رحيل واحد من الكبار

الكاتب: حمادة فراعنة
لا أقصد أن الكبير المقصود، طاعن بالسن، أو كهل، أو رجل قطع شوطاً عميقاً من حياته وباتت، كما هم سائر البشر، نهايته الرحيل، ولا يتميز عن أي إنسان آخر، إن نهاية حياة الإنسان هي الموت والرحيل، وهو أمر نسلم به، ولا مناص من مواجهته.

بل أقصد أن رجلاً وإنساناً كان في حياته كبيراً معطاء، ذا حضور مميز، غيبه المرض لسنة أو أكثر قبل أن يرحل عن دنيانا، ورحل قبل أن يشهد حصيلة نضاله ومواقفه، وقبل أن يتحقق له ولنا، تقدم الأردن واستقلاله السياسي والاقتصادي وتطوره الديمقراطي، وتسليم مقاليده إلى مؤسسات تؤمن حقاً بتداول السلطة والاحتكام إلى نتائج صناديق الاقتراع.

ورحل قبل أن يتحقق للشعب العربي الفلسطيني أهدافه الوطنية الثلاثة الثابتة غير القابلة للتجزئة أو التلاشي أو الانحسار: 1 – حقه في المساواة في مناطق 48، و2 – حقه في الاستقلال في مناطق 67، و3 – حق اللاجئين في العودة إلى بيوتهم، واستعادة ممتلكاتهم المنهوبة المصادرة في اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع.

رحل اسحق الخطيب «أبو إسماعيل» القائد الوطني البارز، والقائد الشيوعي اللامع، والضمير لدى قطاع واسع من الأردنيين ولدى الفلسطينيين على السواء، ففي حياته ونضاله، تصرف وعمل واقتنع على أنه إنسان قبل أن يكون عربياً، وعربي قبل أن يكون فلسطينياً وأردنياً، ولم يستطع عزل نفسه عن ولائه الفلسطيني، وعن مواطنته الأردنية، ولذلك كان عنواناً وقضية، لا يستطيع أحد المزايدة عليه، من قبل الأردنيين على أردنيته، ومن الفلسطينيين على فلسطينيته، قضى سنوات طويلة من حياته في السجون، ولم نسمعه يقول كلمة بحق سجانيه، وكان يختلف مع الآخرين، ويذكرهم بالخير ويتمسك بإيجابياتهم مهما بدت متواضعة، شعاره «ما أصعب الحياة وما أقساها لولا فسحة الأمل»، فالأمل لدى المناضلين والوطنيين هي الشعلة التي تبدد أمامهم ظلمة الواقع وتخفف عليهم قسوة الحياة.

رحل اسحق الخطيب، بعد أن ترك خلفه تراثاً من الوفاء والوطنية، ورفاق درب أطال الله في أعمارهم من يعقوب زيادين، إلى عبد العزيز العطي وعيسى مدانات، ومنير حمارنة، وبعد أن سبقه فؤاد نصار وفايق وراد ونبيه إرشيدات وفايز بجالي وأمال نفاع وفايز الروسان، وفهمي السلفيتي ورشدي شاهين وبشير البرغوثي وسليمان النجاب، والعديد من الضمائر الفلسطينية والأردنية، الأكثر وفاء وصلابة ووعياً.

نستذكر هؤلاء وغيرهم العشرات بل والمئات من الوطنيين والقوميين واليساريين الذين قضوا على الطريق، ولم يصلوا بعد إلى نهاياتها المظفرة، ولذلك نذكرهم، لعل جيلنا أو الأجيال المقبلة، تذكرهم، وتتعلم من تفانيهم وإسهاماتهم وتتجاوز سلبياتهم وعثراتهم في الحياة وفي النضال، وتحديد الأولويات وخياراتها، فمسيرة حركة التحرر العربية، ما زالت تتعثر، تعثرت بعد أن حصلت على الاستقلال من الأجنبي، ولكنها فشلت في الديمقراطية والتعددية، وفي استكمال خطوات البناء والتنمية وتقديم الخدمات الحقة والضرورية للمواطن، وفشلت في وضع حد للعدو القومي، الذي احتل ولا يزال فلسطين وأراضي سورية ولبنان، ويتطاول على سيادة العديد من البلدان العربية، وفشلت قبل الربيع العربي وخلاله ومن بعده، وتسليم الراية لمنظمات التيار الإسلامي وأحزابه العابرة للحدود، وهكذا نشهد حالة الانحسار والتراجع ليس خطوة بل سنوات عديدة إلى الوراء.

نفتقد اسحق الخطيب، بنفس القيمة التي فقدنا فيها ومن خلالها وحركة التحرر العربية، ياسر عرفات وخليل الوزير وصلاح خلف، وجورج حبش وأبو علي مصطفى وعبد الوهاب الكيالي وإبداعات غسان كنفاني ومحمود درويش وسميح القاسم، ومع ذلك الشعب الذي أنجب هؤلاء، ما زال وسيبقى معطاء، ولا طريق أمامه ولا خيار له، سوى مواصلة الطريق، طريق التقدم والديمقراطية والتعددية والاستقلال والحرية، هذا ما أوصانا به اسحق الخطيب وما يمثل من مدرسة وتوجه وفكر، وبه وبما كان يؤمن …. سننتصر.

[email protected]

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن