تحالف الأقوياء من أجل الخير والنماء

خالد اليماني
خالد اليماني

عندما يصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الرياض، عاصمة القرار والإجماع العربي، في منتصف الشهر المقبل، سيجد في استقباله قيادة سعودية وخليجية وعربية منفتحة على مقاربة متجددة لشراكة استراتيجية امتدت لعقود طويلة تحقق فيها كثير من الإنجازات والنجاحات المشتركة، إلا أنها شهدت لحظات إحباط ستكون حتماً مثار نقاش معمق ومسؤول للحفاظ على جوهر الشراكة الاستراتيجية والارتقاء بها إلى مستويات تليق بطبيعة المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم.

وعندما يصل الرئيس الأميركي إلى الرياض سيجد رياضاً مختلفة، ورشة فعل إنساني خلاق، ودولة في سباق مع الزمن من أجل الوصول إلى المرتبة الخامسة عشرة ضمن أقوى اقتصاديات العالم، وقاطرة تجر دول المنطقة للحاق معاً بأعلى مؤشرات التطور والنماء في العالم. البيت الأبيض أكد في بيان إعلان زيارة الرئيس بايدن أنه يتطلع للزيارة المهمة إلى السعودية التي كانت وما زالت شريكاً استراتيجياً لأميركا طوال ثمانية عقود.

لقد رشحت موضوعات عدة ستتم مناقشتها في قمة الرياض، ومنها ما يتصل بمكافحة الإرهاب، وضمان الاستقرار الاقتصادي العالمي، ولكن بتقديري فإن أهمها يتلخص في ما ذهب إليه بيان البيت الأبيض حول الزيارة، من تطلع الرئيس بايدن للعمل مع القيادة السعودية وبقية الحلفاء العرب استعداداً لتصاعد التوترات مع طهران في ضوء فشل مفاوضات الاتفاق النووي.

بالتالي فإن موضوع ردع تدخلات إيران السافرة في شؤون دول المنطقة وقطع دابر أنشطتها المزعزعة للأمن والاستقرار الإقليمي، سيكون في صدارة المباحثات التي ستجرى في السعودية. فلطالما كان هذا الموضوع ملفاً ثابتاً للنقاش بين حلفاء أميركا في المنطقة وواشنطن، بما في ذلك إسرائيل التي ترتبط بعلاقة استثنائية بأميركا، والتي سيزورها الرئيس الأميركي قبل وصوله إلى جدة.

إلا أن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت لها رؤية مغايرة عن حلفائها في المنطقة الذين حذروا واشنطن مراراً وتكراراً من مغبة التهاون مع الخطر الإيراني، وتحديداً بعد توجهات إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لبناء شراكة مع نظام طهران تحت سقف الاتفاق النووي الذي أسهم في تغول إيران، وأطلق ليدها العنان لزيادة أنشطتها المعادية ضد دول المنطقة، والتهديد المستمر بسياسة التفجير الشامل وحافة الهوية، دون حساب لعواقب سياساتها الرعناء.

ولطالما فضلت دول المنطقة الحوار مع الجارة إيران، وعدم اللجوء إلى ذات السياسات التصعيدية التي تتبعها، إلا أن الأخيرة كانت تقرأ الدبلوماسية العربية باعتبارها ضعفاً، ولم تلتقط خطاب السلام العربي نظراً إلى سيادة تأثير القوى المتطرفة في فكر إدارة الدولة في إيران.

ومن هنا يشكل موضوع استعادة ألق الشراكة الاستراتيجية بين دول المنطقة وأميركا أهميةً قصوى في هذه اللحظة التاريخية، بخاصة في ضوء تصريحات البيت الأبيض حول الدور القيادي الذي تلعبه السعودية على رأس دول المنطقة، وجهودها الكبيرة لإحلال السلام في اليمن، ومكانتها المرموقة في الاقتصاد العالمي.

واليوم بعد وصول الاتفاق النووي مع إيران إلى ما يشبه الموت السريري، فإنه يتوجب على واشنطن الاستماع إلى بواعث قلق حلفائها في المنطقة، والبحث معاً عن مقاربة مغايرة للتعامل مع التهديدات الإيرانية المزعزعة للأمن والاستقرار الإقليمي.

إيران في وجه المدفع الإسرائيلي

من جانب آخر، فإن إسرائيل الدولة التي ترتبط بعلاقة استثنائية مع أميركا، قررت استقبال الرئيس بايدن، بخطوة استثنائية استباقية بإعلان رئيس وزرائها الانتقال من استهداف أذرع إيران الإرهابية وعملائها مثل “حزب الله”، إلى استهداف رأس الأفعى في طهران، فلطالما حذرت القيادة الإسرائيلية واشنطن من مغبة التساهل مع طهران، ولم يخلُ لقاء بين الشريكين دون أن يتم استعراض هذه المعضلة التي لم تعرها الإدارات الأميركية الاهتمام الضروري.

وطوال العقد الحالي، كثفت إسرائيل عبر خلاياها الواسعة في إيران، عمليات تصفية قيادات “الحرس الثوري” وخبراء التصنيع العسكري في القطاعات النووية والصواريخ والمسيرات التي باتت تهدد الأمن الإقليمي بشكل متزايد. وقد أثبتت التطورات الأخيرة مدى ضعف وهشاشة النظام الإيراني من الداخل.

وأمام الهجمة الإسرائيلية المتصاعدة تقف طهران عاجزة، وتكتفي بتكرار إطلاق وابل من التهديدات الجوفاء لمحو دولة إسرائيل وتسويتها بالأرض، فيما تتوسع حرب إسرائيل الصامتة لتطال رأس النظام الإيراني. وخلال السنوات الماضية، حاولت إيران بناء قواعد عسكرية مستقرة في الأراضي السورية إلا أن محاولاتها سرعان ما أُحبطت عبر عمليات جراحية دقيقة.

وما زالت الضربات الجوية الإسرائيلية تستهدف التواجد الإيراني في طول وعرض الأراضي السورية، بهدف تدمير محاولات طهران المستميتة لإنشاء جسر بري يربط طهران ببيروت، ويمر عبر العراق وسوريا لتزويد وكلائها بالتكنولوجيات العسكرية المتطورة التي فشلت في إيصالها عبر البحر.

واستخدمت إيران خلال السنوات الماضية عملاءها في المنطقة لاستهداف المصالح الإسرائيلية، وهناك قائمة طويلة من محاولات المخابرات الإيرانية ووكلائها في “حزب الله” لاستهداف الإسرائيليين في أذربيجان وتايلاند والهند والأرجنتين وبلغاريا وأخيراً في تركيا، إلا أن معظم محاولات إيران المباشرة لاستهداف إسرائيل باءت بالفشل نظراً لاختراق الموساد الإسرائيلي أجهزة النظام الإيراني.

واليوم تزايدت القيود المفروضة على “حزب الله” الذي بات مقيداً بالمعادلة السياسية اللبنانية، وقلق اللبنانيين المستمر من محاولاته جر لبنان إلى حرب مع إسرائيل، سيدفع فيها البلد الصغير ثمناً باهظاً من مقدراته ودماء اللبنانيين مقابل حماية النظام الإيراني المتهالك.

استراتيجية الضغوط القصوى

وحينما يصل الرئيس بايدن إلى المنطقة سيكون أمام استحقاق رسم الاستراتيجية المشتركة مع حلفائه في المنطقة للتعامل مع مجمل التهديدات التي تمثلها إيران، بما يضمن إيران غير نووية ولا تشكل ضرراً لجيرانها. وتتزايد القناعة لدى أميركا وحلفائها في الغرب، بما كان يطرحه حلفاؤهم في المنطقة من أن المراهنة على عقلنة سلوك النظام الإيراني غير واردة، وأن طهران تستخدم دبلوماسية التفاوض لتحقيق مزيد من المكاسب العسكرية وتطوير ترسانتها في المجال النووي والصاروخي وتكنولوجيا المسيرات.

وتؤكد تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران باتت بعيدة من الالتزامات التي قطعتها على نفسها في الاتفاق النووي، وهي تتقدم لصنع القنبلة النووية. فإيران النووية سيكون مشروعها التوسعي المزعزع للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي أكثر شراسةً وستتجاوز أطماعها كل حدود، ويجب ردعها قبل فوات الأوان، وتُدفع المنطقة نحو سباق تسلح نووي غير مسبوق.

فكيف سيكون بمقدور الاستراتيجية المشتركة أن تبعث بالرسائل الواضحة لإيران بأن الاستمرار في طريق التسلح النووي والتصعيد العسكري وتفريخ المرتزقة لتهديد الأمن الإقليمي على حساب أمن واستقرار ورخاء الشعب الإيراني ستكون فاتورته فوق قدرة طهران على السداد؟

ويتفق كثير من المراقبين على أن المقاربة الاستراتيجية الجديدة لاحتواء إيران ينبغي أن تنطلق من التشاور مع الحلفاء في حلف شمال الأطلسي، والحلفاء الإقليميين، والأخذ بعين الاعتبار هشاشة النظام من الداخل وممارسة سياسة الضغط القصوى، وتنسيق المعلومات الاستخباراتية، وفرض العقوبات واتباع أفضل الوسائل لإنفاذها حتى تؤتي نتائجها المرجوة، والتوافق على بروتوكول للتفتيش الدولي أكثر صرامة ضد انتقال التكنولوجيات الخطرة والصواريخ البالستية، وبناء آلية متطورة للأمن والحوار الإقليمي.

حتماً إن زيارة الرئيس الأميركي إلى الرياض ستحمل تغييراً جوهرياً في النظرة المشتركة لأهمية القطب الإقليمي العربي والخليجي بقيادة السعودية، ليس فقط في المقاربة الاستراتيجية الجديدة تجاه طهران، بل تجاه مجمل القضايا الإقليمية والدولية، فهذا الحلف المتجدد الذي صنع كثيراً من الانتصارات في الماضي، يعد بصنع كثير من الإنجازات في المستقبل تأسيساً على مبادئ الثقة، والمصارحة، والندية، والواقعية السياسية، والمصالح المشتركة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن