النظام القانوني الفلسطيني يُصاب بجائحة كورونا

الكاتب: سمير المناعمة
الكاتب: سمير المناعمة

الكاتب: سمير المناعمة

كضربةٍ قاضية أصابت جائحة كورونا النظام القانوني الفلسطيني، الذي ما فتئ وهو يُعاني من تصدع حقيقي يعصف به وبالنظام السياسي الفلسطيني في آنٍ واحد، حيث لم تستطع ميكانيزماته الدفاعية الصمود ولو قليلاً أمام استحقاق إدارة الحالة الطارئة التي تسببتها الجائحة، دون مخالفة مبدأ المشروعية الدستورية، الذي أرسته المجتمعات السياسية المنُظمة عبر أكثريتها النيابية، وهو مبدأ لم يتوصل إليه الفكر القانوني على سبيل الترف أو البروبجندا، إنما في سبيل تحقيق المصلحة الاجتماعية العامة، والتي تستدعي حمايتها بالضرورة توافر عنصري التنظيم والرقابة خاصة في ضوء الحالة المماثلة أمامنا والتي شهدت إصدار لمرسوم إعلان حالة الطوارئ ومن ثم تمديده، وحتى إن بدا الإعلان صائباً غير أنه يفتقد لوجود الجهة الرقابية في ضوء انتهاء الولاية الزمنية للسلطة التشريعية المُناط بها إلى جانب سن التشريعات، الرقابة على أداء السلطة التنفيذية وضبط وتصويب أدائها حماية للمصلحة الاجتماعية العامة، هذا إلى جانب انتهاء الولاية الزمنية لمؤسسة الرئاسة.

عصفت جائحة كورونا بالأنظمة الصحية للمجتمعات التي شهدت انتشار الوباء فيها حاصداً معه أرواح عشرات الآلاف من البشر، ولم تعصف بالأنظمة القانونية التي هي بمثابة الضابط والمُحرك الأساسي لدور الجهات المختصة والخدماتية التي هي محل تقدير، ولكن الحالة الفلسطينية أضحت كالعربة التي تسير دون سائق يضبطها، فالجهات المسؤولة في قطاع غزة رفضت في بادئ الأمر الاعتراف بمرسوم إعلان حالة الطوارئ، ومن ثم اتخذت جملة من القرارات الاستثنائية التي تُعتبر صائبة ولكنها لا تُتخذ إلا في حالة الطوارئ، الأمر الذي يعني إقرارها بتوافر كافة عناصر تلك الحالة، غير أن الإشكالية تكمن في المرجعية القانونية التي بناءً عليها تم اتخاذ تلك القرارت، أضف إلى ذلك غياب الجهة الرقابية تماماً كما هو الحال في المحافظات الشمالية التي تغيب عنها الجهة ذاتها.

كشفت جائحة كورونا عن ضعف يعتري النظام القانوني الفلسطيني، ابتداءً بالدستور المؤقت الذي لم يحترس أثناء تنظيمه لحالة الطوارئ من فرضية غياب الجهة الرقابية فيما لو كانت الولاية الزمنية للسلطة التشريعية مُنتهية، أضف إلى ذلك أنه تعامل مع المدة الزمنية لحالة الطوارئ على أنها (60 يوم) فقط، كما لم يُحيل للمشرع العادي وضع قانون يحمل الخطوط والأفكار العامة للتعامل مع حالات الطوارئ المُختلفة ويتطبق على معظمها، ويوزع الاختصاصات على السلطات العامة، هذا بالرغم من أن قانون الصحة العامة رقم 20 لسنة 2004م تناول مسألة الحجر الصحي، وقانون حماية المستهلك رقم (21) لسنة 2005م تناول مسألة غلاء الأسعار والغش وغيرها من المسائل، وقانوني العقوبات لعام 1960 و1936 تناولا مسألة الإشاعة وتجاوز فكرة الحق في الرأي والتعبير.

إن عدم كفاية التنظيم الدستوي المُتعلق بحالة الطوارئ وغياب الجهة الرقابية، وتداعيات الانقسام السياسي، وضعنا أمام قرار بقانون رقم (7) لسنة 2020م، بشأن حالة الطوارئ وحتى إن بدا هاماً غير أنه تجاوز بعض المعايير المتعلقة بحقوق الموظف العام وتحديداً عندما اندفع باتجاه العقوبة الجنائية وفرض الحبس لمدة عام على كل من يتقاعس عن أداء مهامه إضافة إلى الفصل من الخدمة، دون مراعاة مسألة تشكيل لجنة تحقيق وتمكين الموظف من إبداء أوجه دفاعه حتى ولو بعد انتهاء حالة الطوارئ، أضف إلى ذلك مسألة جواز الاقتراض الذي يجب أن تتم من خلال الغالبية النيابية بحسب ما تقتضيه المادة الدستورية رقم (92)، هذا إلى جانب عدم تناوله التقيدات التي وضعتها المادة (4) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على إعلان حالة الطوارئ كعدم جواز التعذيب وغيرها من الحقوق التي يُمنع تقييدها، هذا بالإضافة إلى أن القرار بقانون لم يتطرق إلى مسألة المدد القانونية الخاصة بالطعون، الأمر الذي يؤثر على الحق في التقاصي.

مرة أخرى الجهات المختصة والخدماتية ستبقى دوماً محل تقدير عالي، نظراً للمخاطر التي تواجهها خاصة مع تواجدها في الخط الأمامي الأول لحماية المجتمع الفلسطيني والدفاع عنه في مواجهة وباء كورونا، وينبغي تكريمهم ومنحهم المكافآت اللازمة ووضعهم في حدقات العيون بعيد انتهاء الجائحة، بينما الدرس المُستفاد من الحالة الماثلة أمامنا أنه كلما كان بُنيان النظام القانوني كافياً لجهة التعامل مع كافة الوقائع والمستجدات خاصة الطارئة منها، كلما شهدنا حماية أكبر للمصلحة الاجتماعية العامة. وكلما صمد النظام القانوني والسياسي وتكونت لديه المناعة أكثر من مخاطر الفوضى وسوء الأداء والتنظيم، وهي المسألة التي تتعارض ومقاصد القانون. الذي لم يُصنع إلا لحماية الأفراد والمجتمع، وعليه يستوجب إعادة النظر بشأن تنظيم حالة الطوارئ من الناحية الدستورية جعلها تستجيب لأكبر قدر ممكن من المُتغيرات المُتصلة بحالات الطوارئ بما في ذلك الإحالة للمشرع العادي، بغرض ضمان توافر الاستعدادية القانونية والسياسية الكاملة للتعامل مع الأزمات وحالات الطوارئ التي تُهدد حياة الأمة، وذلك بعد إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتوحيد التشريعات وتفعيل منظومة الحقوق والحريات العامة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن