السلطة الفلسطينية إذ تمارس الانتحار الذاتي

السلطة الفلسطينية إذ تمارس الانتحار الذاتي
عاطف الجولاني

السلطة الفلسطينية عبر سلوكها السياسي والشعبي الراهن تتجه نحو انهيار تدريجي وتمارس انتحارا ذاتيا بيديها لا بأيدي الآخرين.

في شهور قلائل وقعت السلطة الفلسطينية في سقطات سياسية خطيرة تكشف عن نزق وانفعال وفقدان توازن وسوء تقدير وحسابات خاطئة.

قتلت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية الناشط نزار بنات بصورة وحشية كشفت عن واقع أداء السلطة في ملف الحريات العامة وحقوق الإنسان.

اشترط رئيس السلطة اعتراف حماس بقرارات الشرعية الدولية قبل الحوار معها تهّربا مكشوفة من استحقاق المصالحة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني.

موقف ضعيف ومخجل شعبياً من الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية بحق القدس وخاصة استهداف حي الشيخ جراح واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى.

تقصر السلطة رهاناتها على الدعم والإسناد الخارجي المرتبط بأداء دورها في حفظ أمن إسرائيل وتحمّل أعباء الإدارة المدنية التي تعفي الاحتلال من مسؤولياته.

ليست ثمة من يؤذي السلطة الفلسطينية هذه الأيام أكثر مما تؤذي هي نفسها، وخلال شهور قلائل وقعت في ثلاث سقطات سياسية خطيرة تكشف عن حالة نزق وانفعال وفقدان توازن وسوء تقدير وحسابات خاطئة:

السقطة الأولى تمثّلت في موقفها الضعيف والمخجل شعبياً من التصدي للانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية بحق مدينة القدس، وعلى وجه الخصوص استهداف حي الشيخ جراح واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى.

وحين اندلعت معركة سيف القدس مع الاحتلال حضرت مختلف فصائل المقاومة بكل تلاوينها، وغابت فصائل السلطة عن ساحة المواجهة غياباً تاماً.

بل إن رئيس وزرائها لم يشعر بالحرج من توجيه تحذير شديد اللهجة لكوادر السلطة الفلسطينية من أن تأخذهم العاطفة أو الغيرة والحمية فيتورطوا في مواجهات مع قوات الاحتلال التي استخدمت العنف الشديد في مواجهة الاحتجاجات الشعبية في الضفة.

ولم تكد مواجهة سيف القدس تضع أوزارها مكبّدة السلطة الفلسطينية خسائر سياسية وشعبية فادحة، حتى جاءت السقطة الخطيرة الثانية حين قتلت أجهزة أمن السلطة الناشط الفلسطيني المعروف نزار بنات بصورة وحشية كشفت عن واقع أداء السلطة في ملف الحريات العامة وحقوق الإنسان.

وقد أدانت مختلف الأطراف الجريمة المروّعة باستثناء رئيس السلطة الذي تجاهل الجريمة ولم يتطرق لها من قريب أو بعيد، وكأنها تحدث في بلد أخر.

وخلافاً لتوقعات الكثير من الأطراف بأن تلجأ قيادة السلطة للانفتاح على القوى الفلسطينية بعد مواجهة سيف القدس فتدعو الإطار القيادي المؤقت للفصائل الفلسطينية للاجتماع من أجل توحيد الموقف الفلسطيني وإنجاز المصالحة، وقعت في سقطة جديدة وتصرّفت بصورة مغايرة لكل التوقعات.

فقد صعد رئيسها خلال الأيام الفائتة إلى أعلى الشجرة وطرح شرطاً تعجيزياً، بل مستحيلاً، بضرورة اعتراف حماس بقرارات الشرعية الدولية قبل الحوار معها، وهو ما قرأته مختلف الأطراف على أنه عملية تهّرب مكشوفة من استحقاق المصالحة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني.

فمحمود عباس يدرك أن فصائل المقاومة رفضت بصورة قاطعة شروط الرباعية الدولية للاعتراف بشرعية الاحتلال رغم ما ترتب على ذلك من استهداف وإقصاء وحصار جائر أسهم هو وأطراف إقليمية في إحكامه على قطاع غزة.

وهو يعلم علم اليقين أنها لن تعترف بشرعية الاحتلال من أجل موافقته على الحوار معها حول قضية وطنية داخلية لا علاقة لها بشرعية احتلال أو بشروط أطراف خارجية.

السلطة وعبر سلوكها السياسي والشعبي الراهن تتجه نحو الانهيار التدريجي، وتمارس عملية انتحار ذاتي بيديها لا بأيدي الآخرين.

وهي تُمعن بالمجانّ ودون مبرر في خسارة حاضنتها الشعبية واستنزاف رصيدها الوطني، وتفقد بالتدريج الغطاء السياسي والأخلاقي، وتقصر رهاناتها على الدعم والإسناد الخارجي المرتبط بأداء دورها في حفظ أمن إسرائيل وتحمّل أعباء الإدارة المدنية التي تعفي الاحتلال من مسؤولياته.

وإذا كانت استطلاعات الرأي التي أعقبت مواجهة سيف القدس أظهرت تراجع شعبية السلطة وحركة فتح بشكل مخيف، حيث تدنت نسبة تأييدها في الضفة والقطاع إلى نحو 14 %، فإن واقع السلطة الراهن وشعبيتها باتت في وضع اكثر خطورة وحرجاً بعد سقطاتها اللاحقة والتي لا تبدو مرشحة للتوقف.

وهو مؤشر ينبغي أن يدقّ ناقوس الخطر لدى كل الحريصين على مستقبل حركة فتح وعلى إرثها النضالي ومكانتها السياسية ورصيدها الشعبي.

جهود إقليمية ودولية حثيثة ستبذل لمنع انهيار السلطة والحفاظ على شرعيتها كممثل رسمي وحيد للفلسطينيين، لكن هذه الجهود لن تجدي نفعا في حال فقدت شرعيتها الوطنية وتحوّلت إلى عبء على الشعب الفلسطيني وعلى مشروعه التحرري.

عاطف الجولاني كاتب صحفي رئيس تحرير (السبيل).

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن