تفاصيل مثيرة.. الحياة الليلية في رام الله

الوطن اليوم - تفاصيل مثيرة.. الحياة الليلية في رام الله

الوطن اليوم / رام الله

من هي أشهر امرأة في مدينة رام الله؟ الإجابة سهلة: أنيسة. ليس لإنجازاتها العلميّة، أو الفنيّة أو حتى السياسيّة، لكنّ.. تعرف رام الله باحتوائها على أشهر حانةٍ ومرقص في أراضي السلطة الفلسطينيّة، المُسمّى “بيت أنيسة”، والواقع في منطقة عين منجد تحديداً. عند اقترابك من المكان ستجد انتشاراً لمجموعةٍ من رجال الأمن يعملون في شركة حمايةٍ خاصّة. لا تتصوّر أنّك ستجد أمامك عند دخول المكان عدداً من النساء الموزّعات هنا وهناك، في انتظار أن يأتي زبون ليختار من بينهن واحدةً ليقضي الليل معها. لا، فبيت أنيسة ليس بيتاً لعاملات الجنس بالتأكيد، لكنّه حانة ومطعم، يتحوّل بعد الساعة العاشرة مساءً إلى مرقص، فتعلو أصوات الراقصين فيه، ثم يخرجون بعد منتصف الليل سكارى. لطالما استيقظ السكّان المحيطون بالمكان على أصوات المُغادرين، حتّى أنّهم قدموا شكواهم لرئيسة بلديّة رام الله، وبعدها تمّ إغلاق المرقص فترة طويلة، بينما تداول الناس خبراً يفيد بأن الإغلاق جاء على خلفيّة خلاف بين أحد الزبائن “الواصلين” ومالك المكان.

تنتشر في رام الله عدّة حانات في أماكن مختلفة، وتتركّز في أغلبها في منطقة “رام الله التحتا”. وهي المنطقة التي تُعتبر رام الله القديمة ذات الأغلبية المسيحية. لكنّ هذه الأغلبية لا تعني أبداً أنّ روّاد تلك الحانات هم فقط من المسيحيين، فعلى الرغم من أنّ الترخيص لامتلاك “مكان يبيع الكحول” في رام الله لا يُمنح إلّا لمن يحمل الديانة المسيحية، فإنّ العاملين والزبائن ليسوا كذلك بالضرورة. يقول مُحمّد (اسم مستعار)، وهو نادل شاب يعمل في مطعم وبار في منطقة “رام الله التحتا”: “أنا هنا لأنّ العمل ممتع، والراتب مُجز. انظر من حولك، يريد الناس الحصول على بعض السعادة ولو لساعات”. يُخبرك محمد عن التجديد الذي يمتاز به مكان عمله، وهو مطعم “فويقو”، فهم يتميّزون بيوم يُسمى “يوم السالسا”، وهي ليلة تبدأ مساء يوم الثلاثاء بتدريب الزبائن لمدة ساعة على الرقصة الشهيرة، ثم يبدأ الاحتفال بعدها.

في هذا المكان تحديداً يبدو حضور الجنسيات الأجنبيّة واضحاً أكثر من غيره. عندما يبدأ صوت الأغاني الشعبيّة المصرية يعلو يفقد الحضور وقارهم ويصبح صوت الضحكات هو الصوت الطاغي. أمّا حانة “لاوين”، الواقعة إلى جوار مسرح وسينما القصبة، فهي تمتاز بالزبائن المهتمّين بالفن والثقافة، وهم على الأغلب من الفرق المسرحيّة التي تأتي لتأدية عروضها على خشبة مسرح القصبة، فيكون الالتقاء بعدها في ذلك البار، ليتبادل الفنانون المحليّون النقاش مع زوّارهم من الدول العربيّة والأجنبيّة.

في احد البارات الواقعة في هذه المنطقة، يرفض أحد الموظّفين الحكوميين ذكر اسمه أو اسم المكان الذي يعمل به. بعد إنهاء دوامه في مهنته الحكوميّة صباحاً، يأتي في المساء إلى الملهى ليعمل على تقديم الفحم لمدخّني النرجيلة. تبدو على وجهه علامات الامتعاض بينما يحكي عن ذلك، كأن سرا كان يخفيه وقد انكشف الآن. يستدرك محاولا توضيح الأمر: “كيف تتوقعون أن أعيش بدون هذه المهنة؟”.

***

“أعزاءنا المستمعين، تهيب بلديّة رام الله بكل المعنيين الانتباه لعدم جواز بيع المشروبات الكحولية لمن هم دون السن القانونية”، كان هذا الجزء الأوّل، والمهم، في الإعلان الصادر عن بلديّة رام الله والذي يمكنك سماعه على المحطات الإذاعيّة كلّ يوم، بعد أن تمر بـ “سوبرماركت” يعرض مختلف أنواع الكحول في ثلاجة خاصّة.

يُشكّل المنتمون للطبقة المتوسطة الرواد الأساسيين للحانات الشهيرة في المدينة. مع ذلك، ينجح طلّاب الجامعات، الذين لا يملكون المال الكافي للتردّد بشكلٍ مستمر الى تلك المطاعم، بأن يخلقوا بدائل لأنفسهم من خلال الذهاب إلى بيرزيت. عند زيارة لمنطقة، ذات أغلبية مسيحيّة أيضاً، ستجد العديد من مساكن الطلّاب فيها، كونها الأقرب إلى الجامعة الأعرق في البلد، “جامعة بيرزيت”.

يقول الطالب الجامعي السابق أ.ت. ان هنالك قاعدة غير مكتوبة، تتعلق بالكحول هنا: “لا يوجد سكن للطلاب في بيرزيت يخلو من حفلات لشُرب الكحول”. حفلات توزّع فيها مشروبات رخيصة، تتنوّع بين التيكيلا والجِن وبعض الخلطات المحليّة ذات التأثير القوي. عند محاولة الدخول أكثر إلى هذا العالم، نكتشف أن الأمر لا يقتصر على طلاب “بيرزيت” فحسب، بل يصل إلى كلّ جامعات الضفة الغربية. في بعض الحالات، يتم تعاطي الكحول داخل الحرم الجامعي، بطريقة خفيّة عن طريق خلطها بمشروبات عاديّة. لكنّ التعامل مع الأمر بانفتاح تام ما زال غير مقبولٍ في الشارع العام. ففي بداية العام الماضي تقدّم أهالي بلدة بيرزيت بشكوى إلى رئيسة البلدية، حول “التجاوزات اللاأخلاقية” التي تمارسها ثلاثة مطاعم في البلدة، ووصل الأمر لتنظيم وقفة احتجاجية تطالب بإغلاقها.

***

صار شرب الكحول أمراً رائجاً بين الشباب الفلسطينيين، ولا يقتصر الأمر على فئة معينة تنتمي لتيارٍ سياسي معين. ساعد في ذلك كون الحكومة لا تمنع شرب الكحول، وتعمد إلى فرض الضرائب الكبيرة على الكحول، ممّا يشكل لها مصدر دخلٍ محترما. إلاّ انّ المجتمع الفلسطيني لم يعتبر موضوع شرب الكحول حريّة مطلقة بعد، إذ ما زال غير متقبّل فكرة شرب الكحول بشكلٍ علنيٍّ.

في غزّة مثلاً، ومع بداية الانتفاضة قام بعض الغاضبين بحرق عدد من “الخمّارات”، ولم يتم فتحها حتى يومنا هذا، كما يمنع استيراد الكحول أو التعامل بها بأي شكلٍ من الأشكال. وعلى الجهة المقابلة، تم حرق بار مشابه في بداية الانتفاضة وسط رام الله، لكنّه عاد اليوم للعمل كسابق عهده، كأن شيئاً لم يحصل.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن