الحد النفعي لاستخدام القوة

د.ناصر اللحام

هناك حد للمنفعة ، وبعد ذلك تنقلب الامور بعكس غاياتها . تماما مثلما يكون الري للنباتات ، واذا زاد عن حده فان النبتة تغرق وتختنق بالماء . وكذلك القوة لها حدود ، واسرائيل عرفت او انها ستعرف ان هناك حدود لاستخدام قوتها ، ومهما بلغت قوة الاحتلال فانه لا يستطيع ان يستخدم قوته كلها .

ويذكرني صديقي دائما بحوار دار بين مسؤول امريكي واخر روسي ، وقد قال الامريكي : ان الولايات المتحدة تملك اسلحة نووية تكفي لتفجير الكرة الأرضية عشر مرات ، ورد عليه المسؤول الروسي حينها : ان الاتحاد السوفييتي يملك اسلحة نووية تكفي لتفجير الكرة الأرضية مرة واحدة . وهذا يكفي .

واسرائيل تمتلك مئات القنابل النووية والهيدروجينية والذرية ، وهي قادرة في لحظة واحدة على مسح قطاع غزة كله عن الوجود . ولكن هذا لا يعني شيئا بالنسبة لشعب شبه أعزل . وان فعلت اسرائيل ذلك فسوف تقضي على نفسها وتنتهي اسرائيل عن الوجود .

وفي نظريات صراع البقاء ، انه يمكن للعدو ان يقاتل عدوّه ولكنه لا يقضي تماما عليه . ولو فعل ذلك فانه يفقد سبب وجوده ، ولو أن جميع الأسود قضت على جميع الجواميس والغزلان مرة واحدة لماتت هي أيضا على الفور . ولذلك يكون الصراع في السياسة ولا يكون الفناء .

اسرائيل ادركت بعد عدوانها الشرس على قطاع غزة انها بالغت في استخدام القوة ، وهو ما يسمى بلغة العسكر ” القوة المفرطة ” ما حدا بشريكتها امريكا لتوجيه انتقادات قاسية ضد تل ابيب وكذلك فعلت الامم المتحدة واوروبا . واسرائيل تدرك الان انها لا تستطيع ولن تستطيع ان تستخدم المزيد من القوة ضد قطاع غزة . ولو فعلت ذلك ستكون قد انتحرت تماما من الناحيتين السياسية والاخلاقية .

من جانبها المقاومة الفلسطينية تعلم انها أبلت بلاء حسنا ، وانها سطّرت صفحة جديدة من صفحات الصمود والمناورة وصدّ الضربات . وكذلك فعل الشعب الفلسطيني في غزة والذي نال القسط الاكبر من التضحيات والبطولة . ولكن الفصائل الفلسطينية ذاتها وعلى تواضع امكانياتها لم تستخدم ايضا كل قوتها ضد اسرائيل ، وان ارادت ان تفعل ذلك فانها ستدخل في مرحلة ” الانتحار ” السياسي .

انتهت المعركة ، واسرائيل لا تستطيع الان ان تقوم بأية خطوة عسكرية ضد قطاع غزة … ورويدا رويدا ستفهم ان قصة حصار غزة انتهت ، وعليها الان ان تقبل هذه النتيجة . وبالمقابل تدرك الفصائل الفلسطينية ان مرحلة الانقسام انتهت ، وعلى الجميع ان يستعد لمرحلة جديدة قادمة .

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن