوّر ادعاء «سرقة» الانتخابات بالصوت الفلسطيني، إلى وضع قيود وعراقيل على ممارسة الفلسطينيين حق الاقتراع، بدءاً من اقتراحه المرفوض بوضع كاميرات على صناديق الاقتراع.

***
هذه المقالة كُتبت خلال يوم عملية الاقتراع، وسوف تُنشر بعد إعلان نتائجها الأولية، التي قد تكون بلا مفاجآت في فوز «ليكود» ـ نتنياهو بالصوت الذهبي، أو بهزة حزبية خفيفة إن فاز حزب الجنرالات، أو بهزة قوية إن اجتازت «المشتركة» عتبة الـ 13 مقعداً.

في النتيجة: مسار إسرائيل السياسي ـ الأيديولوجي يؤثر عكساً على حق تقرير المصير الفلسطيني، الذي يؤثر طرداً على المسار الإسرائيلي.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن