التاريخ وكيف نقرأ التاريخ

31524574865

بقلم/احسان بدره
هو طلب الفهم لاستكشاف ومعرفة الماضي والحاضر والمستقبل من منطلق
إن النظر إلى أحوال الماضي يندرج ضمن الرؤية الواعية لفهم حقائق الحاضر، ووقائعه، والتطلع إلى معرفة ملامح المستقبل ونستنتج من هذا أن التاريخ و التأريخ تعريف بالوقت بمعنى وضع الحدث التاريخي في سياقه الزمني والمكاني.هذا خلق خلطا بين التاريخ في ذاته و كتابة التاريخ و تسجيل أحداثه، لذلك با خذ على الباحثين أن جهودهم اتجهت إلى جعل الوصف و الموصوف شيئا واحدا …
والتاريخ له مفهومين ( مفهوم واسع ومفهوم ضيق )فالتاريخ له وجوده القائم بذاته، و هو بطبيعة الحال أوسع نطاقا و أبعد مدى من التاريخ المكتوب … فتأثير الأحداث الطبيعية الكبرى على البشرية ، قد يكون أشد و أخطر من تأثير النظم الاجتماعية ، والسياسية و المعتقدات الدينية .
فالتاريخ إذن بمعناه الضيق يتناول حدثا في الزمان و المكان
أما التاريخ بمعناه العام فيتناول الحضارات البشرية من جميع زواياها و أبعادها ، و أحوالها سواء كانت كبيرة الشأن أو ضئيلة الشأن ، لا فرق بين الإنسان المغمور و الفاتح الذي ملأت شهرته الآفاق .
هذا فان كلمة التاريخ في الاستعمال المألوف مصطلح يشمل معنيين مختلفين في معظم الأحيان يقصد به الأعمال و المنجزات التي قام بها الإنسان فيما مضى من الزمان ، و كثيرا ما يدل على رواية الأعمال والمنجزات و تسجيلها وفي بادئ الأمر كانت للأساطير والأوهام أثر ظاهر في تكوين التاريخ ، ونرجع نشأة التاريخ بهذا المعنى إلى قدرة الإنسان على تخيل الماضي والإحساس الفني الذي يلم به حينما يروي الأحداث الماضية و يستحضرها
وللتاريخ أهميته في تشكيل الوعي التاريخي و الثقافي للأمة، باعتباره وعاء الفعل الحضاري ، و ميدان تنزيل القيم على الواقع ، و ذاكرة الأمة ،أما التاريخ الإسلامي نشأ على غير مثال سابق ، أي أنه ليس نقلا أو اقتباسا أو استعارة من الغير، ويحق لنا نحن العرب والمسلمين نضع التاريخ في مقام النحو ، أي في ميدان أظهر فيه العرب الأوائل أصالة وقوة على الخلق والإبداع لاشك فيهما حيث ولد نتيجة لتطور المجتمع الإسلامي ومع تغير المناخ الفكري ..
وأغلب المؤرخين كانوا متأثرين ببيئتهم ونزعتهم المذهبية، وعقيدتهم السياسية، ولكن حظهم من النزاهة كان موفورا إلى حد كبير.

وقد اشتهر مؤرخو الإسلام بمراعاة الدقة في تسجيل الحوادث وتأريخها – كما امتاز التاريخ الإسلامي بإسناد الرواية التاريخية إلى شاهد عيان، فنشأ نوع من التدقيق يقوم على فحص سلسلة الاستناد.
وعلم التاريخ الإسلامي هو علم شامل يضم علم البلدان. وعلم السير والتراجم، والحوليات، وعلم المعرفة التاريخية.
والخلاصة أن المعرفة التاريخية من المنظور الإسلامي، معرفة بخبر عن الواقع، وفي الوقت نفسه علم بالوقائع الاجتماعية وطبائع ا لعمران وأسبابه وعلله..
لذلك فان التاريخ ليس هو الحوادث إنما هو تفسير هذه الحوادث، واهتداء إلى الروابط الظاهرة والخفية، التي تجمع بين شتاتها وتجعل منها وحدة متماسكة الحلقات ،متفاعلة الجزيئات ممتدة مع الزمن والبيئة امتداد الكائن الحي في الزمان والمكان ، ولكي يفهم الإنسان الحادثة، ويفسرها ويربطها بما قبلها وما تلاها، ينبغي أن يكون لديه الاستعداد لإدراك مقومات الحياة البشرية جميعها : معنوية ومادية.
لذلك فان مهمة المؤرخ تكمن في إدراك الحادثة التاريخية وفهمهما على الوجه الأكمل إلا أن أي نقص في الإدراك أو قصور في القدرة على النظر إلى الحادثة من شتى جوانبها يعد عيبا في منهج العمل التاريخي ، وليس مجرد خطأ جزئي في تفسير حادثة أو تصوير حالة لذلك يتوجب على المؤرخ رؤية جوهر الأشياء والأحداث التاريخية بهدف المعرفة السليمة والصحيحة ومعرفة القيم الاجتماعية الكامنة فيها وأيضا لابد له الوقوف على العوامل المؤثرة في حركة التاريخ وسير الأحداث والعمل على بناء جسر من التواصل بين الثقافات الإنسانية .
ونستنج من كل ذلك إن التاريخ ليس مجرد صور وتسجيل لأحداث، بل منهج للاستقراء والنقد والتقويم القادر على كشف الحقائق الاجتماعية التي تصنع الحدث، وتحدد المصير والرؤية المستقبلية للأمم والشعوب والحضارات.
وهذا يكشف جميع القضايا، والنماذج، سواء تلك الأمور والقضايا والأحداث التي تعلق بالاستبداد السياسي أو الظلم الاجتماعي والصراع الطبقي أو الانحراف السلوكي أو الفكري والثقافي أو التقليد الاجتماعي أو الفساد الاقتصادي.
ومن هذا المنطلق التاريخي فان التاريخ هو ثمرة جمع الوثائق ونقدها وترتيبها وتحليلها ، واستنباط المعلومات الكامنة فيها واستخلاص أحكام ثابتة على قضايا متميزة لأن المنطق التاريخي يفترض وجود فكر تاريخي وراء أي كتابة تاريخية.
ومن هذا المنظور يتضح أن التاريخ هو المفتاح الكبير للمشكلات المعقدة وهو الرحم الذي خرجت منه العلوم الاجتماعية واستقرت قوانينها وفلسفتها ونظرتها الكلية التي تنظم جميع الجزئيات، وكان السبيل إلى اكتشاف الحركة الاجتماعية ، لأنه المختبر الحقيقي للمبادئ والقيم والفلسفات .
و بهذا المنطق فإن التاريخ ليس حركة عشوائية قائمة على المصادفة، وإنما ينظمه قانون وتحكم حركته سنن، وهو أعمال وصناعة البشر أصحاب القدرات والإرادات، والمسؤوليات ..
ولو لم يكن للتاريخ هذا البعد لما استحق أن يكون علما ومصدرا للعبرة والتجربة للإنسان في كل زمان.
وإن للتاريخ دورا فعال ومؤثر في تشكل الوعي التاريخي لدى الشعوب والأمم حيث أنه هو الباعث لأية عملية للإصلاح والتغيير ،واستشراف لآفاق المستقبل لذلك فإن الوعي التاريخي يتطلب معرفة عميقة بطبائع العمران البشري وأسبابه وعلله ،مع إدراك صحيح للوقائع أو الظواهر الاجتماعية والثقافية المؤثرة في الأحداث وصياغة ملامحها وتشكل أنماطها الاجتماعية والتاريخية بفعل التأثيرات المتبادلة للنشاطات الإنسانية المختلفة.
وإن الغاية من المعرفة التاريخية أو من التاريخ كعلم يهتم بالإنسان بكل مكوناته وتجلياته وتشكلانه تتلخص في فهم قوانين الاجتماع البشري من أجل تأصيل الحاضر، وبما أن الوسيلة تؤدي إلى الغاية فإن معرفة القوانين الاجتماعية تساهم بالتأكيد في تطوير الواقع وتغيره وحل مشكلاته، والقضاء على أسباب معوقاته..، وفتح الأبواب المغلقة التي تمنع أي محاولة لتطويره
ووفق هذا المنطق والتحليل يجب قراءة التاريخ باعتباره غاية إلى تطور الدول ووسيلة لبناء المجتمعات المتحضرة، وبحق فإن الفيلسوف هيجل فسر التاريخ كله بالصراع الدائم بين فكرتين أي أن الحركة التاريخية هي خلاصة جدل قائم بين الفكرة ونقيضها.
لأن علم التاريخ لم يعد محصورا في جمع المعلومات عن الماضي وتحقيقها، وسرد الأحداث أو رواية الأخبار، وتسجيلها، وتفسيرها بل إن التاريخ يدرس التطور البشري في جميع مناحيه وأطواره، بحثا عن الغاية من جدلية التاريخ، وحركته الدائبة وصراعه المحتدم، بين عالم الأفكار وعالم الأشخاص وعالم الأشياء.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن