قراءة في تداعيات الحشود العسكرية الإسرائيلية على حدود قطاع غزة

قراءة في تداعيات الحشود العسكرية الإسرائيلية على حدود قطاع غزة

أثارت الحشود العسكرية الكبيرة لقوات الجيش الاسرائيلي على حدود قطاع غزة حفيظة الكثيرين من وجود نية لتنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، ردا على الصاروخ الذي سقط على أحد المنازل في منطقة هشارون ليلة أمس الاثنين.

ليس سرا أن هذه هي المرة الأولى التي يستنفر فيها الجيش الاسرائيلي قوات كبيرة بهذا العدد منذ انتهاء حرب 2014، حيث يدور الحديث عن استدعاء ما يقارب فرقة مقاتلة بقيادة أركانها، ما يعني أن قيادة القوات انتقلت الآن من قائد فرقة غزة العميد أليعزر تولدينو إلى قائد المنطقة الجنوبية اللواء هرتسي هليفي، كما حصل في حرب 2014 عندما تولى قائد المنطقة الجنوبية آنذاك اللواء سامي ترجمان قيادة المعركة التي شارك فيها ما يقارب فرقتين مقاتلتين.

وهنا نستعرض بعض السيناريوهات وتقديرات الموقف التي من شأنها أن تفسر أسباب حشد هذا العدد من القوات:

التقدير الأول: أن الحديث يدور عن اجراءات اعتيادية معد لها مسبقا تقضي بإرسال تعزيزات إلى فرقة غزة من أجل التعامل مع مليونية العودة التي من المقرر أن تخرج يوم السبت المقبل في الذكرى السنوية الأولى لانطلاق مسيرات العودة، ولكن السؤال؟

هل يستدعي ذلك الأمر حشد مثل هذا العدد من القوات لمنع المتظاهرين من تخطي الجدار باتجاه الأراضي المحتلة؟

والإجابة هي بالطبع لا، فالجيش لم يسبق له أن حشد مثل هذه الأعداد في ذروة غليان مسيرات العودة المعروفة بأحداث 14 مايو التي استشهد فيها عشرات الفلسطينيين.

التقدير الثاني: أن الجيش الاسرائيلي لا يخاطر، ولهذا حشد هذا العدد من القوات تحسبا لاتساع رقعة المواجهة نحو عملية عسكرية واسعة قد تتضمن الزج بالقوات البرية إلى داخل قطاع غزة، وإن كان هذا السيناريو لم تتجاوز نسبته أكثر من 10% حتى هذه اللحظة، حيث أنه هذه النسبة قد تزيد أو تنقص وفقا لتطورات الموقف الميدانية.

التقدير الثالث: أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يريد أن يغتنم الفرصة لتنفيذ عملية عسكرية ضد غزة تنقذه من مأزقه السياسي وتنعكس آثارها على صناديق الاقتراع لصالح حزب الليكود في الانتخابات المقبلة، وهنا لا بد من توضيح عدة أمور:

1- هناك شبه إجماع لدى المنظومة السياسية والأمنية الاسرائيلية بعدم نجاعة العمل العسكري مع قطاع غزة ، ما لم يكن الهدف منه تحقيق الحسم الذي يتغذى على الردع والذي لن يتأتى إلى بتنفيذ حرب شاملة ضد القطاع لإسقاط حكم حماس، وهذا ما تخشاه القيادة الاسرائيلية في هذه المرحلة خوفا من الثمن الباهظ الذي ستدفعه اسرائيل إزاء هذه الحرب، ولكن إذا ما وصلت اسرائيل إلى نقطة اللاعودة فإنها ستضطر راغمه لدخول هذه الحرب في المرحلة الحالية.

2- سيحرص نتنياهو حاليا على الإمساك بالعصاة من المنتصف، فهو لا يريد أن يصل إلى نقطة اللا عودة نحو حرب شاملة قد تستمر لأشهر إن لم تكن لسنوات للقضاء على حكم حماس، حيث أنه يعي جيدا بأن العودة بدون حسم من أي عملية عسكرية جديدة ستكون بمثابة انتهاء حياته السياسية، ولذلك سيكون هو الأحرص على عدم توسيع التصعيد نحو مواجهة عسكرية جديدة مع غزة .

3- جبهة غزة تختلف عن غيرها من الجبهات، فهي تفتقر للأهداف العسكرية التكتيكية التي من الممكن تحقيقها من خلال عملية عسكرية محدودة كما كان في السابق، وهذا ما دفع رئيس الأركان السابق الجنرال غادي أيزنكوت لقول العبارة المشهورة على لسانه ” لا يوجد لدينا ما نفعله في غزة وأن مشكلة غزة سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى “.

التقدير الرابع: أن الحديث يدور عن خداع عسكري مدروس يمارسه الجيش الاسرائيلي للفت الأنظار عن الجبهة الشمالية، وأنه يخطط لتوجيه ضربة للجولان السوري للقضاء على خلايا حزب الله والقوات الإيرانية المنتشرة هناك، وهذا أمر محتمل وممكن لعدة أمور من بينها :

1- أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يدرك بأنه من الممكن أن تحقق مثل هذه الضربة صورة نصر لإسرائيل تنعكس اثارها على صناديق الاقتراع لصالح حزب الليكود في الانتخابات المقبلة، وذلك في ظل وجود تهديدات عسكرية واضحة في الجولان تشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي الإسرائيلي بإجماع جميع المستويات السياسية والعسكرية في إسرائيل.

2- مقدرة الجيش الاسرائيلي على ضبط المعركة والتحكم بها في تلك الجبهة نظرا لطبيعة سوريا المعقدة في ظل نفوذ الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية في سوريا بما في ذلك روسيا والصين وأمريكا.

3- ما تناولته وسائل الإعلام من أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قد عرض على الرئيس الأمريكي يوم أمس الاثنين خطة للقضاء على النفوذ الإيراني في سوريا، كما أن ترامب قد رحب بها، بالتزامن مع اعترافه بالسيادة الاسرائيلية على هضبة الجولان.

4- اللقاء الأخير بين الرئيس الروسي بوتين ونتنياهو في موسكو، والذي جاء في إطار الزيارة الأخيرة التي أجراها نتنياهو إلى روسيا برفقة قائد سلاح الجو وركن الاستخبارات بالجيش الإسرائيلي، حيث إن الزيارات التي يرافقه فيها مثل هؤلاء الضباط الكبار يتركز فحواها في الشؤون العسكرية والأمنية.

5- ما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل أسابيع عن خلايا حزب الله العسكرية في الجولان ومصانع الأسلحة والصواريخ الإيرانية في الجولان، حيث أن الحديث يدور عن تعمد نتنياهو نشر ذلك وتسليط الضوء على هذه التهديدات تمهيدا لتوجيه ضربة عسكرية للقضاء على هذه الخلايا حسب التوقعات، فلو أنه لا يرغب بإشعال جبهة الجولان لما نشر مثل هذه المعلومات التي تمتلكها الاستخبارات الإسرائيلية منذ سنوات في هذه الأوقات .

6- الشكوى التي قدمتها إسرائيل إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من التواجد العسكري لحزب الله وايران في الجولان السوري، فعادة ما يلحق مثل هذه الشكاوي عمل عسكري.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن