لاجئون بعيون زرقاء وبشرة بيضاء!

لاجئون بعيون زرقاء وبشرة بيضاء!
لاجئون بعيون زرقاء وبشرة بيضاء!

الكاتب: المحامي إبراهيم شعبان

نتيجة للأحداث الدموية الجارية في أو كرانيا، خرجت جموع المدنيين الأوكرانيين الأوروبيين البيض الهاربة من ويلات الحرب عبر ممرات مدنية إنسانية محمية، من مدنها وقراها، قاصدة حدود الدول المحيطة بها وهي عديدة، طالبة اللجوء إليها، حيث وجدت تسهيلات الملجأ والدفء والترحاب والمأكل والمواصلات مؤمنة دون غيرهم من اللاجئين من جنسيات أخرى.

فبينما أعيق وأسيء معاملة غيرهم من غير البشرة البيضاء كالسوداء والحنطية لقي الأوكرانيون اللاجئون البيض كل ترحيب ووفادة بل ذللت العقبات كافة لاستقبالهم وحسن وفادتهم. حينها تحققت وتأكدت أن لون البشرة ولون العيون فارق إنساني جوهري، وتفرق في المعاملة وأن ما تعلمته وأعلمه من حقوق إنسان ومبادئه، ما هو إلا كلام جميل براق مبهرج، لا يخلق واقعا بل يخلق واقعا مريرا.

فورا، قفزت إلى مخيلتي ما جرى من أحداث ومعاملة للاجئين الفلسطينيين بالخصوص في عام 1948وغيرهم من لاجئين باكستانيين وأفغان وسودانيين وسوريين وعراقيين بالعموم. كيف قتل الفلسطيني المدني غدرا في بيته وهو يغادره جبرا وتحت ضغط السلاح وفي ساحات قريته أو مدينته ، بعد أن أسمعوه حلو الكلام بتأمينه عبر مكبرات صوت زائفة، وكيف كانت تلك المكبرات مبررات لسلبه أمواله و عقاراته وأراضيه وحوانيته وذهبه وكل ما يملك عبر العصابات الصهيونية.

وهذا ما اعترف به الكثيرون من السالبين بعد مرور أكثر من سبعين عاما وما حققه المؤرخون النزيهون أمثال المؤرخ إيلان بابيه . بينما حديثا، فتح مطار اللد على مصراعيه وقدمت كل التسهيلات المالية واللوجستية لاستقبال اللاجئين اليهود الأوكرانيين، بل انتقدت وسائل الميديا الإسرائيلية إجراءات البيروقراطية والروتين الحكومية التي تعيق استقبال هؤلاء اللاجئين.

وعلى الفور وضعت الخطط العاجلة لإسكان وتشغيل هؤلاء اللاجئين الأوكرانيين اليهود تماما كما حصل مع اليهود السوفييت في منتصف التسعينيات ولم تذكر ابواق الميديا الإسرائيلية اللاجئين الفلسطينية بكلمة واحدة أو بحادثة واحدة.

قفزت إلى ذهني تلك المحاولات المتكررة والعقيمة لطيّ موضوع اللاجئين الفلسطينيين ونسيان قرار 194 بعد أن دخل ثلاجة القرن ، بل إلى حدّ إدخاله عالم الأرشيف ومرور الزمن وعالم النسيان والتوطين في زمن دونالد ترامب وكوشنير والعرب المستعربة. كيف تم خلق في عام 1949 وكالة دولية من الأمم المتحدة لتشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين دون أن ينشغلوا في حماية هؤلاء اللاجئين وحماية حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية السليبة. بل وصل بهم الأمر أن جعلوهم غير مشمولين بميثاق اللاجئين الدولي لعام 1951 واعتبروهم فئة خاصة عبر الفقرة الأخيرة من المادة الأولى منه حيث لا تتمتع بحماية هذا العهد للاجئين الفلسطينيين، وذلك عبر نص خاص.

الغريب والمقلق والمحزن والمبكي للاجئين الفلسطينيين أن هذه الممارسات تأتي بعد أن بزغ نور حقوق الإنسان متمثلا بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول من عام 1948، والذي نص في مادته الأولى والثانية كناية عن أهميتهما المطلقة على مبدأ المساواة. فقد نص في مادته الأولى على أن ” يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء ” . ونص المادة الثانية منه على أن ” لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز، بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو أي وضع آخر ، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء أكان هذا البلد مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود “. وتساءلت بعد قراءة طفولية لهذين النصين: أين مبدأ المساواة وعدم التمييز بين البشر كافة؟!

لا نتمنى أن يصبح المرء لاجئا أيا كانت جنسيته وديانته ولونه وعرقه فهذا يعني أن يصبح الإنسان مجردا من الحماية والحياة الكريمة وضماناتهما، فنحن الفلسطينيون عانينا من هذا اللجوء ولا نتمناه لأحد. ولكننا لا نقبل التمييز بين لاجئ وآخر بناء على لونه أو دينه أو لغته أو أصله الاجتماعي أو ثروته أو أي اعتبار آخر. ولا نقبل أن يكون وللأسف عمل وكالة الأونروا ( وكالة هيئة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ) تقديم الإغاثة والشغل والدراسة للاجئين الفلسطينيين دون أن تقدم لهم الحماية السياسية، وهي أهم ضمانة لحقوق اللاجئ المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

رغم صدور قرار الجمعية العامة رقم 194 الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم ، ورغم صدور القرار رقم 181 الخاص بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، إلا أن اللاجئين الفلسطينيين وأولادهم وأحفادهم بقوا خارج مدنهم وقراهم الفلسطينية إلى يومنا هذا، أي أن هاذين القرارين والقرارات المتعاقبة من الجمعية العامة ومجلس الأمن الخاصة باللاجئين الفلسطينيين حبرا على ورق دونما تنفيذ. وقد دأب الكيان الإسرائيلي وحكوماته المتعاقبة والأحزاب الإسرائيلية على اختلاف توجهاتها وقيمها على الرفض التام والمطلق لحق العودة للاجئين الفلسطينيين باي شكل من الأشكال. وجعل هذا الوضع من الفلسطيني شخصا عديم الجنسية وافتقروا إلى جنسية وجواز سفر والأهم انعدام حق العودة لبلادهم التي طردوا وشردوا منها وسلبوا أملاكهم وأموالهم غير المنقولة عبر قانون جائر اسمه قانون حارس أملاك الغائبين. وحظر على الفلسطيني اللاجىء في الضفة الغربية أو في القدس الشرقية استرجاع أمواله وعقاراته ومحلاته في الداخل، بينما سمح للإسرائيليين استعادة أملاكهم في كثير من أنحاء فلسطين، في نهج تمييزي تحكمي بين واضح، مما جعل منظمات محايدة لمراقبة حقوق الإنسان مثل أمنستي تصف الدولة الإسرائيلية بأنها دولة فصل عنصري .

كتب على اللاجئ السوري والعراقي والأفغاني والباكستاني والأفريقي والفلسطيني الشقاء والنزوح والهجرة في البر والبحر والنهر دون عون أو سند، فيغرق ويهان ويطرد ويتشرد لأنه صاحب بشرة غير بيضاء، وعيونه ليست زرقاء. فهمت الآن أن من لديهم عيون زرقاء وبشرة بيضاء في الشمال، لم يغفروا لنا ولا لأجدادنا وقوفنا على أبواب فينا عاصمة الإمبراطورية البروسية النمساوية، ولم يفغروا لنا فتحنا لمدينة القسطنطينية، ولم يغفروا لنا وصولنا جنوب فرنسا لنشر الدعوة المحمدية، بل شنوا علينا حربا صليبية. تأكدت اليوم بعد قرن من الكلام المعسول والعبارات المنمقة والبيانات الجميلة، أن هناك بشرة بيضاء تصان وعيون زرقاء تحفظ، بينما ذوي البشرة السوداء والصفراء والبنية تهدر وتقذف في البحر. اليوم غدا واضحا أن هناك حقوق إنسان تطبق لأهل الشمال، وهناك حقوق إنسان لا تطبق لأهل الجنوب فما هي سوى مكنات وامتيازات لفظية وعبارات أدبية وكأن لكل مدالية وجهان ولكل وردة شوكها!!

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن