التوقعات في فلسطين في العام الجديد

التوقعات في فلسطين في العام الجديد
عبد المجيد سويلم

التوقعات ما قبل الحرب وما بعدها!

أي حرب ولماذا؟ ما هذا الغموض؟

مهلا سأحاول الشرح والتوضيح.

إذا تمّ الاتفاق على الملف النووي الإيراني، وهو سيتم على الأرجح والأغلب على كل حال، فهل يمكن أن تقع الحرب أصلاً؟ ولماذا، وما هو الهدف منها في هذه الحالة؟

ومن سيبادر إليها ولماذا؟

الجواب كما أرى، وكما أتوقع هو نعم. ويمكن أن تقع الحرب حتى ولو تم التوقيع على الملف النووي الإيراني.

ليست الحرب التي يمكن أن تقع هي الحرب بين إسرائيل وإيران مباشرة، لأن حرباً كهذه ستعني، من بين ما تعنيه تخريبا متعمدا من قبل إسرائيل للخطط الأميركية والدولية، وهي لن تحظى بموافقة الولايات المتحدة عليها، ولا موافقة العالم أيضاً.

فإذا بادرت إسرائيل لحرب كهذه فإن مغامرتها ستكون مضاعفة، وأخطارها سترتب على إسرائيل من الأعباء ما هو فوق طاقتها. لذلك فالحرب إن قامت لن تكون هي الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران. الحرب التي أقصدها هي الحرب التي ستبادر إليها إسرائيل ضد “حزب الله”، وضد أدوات إيران في المنطقة إما قبيل الاتفاق النووي ـ وهذا الأمر هو الأقل ترجيحا ـ أو بعيد هذا الاتفاق، وذلك لأن “تحييد” الأخطار الأمنية على إسرائيل بعيد أو بعد الاتفاق على الملف النووي أسهل عليها من ما قبله لسببين اثنين:

الأول، لأن إسرائيل ترى بأن تدخل إيران المباشر في مثل هذه الحرب سيعني المغامرة بنهاية الاتفاق، والدخول من جديد في دوامة العقوبات التي أنهكت اقتصادها، والتي من المفترض تقليصها إلى أضيق الحدود بموجب التوقيع على الاتفاق.

أما الثاني، وتأسيساً على الأول فهو أن الاتفاق النووي المتوقع توقيعه سيشتمل بالضرورة على “تعهدات” إيرانية غير مكتوبة وغير ملزمة بالتخفيف من تدخل إيران المباشر بشؤون الإقليم.

يكفي بهذا الصدد التدقيق في “رضوخ” الميليشيات الموالية لإيران في العراق لقرار المحكمة العراقية حول نتائج الانتخابات، واللهجة الجديدة نسبيا في لبنان واليمن، إضافة إلى مؤشرات قادمة من قطاع غزة بصرف النظر عن الضجيج الإعلامي حول “المقاومة وتهديداتها” المعروفة أهدافها وخلفيتها!

ولهذا فالأرجح أن إسرائيل سترى في توقيع الاتفاق النووي الإيراني فرصة قد لا تتكرر لتنفيذ استراتيجيتها حول “التحييد” التي تعمل عليها، خصوصاً ان الغارات المتكررة نسبيا على سورية لم ولن تمنع ـ من وجهة النظر الإسرائيلية نفسها من زيادة تسلح “حزب الله” بالصواريخ الدقيقة، ومن زيادة تسلح فصائل قطاع غزة بالمزيد من الأسلحة كمّاً ونوعاً.

الشيء الوحيد الذي يمنع مثل هذه الحرب هو توافق في لبنان يضع حدا لهيمنة “حزب الله” على المشهد السياسي في لبنان، وهو أمر ما زال مستبعداً حتى الآن، واتفاق تهدئة مستدام في غزة، برعاية مصرية، وتوافق قطري وتركي على هذا الاتفاق، واغماضة عين إيرانية واحدة على الأقل.

يضاف إلى كل ذلك استقرار حالة الائتلاف الحاكم في إسرائيل، و”لجم” معارضة نتنياهو عند حدود محسوبة بدقة.

وهكذا، فالحرب الإسرائيلية الإيرانية المباشرة مستبعدة للغاية، في حين أن الحرب التي يمكن أن تبادر إليها إسرائيل في إطار استراتيجية “التحييد” هي الأرجح في ضوء عدم النضج “الكافي” لعوامل منعها بعد.

الحرب الأولى إن وقعت، وهي المستبعدة للغاية ستضع فلسطين، شأنها في ذلك شأن باقي مكونات الإقليم في “مهب” نتائجها، وسيكون الارتهان ولفترة زمنية طويلة نسبيا لهذه النتائج إجباريا من الزاوية الموضوعية والمنطقية أيضاً.

أما في حالة الحرب الثانية فالمسألة مختلفة تماماً، لأن فلسطين لن تكون لا رهينة ولا مرهونة كما في الحالة الأولى.

لماذا وكيف؟

لا يمكن، أو لا يتوقع على الأقل أن تقوم إسرائيل بحملة عسكرية ضد “حزب الله” في لبنان دون أن تحرك فصائل غزة ساكناً، وذلك لأن هذه الفصائل، وفي الآونة الأخيرة باتت اكثر ارتهاناً لإيران، وهذا الارتهان يتجاوز في الواقع التصريحات الإعلامية، وقد بات هذا الارتهان هو الخيار الرئيسي لهذه الفصائل.

ويكفي للدلالة على ذلك، مشهد زيارة خالد مشعل إلى لبنان، وهو مشهد يفشي كل الأسرار ويفضح كل مستور.

وفي هذه الحالة، سيتورط القطاع بحرب جديدة، والشعب الفلسطيني ـ بصرف النظر عن رأيه في حرب كهذه ـ سيحاول بالتأكيد الانتصار لغزة، وفي كل مكان، وهو يتوثب أصلاً للمزيد من الهبات الشعبية في ظل تصاعد الحرب التي يشنها المستوطنون عليه في كل المجالات، وبكل وسائل الإجرام والإرهاب، وهو (الشعب كل الشعب) لن يتردد بالخروج إلى الشوارع بالآلاف بما يحول الهبات على الأغلب إلى انتفاضة جديدة، قد لا تقوى إسرائيل على صدها، ولن تستطيع حتى الجهات الرسمية الفلسطينية إلا مجاراتها بهدف ضبط إيقاعها على الأقل.

وإذا أضفنا إلى ذلك إن بدايات العام القادم ستشهد على الأغلب انعقاد دورة المجلس المركزي، وان هذه الجلسة باتت مطالبة (ليس بالتهديد والوعيد)، وإنما بوضع مسار جديد للمرحلة الجديدة، وذلك بوضع المقاومة الشعبية الشاملة والعارمة على سكة الأعمال وجدولها، وهو الأمر الذي سيلقي بثقله حتماً على مخرجات مؤتمر حركة فتح، وذلك لأن من شأن أي تراجع عن هذا النهج أن يؤدي إلى تراجعات خطيرة، إن لم نقل فقد الثقة بالكامل في المؤسسات الرسمية والحزبية والفصائلية الفلسطينية، وهو ما سيؤدي أيضا إلى احتجاجات عارمة وتغيرات نوعية في المزاج الجماهيري وحراكات جماهيرية دون حسابات مسبقة.

وهكذا، فإن العام الجديد فلسطينياً هو عام التحول من الهبات المتتالية إلى شكل جديد من الانتفاضة الشعبية، الشاملة، وربما العارمة، ولا يتوقع أن يمنع احد هذا التحول لهذا الاتجاه.

وبالعودة قليلاً إلى الشأن الإقليمي فإن علينا كفلسطينيين أن ندرك أن الصراع بين إيران وإسرائيل ليس محصورا بالسلاح النووي العسكري أو المدني، لأن الاتفاق المتوقع الجديد حول هذا الملف يمنع “حصول” إيران على سلاح عسكري كهذا كما يرى كل الغرب.. لأن الصراع في جوهره على الدور الإقليمي لإيران ولإسرائيل قبل كل شيء.

إسرائيل تخشى الدور الإقليمي لإيران، لأن هذا الدور تحديدا هو ما تراه مهددا لمكانتها ودورها وخصوصاً في الظروف الراهنة، لأن بقاء أدوات إيران في موقع التهديد لإسرائيل يعني أن الأخيرة ستفقد هذا الدور والمكانة، ولن يصبح لأي تطبيع من أي نوع كان أي أهمية تذكر في الواقع الإقليمي.

إذاً، الحرب ستقع، وستكون محدودة ومحصورة، لأنها اقل كلفة، واقل مغامرة، وربما اكثر أهمية من الأولى، لكن الأمر المؤكد أن هذه الحرب ستسرع كثيرا في قيام انتفاضة وطنية جديدة، وهذا هو ـ كما أرى المعلم الأساس في العام الجديد فلسطينياً.

أما حول “شروط” نجاح الانتفاضة المتوقعة فتحتاج إلى مقال قادم، لأنها لن تنجح بالشروط المسبقة، وإنما فقط عندما تضع الانتفاضة نفسها شروط نجاحها الخاصة.

بقلم : عبد المجيد سويلم

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن