صفقة الغاز الطبيعي بين قطر وألمانيا.. هل تحل معضلة الطاقة في أوروبا؟

صفقة الغاز الطبيعي بين قطر وألمانيا.. هل تحل معضلة الطاقة في أوروبا؟
صفقة الغاز الطبيعي بين قطر وألمانيا.. هل تحل معضلة الطاقة في أوروبا؟

في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، فرض الاتحاد الأوروبي عدة دفعات من العقوبات ضد موسكو استهدفت قطاعات اقتصادية مختلفة، وقد يصبح قطاع الطاقة الهدف القادم لمنظومة العقوبات.

وفي حين أن الولايات المتحدة فرضت بالفعل حظرا على واردات النفط والغاز من روسيا، فإن الوضع في الاتحاد الأوروبي أكثر تعقيدا. ومع ذلك، فقد تزايد الوعي لدى قادة الاتحاد الأوروبي بشأن مخاطر الاعتماد على الطاقة الروسية بشكل كبير، ودعا بعض أعضاء التكتل علنا إلى قطع جميع التعاملات المتعلقة بالطاقة مع روسيا.

وفي هذا المنعطف، من المهم أن نفهم أن الخطوات التالية للاتحاد الأوروبي ربما تكون حتمية في ضوء السلوك السلبي لروسيا. وستتعلق هذه الخطوات بإعادة تنظيم هيكل “أمن الطاقة” الخاص بالكتلة، وستكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بموقف ألمانيا التي تعد أكبر اقتصاد داخل الاتحاد الأوروبي.

وبالنسبة لبرلين، فإن قطع علاقات الطاقة مع روسيا، التي تستقبل منها ثلثي وارداتها من الغاز، خيار غير واقعي في الوقت الحالي. لكن نظرا للوعي المتزايد بالتحديات الأمنية لأوروبا الشرقية وسعي ألمانيا لقيادة الاتحاد الأوروبي، فإن استمرار اعتمادها الحالي على الطاقة الروسية يعد أيضا نهجا غير مقبول.

وبعد عقود من الاعتماد الشديد على الطاقة السوفييتية والروسية لاحقا، يبدو أن الأحداث الأخيرة في أوكرانيا سيكون لها تأثير تاريخي على القيادة السياسية الألمانية التي اعترفت صراحة بالحاجة إلى خفض وارداتها من الطاقة الروسية بشكل كبير.

وأعلن المستشار “أولاف شولتس” عن خطط لبناء محطتين لاستقبال الغاز الطبيعي المسال في برونسبوتل وفيلهلمسهافن لكن ليس من الواضح إمكانية الاستفادة منهما على الفور. وقد يتم تسريع عملية إنجاز بنائهما من خلال التعاون الاقتصادي والتكنولوجي مع شركة الطاقة الهولندية “غازوني”، ومع ذلك لم يتم الإعلان عن أي خطط ملموسة بشأن هذه المسألة في الوقت الحالي.

ومع ذلك، فإن الافتقار إلى الموردين الذين يمكنهم على الفور استبدال النفط والغاز الطبيعي الروسي في السوق الأوروبية يمثل تحديا أكثر صعوبة لكل من ألمانيا والاتحاد الأوروبي. ويكمن جزء من الحل في “تحالف الطاقة” الذي أعلن عنه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مؤخرا، والذي يهدف إلى استبدال الواردات الأمريكية بالطاقة الروسية “السامة سياسيا”.

وبحسب ما ورد، فإن زيادة التعاون بين الجهتين قد تزود الاتحاد الأوروبي بـ15 مليار متر مكعب إضافي من الغاز الطبيعي المسال في عام 2022. ومع ذلك، لن يكون هذا كافيا لكي يحل محل صادرات روسيا إلى الاتحاد الأوروبي والتي بلغت 155 مليار متر مكعب في عام 2021.

لذلك يجب على الاتحاد الأوروبي النظر في التعاون مع منتجي الغاز الطبيعي المسال الآخرين. وفي هذا الصدد، يمكن أن تصبح قطر واحدة من المرتكزات الرئيسية في بنية الطاقة الجديدة في الاتحاد الأوروبي.

التعامل مع الدوحة

تم اتخاذ خطوة مهمة في 20 مارس/آذار الماضي عندما التقى وزير الشؤون الاقتصادية الألماني “روبرت هابيك”، برفقة ممثلين عن الشركات الألمانية الكبيرة، بأمير قطر ووزير الدولة لشؤون الطاقة “سعد بن شريدة الكعبي”.

وورد أن “هابيك” أبرم مع قطر صفقة طويلة الأجل بشأن لغاز الطبيعي المسال لكن لم يتم الكشف عن تفاصيلها. وقال “هابيك” بعد الاجتماع إن “الخبر السار هو أن الغاز سيكون متاحا. والآن الأمر متروك للشركات لتوقيع العقود”.

لكن السؤال الرئيسي هو إلى أي مدى ستتمكن قطر في الواقع من أن تحل محل موسكو كواحدة من موردي الغاز الطبيعي المسال الرئيسيين للاتحاد الأوروبي، وإذا كان الأمر كذلك، فمتى يمكن تطوير هذه العلاقة بالفعل؟

وللأسف، فإن الجواب غير واضح في الوقت الحالي. وما هو مؤكد أن دور قطر المتزايد في أسواق الطاقة الأوروبية لن يكون “حلا سحريا” للاتحاد الأوروبي على المدى القصير. وقد اعترف “الكعبي” بذلك، حين قال في فبراير/شباط الماضي إنه لا يمكن لقطر أو الولايات المتحدة أن تحل محل الصادرات الروسية إلى أوروبا تماما. وقال “الكعبي”: “تقدم روسيا 30 إلى 40% من الإمدادات لأوروبا. ولا يوجد بلد واحد يمكنه أن يعوض هذا الحجم”.

وفي حين أن الأشهر المقبلة ستكون تحديا صعبا للأوروبيين من حيث قدرتهم على حل القضايا الفورية المتعلقة بالطاقة، فإن الابتعاد عن الاعتماد على روسيا قد يصبح حقيقة خلال نصف العقد المقبل.

شراكات غريبة

من أجل التعامل مع قطر، سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى التخلي عن اعتماده على عقود الغاز قصيرة الأجل. وتعتمد الدوحة بالكامل تقريبا على العقود طويلة الأجل، التي توفر الاستقرار والقدرة على التنبؤ في علاقاتها في مجال الطاقة مع بقية العالم. وقد سمح لها هذا الاستقرار باستثمار 28 مليار دولار في حقلها الشمالي، وأعلنت بالفعل عن استعدادها لزيادة إنتاج الغاز بأكثر من 60% في الأعوام الـ 4 المقبلة.

وستكون قطر مترددة في الالتزام بتوسيع جذري في العلاقات التجارية مع الأوروبيين في مجال الطاقة إذا لم يكن هناك ضمان لطلب موثوق ومنتظم. ومن المرجح أن يتعارض الوفاء بهذا الشرط مع سياستين قديمتين في الاتحاد الأوروبي، الأولى، إحجام أوروبا المذكور أعلاه عن الدخول في عقود طاقة طويلة الأجل، والثانية، جدول أعمال الاتحاد الأوروبي المتعلق بالمناخ، الذي يحظى بأولوية كبيرة لتحقيق أهداف الحياد الكربوني “صافي صفر انبعاثات” وهي الأهداف التي قد تتضرر مع وجود عقود طويلة الأجل للحصول على الغاز الطبيعي القطري.

وسيتعين على الاتحاد الأوروبي الاستفادة القصوى من مهاراته الدبلوماسية في إقامة اتصالات مع الدول “المارقة” ولكن الغنية بالموارد مثل إيران التي تمتلك ثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم، وفنزويلا التي تمتلك أكبر رواسب للنفط. وسوف تتعارض العلاقات مع طهران وكراكاس بلا شك مع نهج الاتحاد الأوروبي القائم على القيم في مجال السياسة الخارجية.

وفي هذا المنعطف، يمكن للاتحاد الأوروبي أيضا الدخول في حوار مع السعودية بالرغم من تعرضها لانتقادات واسعة من قبل الاتحاد الأوروبي بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل وفي اليمن. لكن الشراكة مع الرياض هي احتمالية طويلة الأجل من غير المرجح أن تتحقق قبل عام 2030.

علاوة على ذلك، إذا كان الاتحاد الأوروبي مهتما بزيادة وارداته من الطاقة من الجزائر، سادس أكبر مصدر للغاز في العالم، فيجب على الدبلوماسيين الأوروبيين بذل قصارى جهدهم لمعالجة الصدع الجزائري المغربي. ويمكن أن تساعد زيادة العلاقات التجارية مع دول أفريقيا جنوب الصحراء، بما في ذلك تنزانيا ونيجيريا وموزمبيق، في حل تحديات الطاقة جزئيا.

وسيتعين على الاتحاد الأوروبي تكثيف المحادثات مع أستراليا، أحد منتجي الطاقة الرئيسيين في العالم والرائد في مجال الغاز الطبيعي المسال. وبالفعل، أعلنت كانبرا استعدادها لزيادة صادراتها إلى أوروبا بدلا من الإمدادات الروسية، وليس لديها شرط العقود طويلة الأجل التي تعيق التعامل مع قطر.

وفي نهاية المطاف يمكن القول إن قطر، نظرا لموقف الاتحاد الأوروبي غير المستقر فيما يتعلق بأمن الطاقة وتفاقم العلاقات مع روسيا، لا يمكنها أن تقدم البديل لا وحدها ولا بين عشية وضحاها. لذلك، فإن الحل النهائي لـ”معضلة الطاقة” في الاتحاد الأوروبي لا يتوقف بشكل كامل على صفقة الطاقة الحالية بين ألمانيا وقطر؛ بل يجب اتخاذ خطوات أخرى لتأمين الإمدادات. وأمام الدبلوماسيين والمشرعين ومديري الطاقة الأوروبيين طريق طويل لتحقيق ذلك.

سيرجي سوخانكين – (منتدى الخليج الدولي)

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن