سقوط ترامب: هزيمة العنصرية البيضاء

رجب أبو سرية
رجب أبو سرية

الكاتب: رجب أبو سرية

بعد أن هدأت العاصفة الناجمة عن فشل الرئيس الأميركي الخامس والأربعين في انتخابات الرئاسة، يمكن القول بشيء من الثقة بأن دونالد ترامب، كان محقاً في أمر وحيد، وهو عدم استيعاب خسارته وفوز خصمه، ليس لأنه كان رئيساً قوياً حقق الانجازات، وليس لأن ولايته الأولى كانت من أفضل الولايات الأولى كما ادعى، فهي كانت على العكس تماماً، من أسوأ الرئاسات الأولى للرؤساء الذين سبقوه في الحكم، ولكن لسبب وحيد وهو أن خسارة الرئيس المرشح، قد خرقت تقليداً أو تراثاً رئاسياً، يبدو انه بات احد المظاهر التقليدية في تداول السلطة بين الحزبين الكبيرين: الجمهوري والديمقراطي، اللذين يشكلان معاً عصب أو العمود الفقري للديمقراطية، أو لنظام الحكم «الشمولي»، ولكن القائم على سطوة الحزبين معا، كما يقول خصوم النظام الديمقراطي الليبرالي الغربي في احد أهم تجلياته، النظام الأميركي.

فمنذ عقود، والحزبان يتداولان الرئاسة بينهما بمعدل ولايتين متتابعتين لكل حزب، بما يتضمن تلقائياً التجديد لمرة ثانية للرئيس المقيم في البيت الأبيض، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، أي منذ خمسين سنة، وهذا هو المظهر العام لتداول الرئاسة، فريتشارد نيكسون فاز بمنصب الرئيس عام 1968، وفي الانتخابات التالية عام 1972، واجه الرئيس الجمهوري المرشح، مرشح الحزب الديمقراطي جورج مكغفرن، وفاز عليه، ولكن بعد ذلك تبين ارتكاب حملة الرئيس المرشح نيكسون فضيحة التجسس على حملة خصمه، بما عرف بفضيحة ووترغيت، بما أدى إلى استقالة نيكسون وتولي نائبه جيرالد فورد ليكمل الولاية حتى عام 1976، ويترشح، لكنه خسر أمام الديمقراطي جيمي كارتر.

أي أن الحزب الجمهوري أكمل الفترتين الرئاسيتين رغم ووترغيت، لكن كارتر مثّل الاستثناء الوحيد، حيث فشل في الفوز بالولاية الثانية، وكان ديمقراطياً، لينجح بعده رونالد ريغان بولايتين، ومن ثم بولاية جمهورية ثالثة لنائبه المرشح عام 1988 جورج بوش الأب، لكن هذا فشل في الولاية الثانية، لأنه كان صعباً أن يبقى الجمهوريون في البيت الأبيض أربع فترات رئاسية متتالية، ثم بعد ذلك استقر الحال خلال ثلاثة رؤساء: ديمقراطيان، هما بيل كلينتون وباراك أوباما وبينهما الجمهوري جورج بوش الابن في فترتين رئاسيتين لكل منهم.

بذلك يكون دونالد ترامب مثل جيمي كارتر، استثناء سلبياً في عدم قدرة الرئيس المرشح على الفوز بفترة رئاسية ثانية، وربما كان هذا مبعث الصدمة التي شعر بها الرجل، مع بدء فرز الأصوات، حيث أراد أن يتوقف العد عندما كان متقدماً، بسبب أن معظم مصوتيه اقترعوا بشكل مباشر من خلال ذهابهم لمراكز الاقتراع، وليس عبر البريد كما فعل كثير من مصوتي خصمه، وبعد أن تواصل العد، وبدأت الأخبار تشير إلى خسارته في التصويت الشعبي، وفي مندوبي الولايات، خاصة المتأرجحة، أي غير المحسوبة تاريخياً على احد الحزبين، بدأ يصاب بالجنون، ولم يعد يفكر سوى بالطرق التي تؤدي إلى قلب نتيجة الانتخاب، وصولاً للتفكير بالانقلاب عليها، وبدأ أولاً بدفع بعض الولايات التي خسرتها لإعادة العد وفرز الأصوات، ورفع عشرات القضايا بهذا الاتجاه، ثم بمحاولة إجبار بعض مندوبي الولايات ليصوتوا في المجمع الانتخابي على عكس ما صوتت ولاياتهم، ثم بمحاولة منع الكونغرس من المصادقة على فوز بايدن بالقوة من خلال الدفع بأفراد العرقية البيضاء، من عناصر «البراود بويز» العنصريين المتطرفين، لاقتحام مبنى الكونغرس لمنع المصادقة البرلمانية على فوز بايدن.

كان ترامب إذاً مشروع حكم للعنصرية البيضاء، وكان يمكن للحزب الجمهوري أن يبقى في الحكم لو انه تقدم للانتخابات بمرشح جمهوري تقليدي، أو حتى لو أن ترامب نفسه، لم يقع بيد تلك العصابة الصهيونية، حيث لوحظ أن عدداً من وزرائه في كل من الخارجية والدفاع قد استقالوا، لأن جاريد كوشنير وديفيد فريدمان ومعهما بنيامين نتنياهو، واصلوا الدفع بترامب ليرتمي تماما في حضن ذلك الجناح المتطرف من الحزب الجمهوري، أو ما وصف لاحقاً بالترامبية، والذي تبدى داخلياً بكراهية كل من هو من غير الأصول البيضاء، وخارجياً بالتمييز بين الأنا الأميركية وغيرها، ثم في الشرق الأوسط بالتراجع عن الاتفاق مع إيران، وإظهار كل العداء للحقوق الفلسطينية، ورغم أن الجمهوري حقق تقدماً في انتخابات النواب بتقليص الأغلبية الديمقراطية، إلا أن ترامب كان سبباً في فوز الديمقراطيين بمقعدي ولاية جورجيا لاحقاً ليحققوا الأغلبية في مجلس الشيوخ.

جو بايدن حقق انجازاً عكس التوقعات، وعكس ما بات تقليداً في تداول الرئاسة بين الحزبين، لأن ترامب لم يمثل الحزب الجمهوري التقليدي، بل الجناح اليميني منه، الذي تقوده العنصرية البيضاء، وهكذا كان الديمقراطي أذكى أو اشطر من الجمهوري، حين دفع برجل محافظ من الحزب، بل هو مسن واكبر عمراً من ترامب، على عكس مرشحي الديمقراطي الذين عادة ما يكونون شباباً «ثوريين» أمثال جون كينيدي، جيمي كارتر، بيل كلينتون وباراك أوباما، لكن الجمهوري ما كان بمقدوره أن يتجاوز تقليد إعادة ترشيح الرئيس الذي في الحكم.

بايدن رغم أنه مسن، ورغم أنه محافظ في الحزب الديمقراطي، إلا أنه مضطر لأن يتبع سياسة مختلفة تماماً عما سار عليه سلفه، ليس فيما يخص مواجهة «كورونا» وحسب، بل وفي معظم الملفات الداخلية والخارجية، وأول ما يلاحظ هو أن حكومة بايدن قد جمعت بين الرجال والنساء بشكل متساو تماما، وإضافة إلى نائبته التي هي من أصول ملونة، هناك أول وزيرة من بين مواطني البلاد الأصليين، وهو تحدث بقوة عن الأخذ بيد الطبقة الوسطى، لتحقيق التوازن الداخلي، بعد أن أطلق ترامب يد الأثرياء ليزدادوا ثراء، وبالطبع فيما يخص السياسة الخارجية، سيبدأ بالعودة لاتفاقية المناخ، ثم بالشراكة مع الأوروبيين، ثم بالاقتراب من إيران والشرق الأوسط، أي بالتفاصيل، سيحاول بايدن أن يلغي أربع سنوات مضت، لأنها ببساطة كانت ضارة جداً بمكانة الولايات المتحدة على الصعيد الدولي.

مجمل القول باختصار، بأن ظهور ترامب المفاجئ مثل محاولة عابرة للعودة بعقارب الزمن الكوني للوراء، زمن القهر القومي، وأميركا ما بعده تحاول أن تبقي على مكانة قيادية عبر الشراكة والمنطق الدولي، لذا فان المظاهر الترامبية على الصعيد الكوني، بما في ذلك إطلاق عربة الاستيطان، ودهس حل الدولتين، وتسلط التطرف الإسرائيلي، كلها في طريقها للتراجع والانزواء مجدداً، فقد انتهى عصرها الذهبي، وانهزم عرابها، ولم تعد جوقة الخروج عن القانون الدولي ( بومبيو، كوشنير، فريدمان، ومعهم غرينبلات من قبل)، في الحكم، ولم يعد مقود العالم بيد مختل أو غريب أطوار يمكنه أن يضع حداً للبشرية بضغطة على الزر النووي.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن