ترامب ومفهومه للسيادة في الدولة الفلسطينية

صالح النعامي
صالح النعامي

بقلم : صالح النعامي

يجب إعلاء الصوت بكل قوة ممكنة، فالحراك الذي تديره إدارة ترامب بالتعاون مع القوى الإقليمية، في حال نجح، يهدد بتصفية القضية الوطنية الفلسطينية. فالمبادئ العامة للمبادرة التي ينوي ترامب الإعلان عنها في ديسمبر أو يناير القادم، والتي تم تسريبها لبعض وسائل الإعلام الصهيونية تضمن تشريع الاحتلال من خلال إجبار الفلسطينيين على التفريط بحقوقهم الوطنية والتغطية على التعنت الصهيوني، المتمثل في التصميم على استكمال تهويد الضفة والقدس من خلال الاستيطان وعدم الاستعداد للتعاطي مع الحقوق الوطنية الفلسطينية.

وعند التدقيق في المبادئ العامة لمبادرة ترامب، التي تلقى دعما عربيا إقليميا، فإن المرء يصل لقناعة مفادها أنها تهدف إلى شطب قضية فلسطين بمباركة عربية.

فمن أجل أن تضفي شرعية على بقاء المشروع الاستيطاني وتواصل تعاظمه وازدهاره، فإن المبادرة تعتمد مفهوما جديد لمصطلح «السيادة» في «الدولة الفلسطينية» التي يفترض أن ترى النور. ووفق هذا المفهوم، يتم منح المستوطنين اليهود الذين يقطنون المستوطنات الواقعة خارج التجمعات الاستيطانية الحق في الإقامة داخل الدولة الفلسطينية العتيدة مع احتفاظهم بمكانتهم كـ «مواطنين إسرائيليين». في الوقت ذاته، فإن المبادرة تضمن ضم التجمعات الاستيطانية الكبيرة في الضفة لإسرائيل. وهكذا يحافظ الكيان الصهيوني على كل المستوطنات وما تضم من مستوطنين.

ولا تمانع مبادرة ترامب من أن يطلق الفلسطينيون على ما تبقى من أراضي داخل الضفة «دولة فلسطينية»، مع العلم أن هذه الدولة، إلى جانب أنها ستكون منزوعة السلاح، فأنه لن يكون بوسعها السيطرة على الحدود مع الأردن. بل إنها تمنح الجيش الصهيوني التدخل في حال شك بأن هناك تسللاً عبر الحدود في غضون دقائق.

ومن أجل تعويم الاحتلال ومنحه غطاء عربي، فإن المبادرة تقترح أن يتم تدشين «فيدرالية أردنية فلسطينية» في الضفة، مع بقاء الاستيطان. ولا تستبعد حتى أن يتم الإعلان عن «فيدرالية فلسطينية إسرائيلية أردنية»!!!.

وتشمل المبادرة وصفة لتصفية قضية اللاجئين من خلال التعاون العربي والدولي، حيث إنها تقترح مسارا دوليا يناقش تدشين مشاريع إعادة إعمار معسكرات اللاجئين، وهو المطلب الذي تتشبث به إسرائيل بوصفه متطلبا من متطلبات تصفية قضية اللاجئين.

وتمنح المبادرة إسرائيل المزيد من المغريات، حيث إن الأمريكيين يدعون أنهم حصلوا على موافقة دول خليجية بأن يعقد ممثلوها لقاءات مباشرة وعلنية مع ممثلي إسرائيل، إلى جانب منح الخطوط الجوية الإسرائيلية حق التحليق في الأجواء الخليجية، فضلا عن موافقة مسؤولين كبار من الدول الخليجية على المشاركة في حفل الإعلان عن المبادرة إلى جانب نتنياهو.

كل هذا يحدث، في الوقت الذي أعلنت تل أبيب عن خطة تهدف لاستكمال تهويد منطقة غور الأردن، التي تمثل 28% من مساحة الضفة الغربية من خلال مضاعفة عدد المستوطنين فيها، إلى جانب إقرار عدة مشاريع تهويدية في القدس ومناطق أخرى متفرقة في الضفة.

المشكلة أن الأمريكيين يمارسون الضغوط والابتزاز على قيادة السلطة من أجل إجبارها على تقديم التنازل من خلال التلويح بسلسلة من العقوبات، ضمنها: تجميد المساعدات المالية، اغلاق مقر المنظمة في واشنطن، سحب الاعتراف السياسي بالمنظمة والسلطة، وغيرها.

وكما تسرب، فأن المفارقة، أن إدارة ترامب تصر على ألا تبدي قيادة السلطة الفلسطينية أي اعتراض على المبادرة المذكورة، مع العلم أن واشنطن لم تحصل بعد على الموافقة الإسرائيلية.

ليس هذا فحسب، بل إن إسرائيل ترفض الوفاء بـ «بوادر حسن النية» التي تطالب المبادرة إسرائيل بتقديمها للفلسطينيين، على الرغم من أنها أمور بسيطة. فعلى سبيل المثال، رفضت إسرائيل تجميد البناء بشكل «جزئي وصامت» وبشكل مؤقت في المستوطنات التي تقع خارج التجمعات الاستيطانية الكبيرة. كما رفضت تل أبيب تحويل مساحة من الأراضي في الضفة الغربية من تصنيف «ج»، وهي المناطق التي تملك فيه إسرائيل كل الصلاحيات الأمنية والمدنية إلى تصنيف «ب»، التي تملك فيه السلطة الفلسطينية الصلاحيات المدنية، وهو ما يمكن الفلسطينيين في البناء في هذه المناطق دون الحاجة إلى الحصول على تصاريح من الحاكم العسكري الإسرائيلي.

يجدر بالقوى العربية الإقليمية التي تصر على مساعدة ترامب على فرض مبادرته أن تعي أن الشعب الفلسطيني سيفشلها وستفضي كل محاولة لفرض المبادرة إلى انفجار بركان فلسطيني يصعب التنبؤ باتجاهات مفاعليه ونتائجه.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن