كيف أصبحت أوكرانيا موطنًا لقادة داعش الفارين؟

كيف أصبحت أوكرانيا موطنًا لقادة داعش الفارين؟

أعلنت السلطات الأوكرانية الأسبوع الماضي، أنها ألقت القبض على أحد كبار قادة داعش في كييف، خلال عملية مشتركة مع وكالة المخابرات المركزية، ويبدو أن القيادي المعتقل ليس وحده في البلاد، إذ أصبحت أوكرانيا ملاذًا للعديد من قادة التنظيم الفارين.

وكان القيادي سيزار توخوساشفيلي والمعروف باسم ”البراء الشيشاني“ يشغل منصب نائب وزير الحرب في داعش، ورئيس وحدة مسؤولة عن ”العمليات الخاصة“ والمراقبة.

وبحسب تقارير، شارك البراء المولود في دولة جورجيا في عمليات قطع رؤوس قام بهذا التنظيم المتشدد؛ كما نسق عمليات في الخارج، وكان يعتقد أنه ميت، حتى يوم الجمعة الماضي.

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة ”الإندبندنت“ البريطانية، ”كان ظهور البراء الدراماتيكي في قفص الاتهام بقاعة محكمة وسط كييف صدمة، ليس لأنه كان حيًا فقط، فمع ظهور تفاصيل نجاته بأعجوبة من غارة جوية في سوريا، ثم استخدم جواز سفر مزيف للسفر إلى تركيا وأوكرانيا، حيث كان يعيش دون مشاكل لمدة عامين، ظهرت عدة تساؤلات حول قدرة كييف واستعدادها للتعامل مع المتشددين الذين يحتمون في الداخل“.

ووفقًا لوكالة الأمن الأوكرانية، استمر البراء الشيشاني في تنسيق عمليات تنظيم داعش من كييف.

الطريق لداعش

ويقول سلخان بورديزكاشفيلي، وهو صحفي محلي في بانكيسي بجورجيا: ”من خلال صلات متعددة مع سوريا، عرف جميع سكان جورجيا بأعمال البراء الإرهابية، وتابعوا أخباره عندما انتقل إلى اللاذقية غرب سوريا عام 2012؛ وعندما انضم إلى داعش عام 2015، وافق البعض وانتقده البعض الآخر“.

وأشارت الصحيفة إلى أنه من المعروف في بانكيسي أن رجلًا آخر، يدعى ”أحمد شاتاييف“، والمعروف باسم ”أحمد أبو ذراع“ لامتلاكه ذراعًا وساقًا واحدة، لعب دورًا رئيسيًا في تجنيد البراء الشيشاني لصالح داعش.

وتم اتهام شاتاييف لاحقًا بتنسيق العمليات الانتحارية في هجوم يونيو 2016 على مطار إسطنبول، ومع ذلك لم يتم إثبات تورطه بشكل قاطع، وفي عام 2017، فجر نفسه خلال عملية للشرطة في العاصمة الجورجية تبيليسي.

ووفقًا لسلخان، صُدم سكان في جورجيا عندما اكتشفوا أن البراء الشيشاني لم يمت، وقال الصحفي: ”ربما كان أصدقاؤه المقربون يعلمون أنه في أوكرانيا، لكن على حد علمي عائلته لم تكن على دراية بذلك، فهؤلاء الأشخاص يختبئون من الجميع، وأصبحت من الصعب عليه الآن العودة إلى دياره دون أن يدخل السجن“.

فساد السلطات

وفي السابق كان المسلحون يمرون إلى بلادهم بشكل أسهل بكثير، وفي عام 2013، على سبيل المثال، كان شاتاييف قادرًا على العودة إلى بانكيسي على الرغم من بحث الإنتربول عنه، وأوكرانيا هي مفتاح فهم هذه العملية، حيث ظهر هناك قبل 3 سنوات وقُبض عليه، ومثل أمام قاضٍ في مدينة ”أوزجورود“، غرب أوكرانيا.

وقالت ”كاترينا سيرجاتسكوفا“، وهي صحفية في كييف حققت في قضية شاتاييف، إن سبب وجوده في جبال كارباثيان غير واضح، مشيرة إلى أن معظم رفاقه هناك قد ماتوا الآن، لذا فمن الصعب الحصول على أي إجابات.

وكان المسؤول عن القضية هو ”يوري لوتسينكو“، وزير الداخلية في كييف آنذاك، والذي اتضح لاحقًا أنه مسؤول فاسد، يتداول اسمه الآن في ”فضيحة“ دونالد ترامب الأوكرانية الجارية.

ووفقًا للوتسينكو، تم اعتقال شاتاييف من قِبل الإنتربول، بناء على طلب موسكو، وعثرت الشرطة على تعليمات لبناء القنابل وصور لجثث الموتى على هاتفه المحمول، ورغم ذلك، لم يتم ترحيل شاتاييف إلى روسيا، وتشير إحدى النظريات إلى أن الرشوة هي سبب السماح له بالسفر إلى جورجيا بدلًا من محاسبته في روسيا.

ويقول ”فيليب إنغرام“، وهو ضابط مخابرات بريطاني سابق، إن السلطات الأوكرانية لطالما كانت تعاني من ثغرات في نظمها القانوني، والمستفيد المعتاد هي الجريمة المنظمة، التي تدعم نفسها بالتجارة في بطاقات الهوية المزيفة والممنوعات، ولكن النظام المتراخي قد خلق أيضًا نقطة ضعف واضحة أمام الإرهاب الدولي، وهي نقطة ضعف لا يبدو أن كييف مهتمة بمعالجتها.

ووفقًا للصحيفة، أعربت الولايات المتحدة على وجه الخصوص عن استيائها من عدم قدرة كييف على إيقاف تجارة جوازات السفر المزيفة، وفي تصريحات أدلى بها خلال التحقيق في قضية ترامب، كشف ”جورج كنت“، وهو مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، كيف اندلع صراع كبير بين السفارة الأمريكية والسلطات الأوكرانية عام 2017 حول هذه القضية، عندما كان نائبًا للسفير.

وكان لوتسينكو، آنذاك كبير المدعين العامين، في مركز الاتهامات، إذ اتهمه ”كنت“ بكشف هوية ضابط في مكتب مكافحة الفساد كان قد تسلل إلى تجارة جوازات السفر المزيفة، وأشار إلى أن لوتسينكو فعل ذلك للانتقام من السفارة الأمريكية لدعمها وكالات مكافحة الفساد التي عملت ضد مصالحه الفاسدة.

وكان الحصول على جواز سفر مزيف في وقت من الأوقات مسألة سهلة للغاية ورخيصة، ولكن هذا تغير مع إدخال جوازات السفر البيومترية في عام 2015، والتي قللت عدد العصابات التي تتاجر في الجوازات المزيفة، ولكن لا تزال هناك العديد من العصابات تبيع جوازات السفر المزيفة بحوالي 5000 دولار.

وكشفت تحقيقات الصحيفة مثالًا واحدًا على الأقل لحصول متشدد سابق على جواز سفر بيومتري بهذه الطريقة، ولهذا الأمر خطر واضح على الأمن الأوروبي، بالنظر إلى أن أوكرانيا تتمتع الآن بإمكانية السفر دون تأشيرة مع معظم دول الاتحاد الأوروبي.

وقال إنغرام: ”يصعب رصد جوازات السفر الأصلية للهويات المزيفة، وإذا كانت هذه الوثائق تصدر عن سلطة جوازات سفر مُعترف بها، فيجب التدقيق في هذا الأمر المقلق“.

مكان للتخفي

وتقول ”فيرا ميرونوفا“، وهي زميلة زائرة بجامعة هارفارد، إن هذا الأمر ”لم يفت الآلاف من المقاتلين المتطرفين الذين كانوا يبحثون عن وجهات يختبئون فيها، فأوكرانيا تقدم العديد من المزايا على منافساتها، بما في ذلك اللغة الروسية المشتركة، وفوضى الحرب، وعدم احترافية أجهزة الأمن المحلية، وانخفاض خطر ترحيل المجرمين إلى دول مثل روسيا“.

وتقدر ميرونوفا أن ”المئات“ من مقاتلي داعش السابقين قد نزحوا إلى أوكرانيا، ولكنها تؤكد أن الرقم هذا لا ينبغي أن يكون مصدر القلق الرئيسي، فمجموعة المتشددين في أوكرانيا هم ”نخبة النخبة الإرهابية، وهذه ليست صدفة، فالمتشددين العاديين يتوقفون في تركيا، ولا يكملون الرحلة متعددة الخطوات إلى أوكرانيا، ولذلك يعتبر الذين يصلون إلى هناك الأخطر“.

وقالت ميرونوفا: ”بمجرد وصول المتشددين إلى أوكرانيا، نادرًا ما يواجهون مشاكل مع السلطات، ويبدو أن هذا ما حدث مع البراء خلال إقامته في كييف لمدة عامين“.

ولم تكشف السلطات الأوكرانية متى عرفت بوجود البراء، لكن بيانًا لوكالة الأمن الأوكرانية، أشار إلى أن وكالة المخابرات المركزية ووزارة الداخلية الجورجية انضمتا إلى العملية قبل شهرين من اعتقاله في 15 نوفمبر، ولم يتضح لماذا اختاروا عدم إلقاء القبض عليه في وقت سابق.

هدوء غريب

وأشارت ”سيرجاتسكوفا“، التي قامت بتغطية الموضوع بمفردها تقريبًا في الصحف الأوكرانية خلال العام الماضي، إلى أن السلطات تتعامل مع القضية بهدوء غريب.

وأضافت: ”كلما كتبت عن الموضوع، اتهمني المسؤولون الحكوميون باختراع مشكلة، ولكن اعتقال أحد كبار قادة تنظيم داعش هنا في كييف، تحت أنوفنا، يوحي بالتأكيد بأن العديد من أخطر رجال العالم يعتقدون أن أوكرانيا مكان آمن لهم.. الفساد المنتشر في جميع هيئات الدولة بما في ذلك الشرطة والمحاكم والمدعين العامين، يمهد الطريق للإساءة ”.

من جهتها رفضت وكالة الأمن الأوكرانية المزاعم التي تشير إلى أن أوكرانيا كانت مضيافة بأي شكل من الأشكال للإرهاب الدولي.

وقالت المتحدثة إيلينا جيتليانسكا: ”هذا التقييم لا أساس له، فنحن نتحدث اليوم عن بعض الحالات الفردية، وأشخاص يحاولون الاختباء من السلطات، لكننا نجدهم جميعًا ونرحلهم“.

واتفقت ميرونوفا وسيرجاتسكوفا على أن المتشددين ”لا يشكلون أي تهديد إرهابي كبير على أوكرانيا، على الأقل في المدى القصير“، مشيرين إلى أن إثارة المشاكل هناك ليست من مصلحتهم، وهو أمر قد يتغير إذا قررت كييف مطاردتهم واعتقالهم.

وقالت ميرونوفا: ”أنا أعرف الكثير ممن يعيشون حياة طبيعية، ويقودون سيارات أوبر، فهم لن يفتعلوا المشاكل في منزلهم، ولكن إذا حوصروا وشعروا بالخوف من الاعتقال، ستصبح لدينا مشكلة كبيرة“.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن