اختطاف المستوطنين الثلاثة ـ عملية تثير الشك من ألفها إلى يائها

اختطاف المستوطنين الثلاثة ـ عملية تثير الشك من ألفها إلى يائها

يوم الثلاثاء الماضي وقف رون بروزر، الممثل الدائم لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، أمام مجموعة من الصحافيين، وقال إنه سيقرأ بيانا حول الإسرائيليين الثلاثة المختطفين منذ يوم الجمعة الماضي 13 حزيران/يونيو، وإنه لن يجيب عن أي سؤال. وهذا يعني أن المطلوب هو الاستماع لوجهة النظر الإسرائيلية فقط، وليس من حق أحد أن يناقشها أو يتشكك في مصداقيتها أو يسأل حتى مجرد سؤال بريء عن المكان الذي اختطفوا فيه، بمعنى: «نحن نتكلم وعليكم أنتم أن تسمعوا فقط». ومما جاء في بيانه المقتضب، وبعد إدانة المجتمع الدولي برمته والرئيس محمود عباس وحركة حماس وحكومة التوافق قال: «إننا نقول لأولئك الذين سارعوا في تأييد تلك الحكومة أن ينظروا في عيون آباء هؤلاء اليافعين الثلاثة، وأن يتحلوا بالشجاعة والمسؤولية ويدينوا خطف هؤلاء الأطفال. لقد وقف المجتمع الدولي مؤيدا لتلك الصفقة الرديئة وها هي إسرائيل تدفع الثمن»، ثم عاد بروزر وطالب المجتمع الدولي كي يضغط على عباس ليقوم بـ»نزع سلاح حماس وإجبارها على وقف تهريب السلاح وتصنيعه ووقف إطلاق الصواريخ من غزة إلى إسرائيل». هذه الكلمات جعلتني أفكر في عملية الاختطاف، وفي ما إذا كانت مدبرة لتحويل الأنظار عن مسؤولية إسرائيل عن فشل المفاوضات من جهة، وعن الاعتراف الدولي بحكومة التوافق الفلسطينية من جهة أخرى. فكيف يمكن أن تخرج إسرائيل من المأزقين إلا بتوريط حكومة التوافق في عمل يثير الجدل ويجعل الكثيرين يعيدون التفكير في موضوع احتواء حركة حماس داخل السلطة الفلسطينية.
لا أريد أن أستبق الأحداث ولا أصدر الفتاوى ولا أحسم في أمر ما زال في صفحاته الأولى. ولكنني كمراقب ومتابع وقارئ أريد أن أعبر عن شكي الشامل في عملية اختطاف المستوطنين من مستوطنة كفر عاتسيون الواقعة قرب الخليل، وهي منطقة ليست تابعة للسلطة الفلسطينية ولا تمارس السلطة هناك أي سيادة حتى لو منقوصة. وعلى الفور وبدون أدنى تحقيق أو انتظار، تم إتهام حركة حماس بالقيام بعملية الخطف، كما تم توسيع نطاق المسؤولية لتشمل السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس والشعب الفلسطيني برمته في الضفة الغربية وغزة والقدس. وعلى الفور بدأت عمليات العقاب الجماعي التي تشمل الصغار والكبار والسجناء والمحررين. ومتابعة لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين نستنتج أن هناك قدرا كبيرا من الشك في هذه العملية وتوقيتها وجني الثمار منها سلفا قبل التحقيق أو كشف ملابسات العملية، وبدأت الماكنة الإعلامية الإسرائيلية وحلفاؤها في العالم الغربي بتعميم الرواية الإسرائيلية فقط .

أسباب التشكيك

إن الطريقة التي تحاول إسرائيل أن تستثمر العملية وتضاعف من مكاسبها وحرف الأنظار عما يجري في فلسطين المحتلة بعد وصول المفاوضات إلى الحائط الإسرائيلي المسدود هو ما يثير الشك. ولنراجع معا تسلسل الأحداث لنضع عملية الاختطاف في إطارها الصحيح.
– وصلت المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية برعاية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري نهايتها المحتومة بالفشل الذريع، بسبب المواقف والممارسات الإسرائيلية، وقد حملت الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والكثير من الدول مسؤولية فشل المفاوضات على إسرائيل، التي تعمدت إفشال المفاوضات بالتراجع عن إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى، قبل أيام من موعد انتهاء المفاوضات، وأعلنت عن بناء 1500 وحدة استطيانية كذلك قبل موعد انتهاء المفاوضات، على اعتبار أنهم يعرفون الرد المتوقع من السلطة التي تآكلت مصداقيتها تماما بعد أن راهنت على كيري بتحقيق اختراق حقيقي خلال الشهور التسعة، وإذا بالشهور التسعة تنتهي «على فاشوش» ولم تجد ما تقدمه للشعب الفلسطيني إلا أن تحرف الأنظار نحو الوحدة مع حركة حماس، وهي خطوة يعرفون أنها تحظى بترحيب الشارع الفلسطيني. فما كان من الحركتين المأزومتين، كل لأسبابها الخاصة، إلا إعلان النية لتشكيل حكومة توافق وطني، وهو ما تم بالفعل في 2 حزيران/يونيو الحالي.
– لقد تم الاعتراف بحكومة التوافق من قبل المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أن الرواية الإسرائيلية في احتضان قيادة السلطة الفلسطينية لحركة حماس «الإرهابية» على حد قولهم، لم تجدا سوقا رائجا ولم يتبناها أحد. على العكس من ذلك أسقطت حكومة التوافق الحجة التي ما فتئت إسرائيل ترددها وهي، أن عباس ليس شريكا في عملية السلام لأنه لا يمثل كل الشعب الفلسطيني. وعندما أقفل هذه الثغرة واتحد مع حماس يقولون إن عباس فضل حماس «الإرهابية» بدل الاستمرار في عملية السلام، أي أن إسرائيل لا تريد للفلسطينيين أن يتحدوا لتبرير عدم الانصياع لاستحقاقات السلام من جهة، وإن اتحدوا فهي وحدة قائمة على الإرهاب لا يتعاملون معها، والنتيجة في الحالتين تهرب دائم من الاستحقاق.

الإجراءات الإسرائيلية غير المبررة

بعد اتهام حركة حماس رسميا، رغم نفي حماس مسؤوليتها عن العملية، إلا أن إسرائيل بدأت تنفذ أجندتها الخاصة التي تصب في هدف تحطيم الوحدة الفلسطينية وخلق شرخ جديد في العلاقة الهشة بين حركتي حماس وفتح:
– اعتقلت إسرائيل 241 فلسطينيا لغاية كتابة المقال، وما زالت حملة المداهمات والاعتقالات مستمرة، خاصة من عناصر وقيادات حماس في الضفة الغربية؛
– أعادت اعتقال 51 من الأسرى المحررين الذين أطلق سراحهم في صفقة تبادل جلعاد شاليط عام 2011. لقد تعرضت حكومة نتنياهو لنقد شديد للثمن الذي دفعته بإطلاق ألف أسير فلسطيني، بعضهم محكوم بمدد طويلة مقابل أسير إسرائيلي واحد. ومنذ ذلك الوقت وإسرائيل تعمل على إعادة بعضهم للسجن وقد وجدت قصة المخطوفين الثلاثثة المبرر الأمثل لإعادتهم بعضهم إلى السجن؛
– انتهزت إسرائيل الفرصة لتضع في السجن قيادات حماس في الضفة الغربية مثل، رئيس المجلس التشريعي عبد العزيزالدويك والقائد أحمد يوسف، وبالتالي تتعثر عملية دمج الأجهزة وتعزيز الوحدة بالحوار بين قيادات الحركتين؛
– حرفت العملية الأنظار عن التعاطف الدولي مع قضية المعتقلين الإداريين المضربين عن الطعام منذ أكثر من 50 يوما؛
– تمت مداهمة المدن والقرى والمخيمات وتم قتل الشاب أحمد الصبارين (20 سنة) في مخيم الجلزون بدم بارد؛
– تم الاستيلاء على عدد كبير من المعدات والأموال والوثائق. ولم تسلم جامعة بير زيت من المداهمات، حيث اقتحمها أكثر من 100 جندي و15 عربة عسكرية؛
– اتخذ وزير الداخلية الإسرائيلي قرارا بالتشدد أكثر مع سجناء حركة حماس وإلغاء زيارات الأهل والأقارب لهم؛
– أقرت الحكومة الإسرائيلية بناء 1083 وحدة استيطانية جديدة؛
– تم الضغط على القيادة الفلسطينية لاتخاذ موقف واضح من إدانة الخطف حتى قبل التثبت من هوية الخاطفين. وقد أثار تصريح عباس الذي قال فيه: «إن الذين اختطفوا اليافعين الثلاثة يريدون أن يدمرونا.. سنحملهم المسؤولية»، أثار موجة من الانتقاد من حركة حماس خاصة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي؛
– تراجعت النرويج عن عقد مؤتمر الثلاثاء القادم للدول المانحة مخصص لدعم السلطة الفلسطينية؛
– تعززت الوحدة الداخلية الإسرائيلية بعد ظهور بعض الشروخ في الإئتلاف الحاكم حول المفاوضات والأسرى والاستيطان.
نظرة إلى هذه النتائج والفوائد التي جنتها إسرائيل من خطف الشبان الثلاثة، يجعلنا نشك في العملية برمتها. وهناك من يعتقد أن بعض قادة الجيش الإسرائيلي يتشوقون إلى توسيع العمليات العسكرية، خاصة في قطاع غزة فقد سئموا الجلوس من دون عمل عسكري منذ عملية «عامود الدخان» في كانون الأول/ديسمبر عام 2012. يقول السيد نادر سعيد رئيس معهد العالم العربي للبحث والتنمية ومقره رام الله، «إن إسرائيل، خاصة الحزب الحاكم، بحاجة إلى حرب جديدة مع الفلسطينيين». وهذه هي الحجة والذريعة التي يبحث عنها نتنياهو لشن حرب جديدة على الشعب الفلسطيني بكامله، لأنهم يرفضون الاستسلام ويتشردون في أرجاء الدنيا ويفرغون ما تبقى من أرض قليلة لتسليمها للمستوطنين تحت شعار «المفاوضات ثم المفاوضات إلى أن نستكمل عملية ابتلاع كل الأرض الفلسطينية».

د. عبد الحميد صيام
٭ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن