جيوبوليتيكال: أفغانستان تشعل معركة نفوذ بين أنقرة وطهران

جيوبوليتيكال: أفغانستان تشعل معركة نفوذ بين أنقرة وطهران
رجب طيب أردوغان وإبراهيم رئيسي

ليس من السهل السيطرة على أفغانستان بالقوة؛ فالتضاريس الجبلية الوعرة تجعل من الصعب على أي جيش أجنبي أن يغزو البلاد ويحتلها بغض النظر عن مدى قوته. وحتى الولايات المتحدة، لم تتمكن من بسط تأثير يؤدي لتغيير دائم هناك بعد 20 عاما من الحرب.

لكن هناك فرصا للتأثير لدى الدول الأصغر، التي تشترك في القيم التاريخية والثقافية والدينية مع الأفغان، مقارنة بالدول الأخرى التي لا تشترك مع الأفغان ثقافيا، بغض النظر عن الموارد التي ينفقونها.

وهكذا، فإن غياب الولايات المتحدة سيطلق منافسة بين إيران وتركيا للتأثير على أفغانستان التي تشتركان معها في العلاقات التاريخية والثقافية.

ويقدم الوضع السياسي والأمني ​​​​السائل في أفغانستان عقب الانسحاب الأمريكي تحديات لإيران وفرصا لتركيا، في وقت يظل فيه الاستقرار أو حتى ما يشبه السلام أمرا بعيد المنال.

• رئيسي: نرفض أي محاولات للوصاية على أفغانستان

تحديات تنتظر طهران

مرت العلاقات بين إيران وأفغانستان بمد وجزر منذ عام 1722، عندما غزا الأفغان بلاد فارس واحتلوا أصفهان عاصمة إمبراطورية الصفويين.

وبعد هزيمة الأفغان في عام 1730، عكرت قضايا المياه العلاقات بين البلدين، حتى وقعوا أخيرا معاهدة الصداقة عام 1921.

ويبدو أن إيران ورئيسها المتشدد الجديد “إبراهيم رئيسي” عازمان على توسيع نفوذ طهران الإقليمي في أفغانستان وكذلك آسيا الوسطى والقوقاز وشرق البحر الأبيض المتوسط ​​والخليج.

وتهدف طهران لأن تصبح المستفيد الاقتصادي الرئيسي في أفغانستان، على أمل تشكيل علاقة مع “طالبان” مماثلة لعلاقة تركيا مع قبرص التركية، لكن هناك عقبة كبيرة تتمثل في عدم توافق الأيديولوجية الدينية وتعاون إيران مع الغزو الأمريكي في 2001.

ومع أن إيران سمحت لـ”طالبان” بفتح مكاتب في العديد من المدن الإيرانية ووفرت ملاذا لعائلات العديد من قادة “طالبان”، إلا إن الأفغان ينظرون لسلوك إيران بشك.

فقبل بضع سنوات، حاولت إيران أن تحفز الهزارة الشيعة ضد “طالبان” لتبرر تدخل الحرس الثوري في أفغانستان، وتنكرت قوات الحرس كأعضاء في مليشيا شيعية أفغانية تسمى “فاطميون” في محاولة لدفع المسلحين لإنشاء دولة شيعية في أفغانستان، وهو ما فشل في النهاية.

وتشعر إيران بقلق عميق إزاء عودة “طالبان” بالرغم أنها تدعى علنا ​​أنها سعيدة بالانسحاب الأمريكي.

وكانت طهران تريد أن ترى أفغانستان هشة تسيطر عليها “طالبان” لعرقلة خطط التدخل التركي وتأمين المزيد من إمدادات المياه من نهر هلمند لمناطقها الحدودية شحيحة المياه، لكن استقرار أفغانستان سيمكّن البلاد من حماية مواردها الخاصة من التدخل الإيراني.

لا تعتقد إيران أن “طالبان” ستحافظ على قبضة حازمة على البلاد وهي تدرس خطة لخلق مليشيا موالية لطهران مماثلة لقوات الحشد الشعبي في العراق.

وتجنبت إيران انتقاد “طالبان” علنا، على أمل أن تلعب دورا في حفظ السلام في أفغانستان، حتى أن طهران شجعت وسائل الإعلام المحلية على الثناء على الحركة لطردها القوات الأمريكية خارج البلاد.

وتقدم إيران نفسها كشريك في أفغانستان، حيث توفر إمدادات الطاقة التي تشتد الحاجة إليها للمساعدة في تخفيف الانهيار الاقتصادي، ومع ذلك فإن هناك معارضا واحدًا على الأقل لموقف طهران الرسمي بشأن “طالبان”.

ففي الشهر الماضي، قال الرئيس الإيراني الأسبق “محمود أحمدي نجاد” إن الشعب الإيراني لا يدعم سياسة طهران في أفغانستان، مؤكدا أن الإيرانيين يعتقدون أن موارد بلادهم الضئيلة يجب أن تستخدم بدلا من ذلك للتنمية الاقتصادية.

• صحيفة: إيران وروسيا تتسابقان على ملء الفراغ الأمريكي في أفغانستان

فرص أنقرة

على عكس إيران، والتي تشترك في حدود 900 كيلومتر (560 ميلا) مع أفغانستان، فإن تركيا بعيدة جغرافيا عن البلد الذي مزقته الحرب، ولكن ما تزال ترى فرصة للتأثير على الأحداث هناك.

وعلى الرغم من تحذير “طالبان” لتركيا بسحب قواتها العسكرية من كابل بنهاية أغسطس/آب، يعتقد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” أنه يمكنه عقد صفقة مع الحركة من خلال قطر التي لها علاقات وثيقة مع “طالبان”.

وفي الواقع، وعدت “طالبان” بالحفاظ على علاقات ودية مع جيرانها القريبين والبعيدين، باستثناء الهند نظرًا لانتهاكاتها لحقوق الأقلية المسلمة لديها.

وتشترك تركيا و”طالبان” في النهج تجاه الهند، حيث تدعم “طالبان” التمرد الإسلامي في إقليم كشمير الذي تسيطر عليه الهند، أما تركيا فلديها علاقات قوية مع الجبهة الشعبية للهند، وهي حركة إسلامية “متشددة”، بالإضافة إلى “الجماعة الإسلامية” في كشمير.

كما إن انخراط تركيا في أفغانستان يعتبر جزءا من استراتيجية أنقرة لإصلاح علاقاتها المتوترة مع واشنطن، فقد شاركت في قوة المساعدة الأمنية الدولية التي يقودها “الناتو” في أفغانستان منذ إنشائها في عام 2001، ويمكن أن تساعد أيضا في التوسط بين “طالبان” وواشنطن مستقبلًا.

والأسبوع الماضي، جمدت إدارة “بايدن” احتياطيات البنك المركزي الأفغاني في الولايات المتحدة والتي بلغ مجموعها 10 مليارات دولار، كما أقنعت صندوق النقد الدولي بتعليق وصول “طالبان” لـ440 مليون دولار من التمويل حتى تفي البلاد بشروط معينة، وبالنظر إلى حاجة “طالبان” الملحة للأموال، فمن المحتمل أن ينفتحوا على الحوار مع وسيط مثل أنقرة.

• هل تتحول أفغانستان إلى ساحة للصراع السعودي الإيراني؟

صراع النفوذ الأجنبي

بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، فإن أحد أهدافهم الرئيسية هو احتواء النفوذ الروسي والصيني في أفغانستان، حيث تحرص واشنطن على إبطاء التقدم الاقتصادي الصيني ومنع روسيا من استعادة نفوذها المفقود في آسيا الوسطى.

وتعتبر الولايات المتحدة النشاط الروسي والصيني في جنوب ووسط آسيا أهم تهديد لأمنها القومي. ومع تسارع التنافس بين هذه القوى الكبرى، تتزايد أهمية أفغانستان باعتبارها منعطفا حاسما يربط الصين وروسيا والهند وباكستان وإيران.

في عام 2015، زار الرئيس الصيني “شي جين بينج” إسلام أباد ودشن الممر الاقتصادي بين الصين والباكستان، وهو جزء من مبادرة الصين الضخمة “الحزام والطريق”؛ مما أثار ردود فعل متباينة في باكستان.

وبالنظر إلى شكوك الباكستانيين بشأن “مبادرة الحزام والطريق” يمكن لتركيا استغلال صداقتها مع باكستان لتليين علاقاتها مع الولايات المتحدة، حيث ترى الولايات المتحدة فرصة في استغلال الجدل المحيط بالممر الاقتصادي، لتقويض النفوذ الصيني في المنطقة وإعادة باكستان إلى حظيرة الولايات المتحدة، باستخدام تركيا كوسيط.

أما بالنسبة لموسكو، فإن مخاوفها الأساسية في أفغانستان تتعلق باحتمال امتداد تأثير عدم الاستقرار هناك إلى روسيا، في الشيشان وداغستان وتتارستان على وجه التحديد، بالإضافة إلى جيرانها في آسيا الوسطى، وتحديدا طاجيكستان وأوزبكستان.

ولا يُستبعد احتمال إنشاء إمارات إسلامية في هذه البلدان والمناطق، على غرار إمارة طالبان الإسلامية في أفغانستان. كما إن لدى إيران مخاوف مماثلة بشأن إقليم بلوشستان المضطرب الذي يسكنه السنة.

وتريد تركيا زيادة الضغط على البلدان المتنافسة على النفوذ في الشرق الأوسط ووسط آسيا (روسيا والصين وإيران والسعودية) عبر التأثير على السياسة الخارجية لـ”طالبان”، على أمل أن يعطي ذلك أنقرة أفضلية.

كما إن الحفاظ على درجة من القوة الناعمة في أفغانستان سيزيد من مكانة تركيا لدى “الناتو”، ويفتح فصلا جديدا في العلاقات مع الولايات المتحدة.

• أفغانستان: اتفقنا على فتح ممر بري مع تركيا عبر أراضي إيران

السعي لكسب دور الوساطة

حاول “أردوغان” مؤخرا أن يظهر أفضلية بلاده في التوسط لدى “طالبان”، قائلا إن تركيا هي “البلد الوحيد المتبقي الموثوق به، والذي يمكن أن يساعد في تحقيق الاستقرار في أفغانستان”.

وأغضبت مشاركة تركيا في نزاعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى العديد من الأتراك، الذين يجادلون بأن موارد البلاد تعرضت للضغط الشديد.

فقد نشرت تركيا قوات في ليبيا وسوريا والعراق، وأنشأت قواعد عسكرية في قطر والصومال ولعبت دورا في توجيه دفة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان في ناجورنو كاراباخ في العام الماضي.

وانتقد حزب الشعب الجمهوري المعارض سياسة “أردوغان” في أفغانستان ودعا إلى انسحاب فوري للقوات التركية من البلاد.

ويعتقد خصوم “أردوغان” أنه يريد سحب تركيا إلى المستنقع الأفغاني ليحل محل الولايات المتحدة كقوة رئيسية في البلاد، لكن “أردوغان” يبدو عازما على رأيه.

ومن المحتمل أن تعود الفوضى والحرب الأهلية إلى أفغانستان، فما تزال فكرة الدولة ضبابية بالنسبة لمعظم الأفغان، كما إن تشظي السكان في الأعراق القبلية والهويات الطائفية يجعل من الصعب إنشاء وعي جمعي موحد. لكن ما يبدو أكثر أهمية الآن هو التنافس الأجنبي على النفوذ فيما تحاول “طالبان” بناء إمارة إسلامية.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن