الخوارزميون الصغار.. حتى لا نُخدع – برنامج الخوارزمي الصغير

فهد العيلي
فهد العيلي

الكاتب : فهد العيلي

قبل خمس سنوات كنت أدير شركة تعليمية في المنطقة الشرقية، وجاء إلينا ممثل لإحدى الشركات التي زعمت وكالتها الحصرية لما يسمى “برنامج الرياضيات الذهنية” الذي يحمل مجموعة من الأسماء التسويقية مثل “الخوارزمي الصغير” أو برنامج “يو إس ماس” us- mas ويستهدف الطلبة من عمر ستة إلى 12 عاما، وقد زعم ممثل الشركة آنذاك أن البرنامج متميز جدا ولا يقدم إلا في “الأكاديمية الدولية للرياضيات في ماليزيا” وستصدر الشهادات للمشتركين من ماليزيا وتحت إشراف علمي، واختبارات تطبيقية وعملية وغيرها من المغريات، والحقيقة لم تكن قناعتي كبيرة بالبرنامج منذ البدء؛ إذ كان هناك إحساس يراودني بمبالغة الشركة في بعض معلوماتها، وبعد جدل طويل بيني وبين مجلس الإدارة قررنا تطبيق البرنامج بشكل تجريبي لمدة عام ومراقبة النتائج، وخلال العام أرسلت لنا الشركة مدربين ذوي مؤهلات عادية اكتشفنا لاحقا أن بعضهم معلم في مدارس أهلية محلية، أما من تولى تدريبهم فقد كان أحد الوافدين من الجنسية اليمنية، بعد أن زعمت الشركة أنه مدرب ماليزي من “أكاديمية الرياضيات الماليزية”، ولم تكن هذه أولى المفاجآت فقد حضرت بنفسي مجموعة من الدروس التطبيقية للبرنامج فلم أجد سوى “العداد الخشبي التقليدي”، وهو معروف منذ آلاف السنين عند الصينيين تحديدا، ويعمل كالآلة الحاسبة في عمليات الحساب الرياضية الجمع والطرح والقسمة، وعمله شبيه “بالآلة الحاسبة”. ويعتمد النجاح فيه على قوة الحفظ وسرعة البديهة، وقد أخبرني أحد المعلمين القدامى أن هذا العداد كان يستخدم في بعض مدارس المملكة في الثمانينيات والتسعينيات لكنه انقرض مع انتشار التقنية، استمررت في بحثي فكانت المفاجآت أنه لا وجود أصلا لما يسمى “الأكاديمية الدولية للرياضيات” فهناك أكاديميات علمية لكنها لا تمنح وكالات لممثلين خارج ماليزيا، أما مكتب الشركة في المملكة فهو مكتب صغير في حي “المرسلات في الرياض” يملك سجلا تجاريا لمؤسسة فردية وليست شركة تعليمية تملك ترخيصا بمزاولة أنشطة التعليم والتدريب وفق أنظمة وزارة التعليم أو المؤسسة العامة للتدريب المهني، بمعنى أنها ليست مؤهلة أصلا لممارسة هذا النوع من النشاط، ثم توالت المفاجآت حتى تأكدت بنفسي أن البرنامج نفسه يسوق له في عدة دول عربية بينها مصر والسودان، عن طريق شركة واحدة وبالأفكار نفسها تقريبا مع بعض الاختلاف في المسميات وبمبالغ باهظة جدا، مستغلين حرص بعض الأسر العربية على تعليم أبنائها أفضل تعليم وسط ندرة المعلومات عن البرنامج. أما المفاجأة الكبرى فهي “المسابقات العالمية للرياضيات الذهنية” فهي خدعة كبيرة قامت بتنظيمها الشركة نفسها واستطاعت بخدعة فنية أن تجعل لكل دولة عربية نصيبا من الفوز، حيث يقسم المتسابقون إلى 12 مستوى كل مستوى به خمسة فائزين ما يجعل مجموع الفائزين 60 فائزا مقسمين على الدول المشاركة فتظهر النتيجة النهائية أن لكل دولة نصيبا من المراكز الأولى ما أسهم في الترويج للشركة وزيادة أرباحها من البرنامج. ولأن الحقيقة لا بد أن تظهر فقد بدأت الشركة تتنصل من تسليمنا الشهادات الماليزية المزعومة ثم بدأت أسئلة أولياء الأمور ماذا لديكم غير العداد الخشبي؟ ما أوقعنا في حرج بالغ اضطررنا إلى التوقف عن التعامل مع الشركة قبل إكمال العام. وقد قمت بالاتصال بممثل الشركة في المنطقة الشرقية وحذرته من الاستمرار في خداع الناس بهذه الطريقة، وبادرت بالاتصال بوزارة التجارة التي اعتذرت آنذاك بحكم أن هذا النوع من المخالفات ليس من اختصاصها، وزادت الشركة من انتشارها بعدما قامت معظم إدارات التعليم بالتعميم على المدارس والتوصية بالاستفادة من البرنامج دون التثبت من مرجعيته أو إجراء دراسة علمية لمحتواه. أما في الدول العربية فقد ساورت الشكوك نفسها مجموعة من القائمين على البرنامج رغم عشرات المتسابقين الذين يعلن عن فوزهم كل بضعة أشهر فيما يدعى المسابقات الدولية للرياضيات، ما دعاهم إلى إيقافه تماما ورفع عدة قضايا على الشركة. وأعلن مستشار وزير التعليم المصري أسامة إسماعيل إيقاف البرنامج لعدم جدواه، مؤكدا أن الشركة لم تقدم جديدا تبع ذلك استقالة مدير فرع الشركة في مصر قائلا في تصريحات وثقتها مجموعة من الصحف المصرية: “لقد اكتشفت أنها خدعة ضحكنا فيها على الناس لكنني لم أكن أعرف ذلك منذ البداية وأكرر تحذيري لأولياء الأمور بعدم إلحاق أبنائهم بمثل هذا النوع من البرامج لأنها لا تضيف جديدا”. لقد كنت شاهدا على ألاعيب هذه الشركة التي تسوق الوهم في مدارسنا وتجني ملايين الأرباح دون أن يسألها أحد، وحان الوقت لمحاسبتها ومقاضاتها وفتح ملفاتها الوهمية التي تهدد الأمن الوطني. أما أولئك الطلبة الذين حصلوا على عديد من الجوائز من الشركة فهم بكل أمانة أذكياء وموهوبون لكنهم يستحقون برنامجا علميا أفضل من “العداد الخشبي المنقرض”.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن