القضية الفلسطينية إلى أين؟!

القضية الفلسطينية إلى أين؟! - ناصيف حتى
القضية الفلسطينية إلى أين؟! - ناصيف حتى

كتب : ناصيف حتى

صاعق التفجير للحرب الإسرائيلية الدائرة والمتصاعدة ضد الشعب الفلسطيني يكمن في محاولة السلطات الإسرائيلية إخلاء حي الشيخ جراح في القدس من سكانه الفلسطينيين. ويندرج ذلك في سياسة تهويد القدس وتوحيدها باعتبارها «العاصمة الأبدية» لإسرائيل. وهذا ما يشكل خرقا فاضحا لجميع القرارات الدولية ذات الصلة. وقد رافق ذلك في البداية أعمال عنف واعتداءات قام بها المستوطنون واليمين المتشدد برعاية الشرطة الإسرائيلية ضد المصلين في باحة المسجد الأقصى. وقد واكب ذلك إعلان عدد من نواب اليمين المتشدد عن بلورة مشروع قانون جديد لتعزيز السيادة الإسرائيلية على القدس ليقدم لاحقا لإقراره في الكنيست. ولا يكفى أن تلغى أو أن تؤجل المحكمة العليا الإسرائيلية جلستها التي كانت مقررة في مطلع الأسبوع الماضي بشأن قضية الإخلاء إلى موعد يحدد لاحقا وخلال شهر، تجاوبا مع مطالب دولية، لاحتواء الموقف المتفاقم.

جملة من العوامل المتكاملة شجعت إسرائيل على هذه الحرب، فيما تهدد بحرب برية ضد قطاع غزة؛

أولا، حاجة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للاستمرار في موقعه في رئاسة الحكومة، بعدما فشلت محاولاته في الحصول على دعم عدد من قوى اليمين، إلى تصعيد في الموقف على مستوى الخطاب وعلى مستوى الفعل ضد الشعب الفلسطيني مما يساهم فى رص الصفوف حوله. وقد نجح في ذلك. من أبرز الدلائل في هذا الصدد أن نفتالي بنيت، زعيم حزب يمينا الذى كان معارضا لنتنياهو وافق على الالتحاق به. وقد أوجد ذلك زخما ضروريا لنتنياهو في معركته لتشكيل الحكومة.

ثانيا، استمرت إسرائيل وقوى اليمين الإسرائيلي بشكل خاص، في ظل الغياب الطويل للقضية الفلسطينية عن جدول الأولويات الإقليمية وحلول أولويات أخرى ضاغطة مكانها فرضتها حروب الإقليم وصراعاته المختلفة، في مسارها التصعيدي لخلق واقع جديد في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة.

ثالثا، هنالك قلق إسرائيلي من المحادثات الأمريكية الإيرانية في فيينا «بمواكبة غربية» وفى إطار مجموعة «الخمس زائد واحد» من عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي وهو بالنسبة لإسرائيل يحرر إيران من الكثير من الضغوطات والقيود الموضوعية ويسمح بالتالي لهذه الأخيرة بتعزيز موقعها مباشرة وعبر حلفائها في المنطقة تجاه إسرائيل، وبالتالي يجب القيام بعمل استباقي لاحتواء إيران عبر إضعاف حلفائها.

رابعا، هنالك قلق إسرائيلي من اتصالات إيرانية عربية ما زالت في بداياتها قد تساهم في تخفيف حدة التوتر والمواجهة بالوكالة بين الطرفين فيما لو نجحت، مما ينعكس سلبا من المنظور الإسرائيلي على أمنها.

خامسا، لا تشعر إسرائيل بأي قيود أو عناصر ردع مختلفة تجاهها في المنطقة من طرف العرب بسبب أوضاع التفكك والضعف وغياب الفعل، الرغبة والقدرة، التي يعيشها العالم العربي.

لكن، رغم ذلك كله فإن عناصر معينة لم تكن في الحسبان أربكت الحرب الإسرائيلية:

أولها التضامن الواسع الذى عبر عنه فلسطينيو ١٩٤٨، وهم الفلسطينيون في إسرائيل الذين يعيشون منذ نشأة إسرائيل في نظام أبارتايد (نظام من التمييز العنصري) واعتبارهم مواطنين درجة ثانية في دولة تدعى أنها دولة ديمقراطية يمكن وصفها بالفعل بالديمقراطية الانتقائية. أثبت هؤلاء أنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وأن ما يحدث يمكن وصفه ببداية انتفاضة مع نزولهم إلى الشارع.

ثانيها، أن قوة الرد «الصاروخية» الفلسطينية التي انطلقت من المقاومة في غزة لتطال العمق الإسرائيلي أحدثت نوعا من توازن الردع أو توازن الرعب مع إسرائيل رغم التفوق العسكري الإسرائيلي. أضف إلى ذلك الردود الشعبية في الضفة الغربية، كلها تدل على تبلور وانبلاج انتفاضة جديدة مختلفة في طبيعتها عن الانتفاضتين السابقتين.

ثالثها، أن إصرار حماس على أن أي مقترحات أو مبادرات لوقف إطلاق النار أو التهدئة يجب أن تشمل القدس تأكيدا لوحدة الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورفضا للتصنيف الإسرائيلي الذى يعتبر القدس أرضا إسرائيلية، وهو كما أشرنا سابقا يشكل خرقا فاضحًا لجميع القرارات الدولية. ليس ذلك فرضا لقواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل فحسب بل تكريسا لما هو قانوني ومبدئي؛ أن القدس الشرقية أرض محتلة أسوة بالأراضي الفلسطينية الأخرى المحتلة.

إن ما يحصل اليوم هو رسالة إلى العالم تتعلق بوحدة الشعب الفلسطيني رغم الخلافات السياسية المستفحلة بين الأطراف الفلسطينية وغياب البوصلة السياسية الوطنية الواحدة. إن أولى الأولويات هو وقف كلى للعدوان الإسرائيلي، عبر تحقيق وقف شامل لإطلاق النار، بضمانات دولية. ولكن بقدر ما إن ذلك ضروري لكنه لا يكفى طالما استمرت إسرائيل في اتباع سياسات لشرعنة الاحتلال والتغيير التدريجي للوضع على الأرض. إن دبلوماسية الإدانات والمناشدات والتحذيرات لم ولا تؤدى إلى نتيجة. إن المطلوب اليوم قبل الغد إحياء فعلى وفعال لدور الرباعية الدولية وربما توسيعها وهنالك العديد من المقترحات في هذا الشأن، مثل المقترح الروسي (المعروف بصيغة ٤+٤+٢+١) إلى غيرها. إن إنهاء المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني (نحن الآن في خضم الذكرى الـ ٧٣ للنكبة) يكون من خلال تحقيق حقوقه الوطنية المشروعة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما يساهم أيضا في إقفال إحدى أخطر بؤر التوتر واللاستقرار والاستغلال السياسي لأجندات مختلفة في المنطقة.

ملاحظة بعد أشهر خمس ونيف من الزمن، يكون قد مر على انطلاق مؤتمر مدريد للسلام ثلاث عقود من الزمن وهنالك الكثير من الدروس والعبر تجب الاستفادة منها لتلافى أخطاء وخطايا الماضي.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن