أسئلة على طاولة السيد الرئيس!

2

الوطن اليوم – غزة – كتب د.غازي حمد:

(1) عقدتان كبيرتان

لدى إسرائيل عقدتان كبيرتان: الشرعية والأمن .
الخطير أن السلطة الفلسطينية منحت الاثنتين مجانا وبدون مقابل, ولو كانت (تاجرة) ذكية في السوق السياسي لحصلت سعرا عاليا ,لكن (فاتت عليها)!!
الخطير، ان الرئيس عباس منح إسرائيل طمأنينة قوية حين كرر كثيرا، انه لا يريد المس بشرعيتها ولا بأمنها، في الوقت الذي تصر فيه على محاربة كل إشكال الشرعية للفلسطينيين، وتعزز ذلك عمليا من خلال رفض الاعتراف بكونها دولة محتلة، أو أن للفلسطينيين حقا في حدود عام 67 .
فيما يخص الأمن، فان إسرائيل تنعم في الضفة الغربية بأمن وافر، راحة للجنود والمستوطنين، لا مواجهة ولا مضايقة، بل يتم ملاحقة واعتقال كل من يفكر بتعكير الهدوء والراحة لهم!!..
أما الأمن الفلسطيني فهو مستباح: اقتحام أراضي السلطة دون إذن، اعتقالات ، مداهمة البيوت، نصب الحواجز في كل مكان، ورغم كل هذا يصر الرئيس على أن “التنسيق الأمني قائم ومقدس “، وانه ” لا مجال لانتفاضة ثانية ” .
أن التشبث بالطابع السلمي ” في وجه “الطغيان العسكري العدواني الاستيطاني ” غير منطقي !!
الرئيس يعيش في عالم ميثولوجي / طوباوي، ويحلم أن يحصد “من بيض الحمام صقور ” !!
هذه سياسة منكوسة!! وبحكم المعادلات الكيمائية السياسية من الطبيعي أن توصل الى الفشل والتيه .
(2) من حق الشعب أن يسأل:
من حق الشعب – الذي يبحث عن مستقبله ومصيره – أن يسائل الرئيس: أين تذهب بنا .. لماذا بعد ربع قرن لم تنجح في تحقيق أي من مطالبنا المشروعة..هل هناك بارقة أمل أم انه علينا أن ننتظر عشرين عاما أخرى ؟
حتى الآن، لم يجب الرئيس عن أسئلتنا ..لم يُقنعنا ..بل لم يكلف نفسه عناء الرد علينا !!
هل لدى الرئيس مجرد تفكير أن يعدل من خط سيره ..أن يضع على طاولته عددا من الخيارات والبدائل الواقعية ..أن يفكر مرة بقلب الطاولة ويضع الجميع أمام معادلة جديدة ؟؟
كما يقولون في خيارات الأجوبة : (لا شيء مما سبق ) !!.
الرئيس جر حركة فتح ومنظمة التحرير – والحالة الفلسطينية عموما- إلى طريق سياسي مسدود لا نهاية له، وهو مصر على ان “يركب رأسه “، رغم هذه الحقائق المرة والسنوات الضائعة، ويقسم ثلاثا على انه لا حياد عن هذه الطريق الموصلة إلى لا شيء !!
هل يمتلك الرئيس الشجاعة ليقول لشعبه “جربتُ وحاولتُ واجتهدتُ لكني فشلتُ ” ..
وهل يمتلك شجاعة أكبر ليقول لشعبه ” تعالوا بنا نبحث عن بدائل أخرى “..؟
هل يمكن أن يصارح شعبه بقائمة بالمنجزات الحقيقية التي حصلها بعد سني المفاوضات والجهد السياسي والدبلوماسي ؟ .
لماذا يسجن الرئيس نفسه وشعبه في خيار / نفق واحد، في حين أن الخيارات متاحة أمامه ليفرض واقعا مختلفا، ويحصل مكاسب أكبر بكثير مما هو عليه الآن ؟
للأسف، أن الرئيس ربما لا يدرك أن الشعب الفلسطيني لديه الكثير من أوراق القوة، التي لو استخدمها لاستطاع أن يغير وجه التاريخ…لكن..وآه من لكن !!
أن الأوراق التي بيد الرئيس استُنفذت، ولم يعد هناك مجال لبث الروح فيها ..وفات الأوان على الرئيس أن “يلعب ” بهذه الأوراق مجددا أو أن يعتبرها أوراقا رابحة .
لماذا يتجاهل الرئيس – بكل عناد- الإنصات إلى معارضيه، والى القوى السياسية ليسمع منهم ,يستشيرهم، ويأخذ بنصائحهم، أم أنهم بالنسبة له مجرد “أعداد رقمية” ؟
كم هي المرات التي جلس فيها الرئيس إلى القوى السياسية والشخصيات الوطنية ليسمع منهم، ويتفحص آراءهم ؟
أن أغلب من استمعت إليهم من كتاب ومحللين وسياسيين يشتكون أن منهجية الرئيس في قيادة المسار السياسي خطيرة جدا، لأنها، أولا، تتجاهل كل المكونات السياسية والمجتمعية، بما فيها فتح واللجنة التنفيذية، وترسخ لأحادية التفكير، وثانيا، لأنها تتحرك دون إستراتيجية واضحة، ومن ثم تقود إلى الفشل والإحباط .
أن الرئيس يجب إلا يوهم نفسه أنه في مرحلة بناء الدولة، وان السعي وراء انتزاع الاعتراف بها هو الهم الأول والانجاز الأعظم .. فيما كل مقومات الدولة تسحب من تحت قدميه !!
يجب أن يفتح الرئيس عينيه ويوقن أنه في مرحلة تحرر، وهذه المرحلة لا تحتاج كثيرا من (الرسميات) و(السفريات ) و(البروتوكولات)، بقدر ما تحتاج من ملامسة الواقع ومواجهة الحقائق المرة على الأرض، وبقدر ما تحتاج من النضال الحقيقي ضد الاحتلال .
(3) محاربة الشيء بالشيء
أليس من المنطق أن يحارب الرئيس إسرائيل في شرعيتها حين تحاربه في شرعية حقوقه؟؟
أليس من المنطق أن يحاربها في أمنها حين تحاربه في أمنه ؟؟
أليس من المنطق أن يحاربها بقوة الدعم الوطني حين تحاربه بمعسكريها اليميني واليساري؟
أليس من حقه أن يقول للعالم: لان إسرائيل لم تعترف لنا لا بحقوق ولا بشرعية، فان من حقي أن أسحب الاعتراف بها ؟؟، أوليس من حقه أن يقول أيضا ” جربت كل الطرق السياسية والسلمية مع إسرائيل ففشلت، وهذا يدفعني للبحث عن وسائل أجدى وأقوى ؟؟
أم أن الرئيس لازال يعتقد، أن الدبابة يمكن أن توقف بنثر الزهور عليها، أو أن المستوطنات يمكن أن تقتلع من خلال زراعة الاشتال !!
(4) الهروب للأمام
أن سياسة الهروب إلى الإمام ..إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية لن تنقذ الرئيس من ورطة الفشل التي وقع فيها..لن تمنحه إلا “امتيازات” تشعره بنشوة عارضة لكنها مثل سحابة الصيف..
المجتمع الدولي اقتنع بقوة، ان أبو مازن (رجل سلام) لكنه لم يمنحه سوى الاعترافات الورقية والاستقبالات الرسمية، ولم يساعده في اقتلاع بؤرة استيطانية واحدة، ذلك لان (رجل السلام) يفاوض بلا أسنان وبلا قوة رادعة وبلا سند وطني !!
كل يوم يستنسخون لنا مبادرة (ملهاة) جديدة !! من أفكار كيري إلى المبادرة الفرنسية إلى اقتراحات القارة العجوز ثم إلى “شذرات ” الروس على استحياء !! وكلها تذهب مع الريح ولا تعود !!
عرفنا من خلال تجربتنا الطويلة، أن إسرائيل إذا تنعمت، تمرغت بالشرعية والأمن فإنها (تسرح وتمرح) وتدير ظهرها، ليس للرئيس فقط، بل للمجتمع الدولي والأمريكان !!، لكن يوم أن تشعر أن شرعيتها وأمنها أصبحا في مرمى الخطر، فإنها ستلهث وراء الحلول وستقدم تنازلات غير متوقعة .. لكن من يفهم هذه “الوصفة ” ويعمل بها ؟
بعد سنوات الفشل المريرة من المعيب أن نلجأ إلى سياسة “الترقيع” أو “التجميل” أو “الانتظار”
من المعيب أن نجرب المجرب..من المعيب أن نجعل الشعب صاحب التضحيات والثورات والانتفاضات حقل تجارب أو رهينة مغامرة غير محسوبة..ومن المعيب أيضا أن نظل على رصيف الانتظار بلا خطط ,بلا بدائل وبلا سند وطني حقيقي!!
(5) اعتراف ثم وفاق ثم انتخابات
السؤال الذي يطرح في كل لقاء أو مؤتمر : ما العمل ؟
سؤال مرهق شائك مزمن !! وقد تحتاج إلى “الدوران ” مرات ومرات لتصل إلى جواب صحيح وعقلاني.
في البداية نحن بحاجة إلى اعتراف شجاع كي نصحح المسار: اعتراف بالفشل، وان الاستمرار في هذا المسلسل “المسرحي” إهدار للوقت والجهد ..بل وإهدار للكرامة الوطنية.
مشكلتنا في الحالة الفلسطينية انه لا احد (وأؤكد على أنه لا أحد ) على استعداد للتحلي بالشجاعة ليقول “أخطأت أو فشلت” !!، لا احد يرفع عقيرته بضرورة المراجعة الذاتية..بل هناك إصرار مرعب على السير في ذات الطريق الملتوية- الموحشة، رغم انها مزروعة بآلاف الألغام المضادة (للأفراد والجماعات)!!
ثم أن نتوقف ونفكر؟ هل نسير في الاتجاه الصحيح أم أننا أوغلنا في الطريق الخطأ؟ اذا كان الطريق خطأ فلا بد من قرار شجاع بالتوقف وتغيير الدفة الاتجاه .
العناد والإصرار على الطريق الخطأ كارثة وطنية لا مثيل لها .
ثم نخطو خطوة جريئة باتجاه صياغة الإستراتيجية الوطنية على قاعدة التوافق الوطني والقواسم المشتركة. هذه ستجمع الفلسطينيين في الوطن والشتات تحت مظلة واحدة وستمنحهم قوة بمعدل عشرة ألاف حصان سياسي!!
من يعتقد أن الانتخابات (لسلطة تحت الاحتلال) يمكن أن تكون المفتاح السحري لحل مشاكلنا فهو غارق في الوهم، التوافق (بكل ما يعنيه) أولا ثم الانتخابات …
على قاعدة الوفاق سنبني إستراتيجية سليمة ومنظمة قوية وسلطة قادرة وحكومة ناجحة.
إذن دعونا نبدأ من نقطة الوفاق ..نجمع القوى السياسية وذوي الخبرة وأهل الاختصاص لنبحث في تشخيص حالتنا بمهنية وعقلية وطنية ,ثم نضع لها المخارج والحلول.
قد يقولون هذا سيأخذ وقتا طويلا .هذا صحيح. فليأخذ عاما او عامين . ألم تأخذنا سنوات الخلاف والانقسام سنوات بل عقودا ؟!
سيقولون انه مسار صعب وشائك .سأقول لهم: البديل عنه أصعب وأكثر شوكا؟
إذا كان هناك عبقري فلسطيني فليعطني بديلا آخر !!
يجب أن يكف الجميع عن الدوران في “مصيدة الوهم ” ,والسباحة عكس تيار الواقعية والعقلانية الوطنية .
أخشى ما أخشاه أن تسيطر علينا ذات الجينات النكدية ..ذات العقلية المتفردة /الحزبية /الشاكة التي تضع لغما في كل نص وقنبلة في كل طريق ..أخشى من القوة التدميرية لفقدان الثقة ..أخشى من قصور الرؤية والحسابات غير الصحيحة .. من قصر النفس وقلة الصبر ..من التزاحم على الصلاحيات والمواقع …
كل هذا سيقود إلى إلقاء قنبلة نووية على المشروع الوطني، وستبرز لنا “هيروشيما” جديدة تبقينا مشوهين/ معاقين أبد الدهر ..
وليتذكر أولو الألباب !!

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن