فورين أفيرز/ هذه قواعد اللعبة التي تمارسها روسيا بسوريا

بوتين وبشار الاسد

قالت مجلة فورين أفيرز في تقرير لها نشره معهد واشنطن، إن تغيرا حصل على المواقف الروسية، من حيث أنها قررت في الآونة الأخيرة الاستماع لواشنطن عندما يتعلق الأمر بسوريا.

وأشارت المجلة إلى أنه في 15 آذار/ مارس، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه “سيسحب” قواته من سوريا، وذلك على ما يبدو ردا على محاضرات الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول البقاء خارج “المستنقع” السوري.

وتابعت القول إنه وبعد عشرة أيام، وفي إطار استضافته لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري في موسكو، صرّح بوتين بتعبير نادر أثنى فيه على “القيادة السياسية” لأوباما تجاه سوريا.

وفي نهاية اللقاء، أعلن كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن ما لا يقل عن خمسة مجالات من المفترض أن يتم التعاون فيها بين الطرفين في الشأن السوري: إذ ستقوم موسكو وواشنطن بـ”تعزيز” اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم إقراره في 27 شباط/ فبراير و”دعمه”، من خلال إنهاء استخدام “الأسلحة العشوائية”، وتوسيع إمكانية وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وإجبار الرئيس السوري بشار الأسد على إطلاق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين، وإنشاء إطار للانتقال السياسي، وصياغة مسودة للدستور بحلول شهر آب/ أغسطس.

واستدركت فورين أفيرز بالقول حتى إن لافروف تحدث عن إنشاء “هيئة حاكمة انتقالية” في سوريا، ترددا لصدى صوت “هيئة الحكم الانتقالي”، الواردة في “بيان جنيف” لعام 2012، وهو الحد الأدنى لواشنطن حول التسوية في سوريا.

وتابعت: لكن بإلقاء نظرة أعمق إلى الموضوع تكشف أن واشنطن تقترب من موقف موسكو بشأن سوريا، بما في ذلك صياغة دستور من شأنه أن يسمح للأسد بالبقاء في السلطة خلال “المرحلة الانتقالية”. وإذا تمكن بوتين من فرض موقفه، إما على طاولة المفاوضات أو على أرض المعركة، سيبقى الأسد في السلطة لسنوات قادمة.

إعادة تمحور

وقالت المجلة إن “الانسحاب” الروسي من سوريا هو في الواقع تخفيض عدد القوات أو إعادة تمحورها أكثر من كونه انسحابا. فقد سحبت موسكو، اعتبارا من مطلع نيسان/ أبريل، حوالي نصف طائراتها المقاتلة التي يبلغ عددها 36 طائرة من القاعدة الجوية في حميميم خارج مدينة اللاذقية الساحلية.

فمنظومة “إس-400” الروسية المتطورة المضادة للطائرات لا تزال في مواقعها من أجل الدفاع عن القاعدة من أي هجوم ومنع الولايات المتحدة وجيران سوريا من إقامة مناطق حظر جوي في سوريا من دون إذن موسكو. وقد نشرت موسكو قوات خاصة؛ لتحديد الأهداف المستقبلية؛ لتوجيه ضربات جوية روسية، ونقلت المروحيات إلى قواعد شرق حمص.

وشددت على أنه ونظرا لأن بوتين أعلن عن قراره الانسحاب من دون استشارة الأسد، بدا الأمر وكأنه يتخلى عن الرئيس السوري. إلا أن موسكو لا تفارق الأسد. وبالأحرى، يُظهر بوتين الإحباط أو السخط من أداء الأسد الضعيف في ساحة المعركة وعلى طاولة المفاوضات. فمنذ بدء الحملة الجوية الروسية في نهاية أيلول/ سبتمبر 2015، قام الطيارون الروس وفقا لبعض التقارير، بأكثر من 9000 طلعة جوية، غالبيتها وجهت إلى أهداف غير تابعة لـ تنظيم الدولة، مثل جماعات المعارضة المختلفة التي تحارب الأسد.

ونوهت إلى أن القوة الجوية الروسية أنقذت نظام الأسد من الانهيار، وهو ليس بالأمر البسيط، ولعبت دورا حيويا في استعادة النظام لمدينة تدمر السورية المركزية من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية» في أواخر آذار/ مارس، فضلا عن المناطق شمال اللاذقية وبالقرب من حلب. بالإضافة إلى ذلك، عززت الضربات الجوية الروسية هجوما قامت به «وحدات حماية الشعب»، وهي مليشيا كردية سورية، لقطع “ممر أعزاز” -الذي يربط بين أعزاز (شمال حلب) وكوبان (غربا على الحدود مع تركيا)- وهو الشريان الحيوي لقوى المعارضة السورية التي تقاتل في حلب.

وكالات / وأكدت المجلة أن الحملة الجوية التي شنتها موسكو ساعدت النظام على استعادة ما يزيد قليلا عن 4000 ميلا مربعا، أي حوالي 5 في المئة من الأراضي السورية، وجزء صغير فقط من الأراضي الخاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» وهو في أوجه مجده. إن ذلك يترك الأسد مسيطرا على نحو ثلث البلاد و 6 في المئة من السكان الباقين. وفي ذلك الوقت، تفاخر الأسد بأنه “سيستعيد كل شبر من الأراضي” التي فقدت أثناء الصراع، ما يعني أن روسيا ستأتي لمساعدته.

واستدركت بالقول: ولكن نظرا إلى الصعوبة التي وأجهها النظام السوري في استعادة السيطرة على الأراضي والتمسك بها، فقد كان ذلك يعني أن موسكو ستواجه احتمال اعتمادها استراتيجية التزام عسكري طويل الأمد إذا كانت تريد أن ترى الأسد يستعيد السيطرة على الغالبية العظمى من البلاد.

لهذا السبب ظهرت توبيخيات حادة للأسد من فيتالي تشوكين، سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، الذي ذكر أن روسيا قد استثمرت بكثافة في الأزمة، وأن موسكو “تود لو يأخذ السيد بشار الأسد هذه [التطورات] بعين الاعتبار”. وبالتالي فقد يساعد الانسحاب على ترسيخ هذه الرسالة.

إجبار الأسد على التعاون

ونوهت فورين أفيرز إلى أن انسحاب موسكو أيضا يهدف إلى إجبار الأسد على التعاون خلال محادثات السلام. فقد كان من المحبط بالنسبة لموسكو أن ترى الأسد يبطل أجزاء من محادثات السلام التي توسطت فيها موسكو وواشنطن في الخريف الماضي، وهي عملية منصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. على سبيل المثال، بعد أن خلصت موسكو وواشنطن إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 22 شباط/ فبراير، أعلن الأسد فورا أنه سيجري انتخابات برلمانية في 13 نيسان/ أبريل، بإخلاله أساسا بالقرار الذي ينص على إجراء الانتخابات فقط كجزء من تسوية نهائية، وقد جرت الانتخابات في ذلك التاريخ، وفاز فيها تحالف “الوحدة الوطنية” التابع للأسد، بشكل مثير للريبة، بنسبة 80 في المئة من الأصوات.

وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم أيضا إن دمشق لن تناقش مستقبل الرئاسة، مشككا في استعداد النظام للموافقة على أجزاء من القرار المتعلق بالعملية الانتقالية والتعديلات الدستورية. وفي ضوء تعنت الأسد، لم يكن إعلان بوتين الانسحاب مفاجئا من خلال النظرة إلى الماضي، ذلك الانسحاب الذي حدث مباشرة بعد الاجتماع الأول للأمم المتحدة مع فريق الأسد للتفاوض.

خطابات مقابل تغيير حقيقي

وأكدت المجلة أنه حتى الآن، لم يبدُ أن الانسحاب قد مارس ما يكفي من الضغط على الأسد لإجباره على الاستماع إلى بوتين. ففي بداية نيسان/ أبريل، برزت دلائل تشير إلى أن موقف الأسد يلين، على الأقل خطابيا. ففي مقابلة له مع “خدمة أخبار سبوتنيك” الروسية، تراجع الأسد عن تصريحات المعلّم السابقة بأن الرئاسة غير قابلة للتفاوض. واقترح الأسد إعداد مشروع دستور جديد، على الرغم من أنه سار قدما في الانتخابات البرلمانية في 13 نيسان/ أبريل، التي ادعى أن من شأنها “إظهار حجم القوى السياسية في البلاد”، على الرغم من أن النظام هو الذي عمل على تنظيمها.

وقال الأسد إنه سيفكر بعد الانتخابات في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ولكن فقط “إذا كانت هناك إرادة شعبية لذلك”. أما بالنسبة إلى عملية الانتقال السياسي، التي حثت عليها المعارضة والولايات المتحدة، فيبدو أن الأسد يفسرها على أنها تعني “الانتقال من دستور لآخر” وليس تغييرا في القيادة. ففي محادثات السلام هذا الأسبوع، أكد كبير المفاوضين السوريين، بشار الجعفري، على أن مستقبل الأسد “غير قابل للنقاش”.

وأشارت إلى أنه في المحادثات التي بدأت في جنيف في 13 نيسان/ أبريل، علّق وفد المعارضة مشاركته في 18 نيسان/ أبريل؛ بسبب انتهاكات وقف إطلاق النار التي ارتكبها النظام.

لهذا السبب، فإن السؤال المهم هو ما إذا كان خطاب الأسد، سواء حول الانتقال إلى نظام آخر، أو وضع دستور جديد، أو حول الانتخابات الرئاسية، سيكون كافيا لجلب جزء هام من المعارضة إلى طاولة المفاوضات، والحفاظ على مشاركته فيها.

هذا، وقد أعطى اتفاق وقف إطلاق النار، الذي عملت موسكو وواشنطن على التوصل إليه، بعض فصائل المعارضة غير المتطرفة مهلة من الضربات الجوية الروسية وتلك التي يقوم بها النظام، ولكن في أوائل نيسان/ أبريل، ارتفع عدد انتهاكات وقف إطلاق النار بشكل كبير.

فقد قصف النظام عددا من أراضي المعارضة في جميع أنحاء البلاد، وفي المقابل، أسقطت بعض فصائل المعارضة، إلى جانب «جبهة النصرة»، طائرة تابعة للنظام. ويشكك الكثيرون بأن وقف إطلاق النار هو مجرد موقف تكتيكي قبل أن تقوم روسيا، إلى جانب إيران، بإطلاق حملة لمضاعفة تأمين حلب. وفي الأيام الأخيرة، كان أصحاب “القبعات الخضراء” من إيران، الذين يعارضون أي مناقشة حول عملية انتقالية في سوريا، قد رُصدوا جنوب حلب.

وأكدت المجلة على أنه بالنسبة للولايات المتحدة، فالسؤال المطروح هو ما مدى الاستثمار في هذه العملية. هناك علامات أولية تشير إلى وجود اهتمام كبير. وفي الأسبوع الماضي ذكرت وكالة أنباء “بلومير” أنه في خلال اجتماعهم في موسكو، سلّم بوتين إلى كيري مسودة دستور “كان مبنيا على وثائق صاغها خبراء قانونيون مقربون من الحكومة السورية”.

وذكرت صحيفة “الحياة” العربية اليومية أن روبرت مالي، من كبار مستشاري “حملة الولايات المتحدة لمكافحة تنظيم الدولة في العراق وسوريا”، كان في جنيف الأسبوع الماضي للتفاوض بشأن الدستور، الذي سيشهد بقاء الأسد في السلطة، ربما مع ثلاثة أشخاص يتولون منصب “نائب الرئيس”.

واستدركت فورين أفيرز بالقول: إلا أن واقع المعركة والمفاوضات ألقت بثقلها بشكل كبير على هذه العملية. فاتفاق وقف إطلاق النار يرزح تحت ضغط كبير. وقد فشلت موسكو حتى الآن في إقناع الأسد بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية لمئات الآلاف تحت الحصار في جميع أنحاء البلاد، وهي ربما النقطة الأكثر إلحاحا التي أصر عليها بوتين وكيري في الاتفاق في موسكو.

وعلى المدى الطويل، تُطرح مسألة كيفية إطلاق عملية “انتقالية” يلعب فيها الأسد دورا مركزيا، وهو تناقض حتى في الشرق الأوسط؛ نظرا لأنه من المرجح أن يُبعد المعارضة أو يعيق جماعات المعارضة من التخلي عن اعتمادها السلبي على المتطرفين مثل «جبهة النصرة»، التي نفذت تفجيرات انتحارية ثبت أنها المفتاح لمحاربة الأسد. ويبدو أن نظام الأسد قد دخل الآن في مثلث مع روسيا وإيران، الطرف الأحدث على الجدول الدبلوماسي، الذي لا يدعم العملية الانتقالية في سوريا من دون الأسد.

وختمت المجلة حديثها بالقول: في بداية الانتفاضة السورية، تم طرح فكرة “الشمولية” لتلبية مطالب المعارضة بالديمقراطية و”الكرامة”.

واليوم، إنها لأمر أساسي من أجل الحصول على ما يكفي من الأطراف المعارضة للانضمام إلى النظام السوري “الجديد”، الذي يمكن أن يجذب ما يكفي من الدعم الشعبي، ويحشد ما يكفي من المقاتلين؛ لاستعادة السيطرة على الأراضي السورية من المتطرفين السنة، مثل تنظيم داعش وجبهة النصرة، دون الحاجة إلى الاعتماد على المتطرفين الشيعة، مثل حزب الله ولواء “أبو الفضل العباس”، اللذين يقاتلان حاليا نيابة عن نظام الأسد.

وإذا فشلت واشنطن في العثور على حل وسط فعّال، ستتجه سوريا إما إلى الانقسام أو الانحلال إلى نظام فيدرالي أو كونفدرالي غير مستقر، والذي من المرجح أن ينطوي على مشاركة دولية واسعة لسنوات قادمة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن