مايكل يونج: ماذا ينتظر لبنان بعد مغادرة ميشال عون منصب الرئاسة؟

مايكل يونج: ماذا ينتظر لبنان بعد مغادرة ميشال عون منصب الرئاسة؟
ميشال عون

ترك ميشال عون منصبه كرئيس للبنان بعد ولاية دامت 6 سنوات كانت حافلة بالخلافات، حيث خاض عون خلال عهده مواجهات مع أعضاء بارزين من الطبقة السياسية، أبرزهم رئيس مجلس النواب نبيه بري. وأعطى ذلك عون فرصة لتصوير نفسه على أنه خط الدفاع الوحيد ضد فساد السياسيين، لكن هذه الصورة لم تكن مقنعة بشكل كبير لأن عون كرّس قدرًا كبيرًا من طاقته لتعزيز الحظوظ السياسية لصهره جبران باسيل على أمل أن يكون خليفة له.

وحتى إذا اتفق اللبنانيون على أن الرئيس السابق كان محقًّا في التنديد بفساد خصومه السياسيين، لكن سلوكه لم يختلف كثيرًا عن سلوكهم. فقد اعتبر كثيرون انحيازه لـ”باسيل”، وتحديدًا إصراره على أن يسمّي صهره وزراء حقيبة الطاقة (المعروفة بأرباحها الكبيرة)، بأنه مسعى لاقتطاع حصة من نظام الغنائم الذي كان حتى ذلك الحين يهيمن عليه خصوم عون.

وعلى خلفية اتهامات بالفساد، فرضت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على باسيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 في إطار قانون “ماجنيتسكي” العالمي للمساءلة في مجال حقوق الإنسان.

وكان أمل عون بأن يخلفه باسيل في رئاسة الجمهورية أحد الأسباب الرئيسية خلف التوترات مع رئيس الوزراء المكلَّف نجيب ميقاتي.

وتم تكليف ميقاتي بتأليف حكومة بعد الانتخابات النيابية في مايو/أيار الماضي، لكنه بقي متريّثًا في هذا الصدد، إذ شعر بأن من الأفضل انتظار انقضاء ولاية عون وهو يترأس حكومة تصريف أعمال، لتجنّب الشروط التي حاول باسيل فرضها على الحكومة الجديدة.

وكان باسيل يأمل في أن يتمكن من استخدام نفوذه على الحكومة كورقة ضغط لانتخابه رئيسًا، أو ليختار هو الرئيس المقبل، ما يمهّد الطريق لانتخابه رئيسًا بعد 6 سنوات. وكان باسيل يعوّل على أن حماه هو الذي سيوقّع مرسوم تشكيل حكومة جديدة. لكن هذا الوضع تغير مع خروج عون من سدة الرئاسة.

أين تكمن أهمية المسألة؟

قد ينهي خروج عون فترة كانت حافلة بالنزاعات انزلق خلالها النظام اللبناني إلى حالة من الشلل غير المسبوق، فلم تكن أولوية عون ممارسة الدور الدستوري الذي يضطلع به رئيس الجمهورية بصفته “رمز وحدة الوطن”، بل على العكس، كان تركيزه منصبا على تصفية حساباته مع اتفاق الطائف الذي تم توقيعه في العام 1989، والذي قلّص بشكل كبير صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني، وأعطاها لمجلس الوزراء الذي يقوده رئيس حكومة سنّي.

ومع أن هذه المعركة لم تنتهِ بعد على الأرجح، نظرًا إلى أن باسيل سيواصل جهوده لتقويض اتفاق الطائف وهو الأمر الذي استخدمه عون لتعزيز شعبيته في أوساط المسيحيين، فإنها دخلت مرحلة جديدة. ومن المتوقع أن تسعى جهة أخرى، ربما “حزب الله”، إلى تغيير اتفاق الطائف.

ومن المفارقات أن عون استخدم أحيانًا الالتباسات التي ينطوي عليها دستور ما بعد اتفاق الطائف لتوطيد الصلاحيات الرئاسية. على سبيل المثال، عمد إلى تأويل صلاحية رئيس الجمهورية في التوقيع على مرسوم تشكيل حكومة جديدة، مانحًا نفسه دور المشارك النشط في عملية تسمية الوزراء. وقبل عون، كان رؤساء الجمهورية أقل استعدادًا لاتّخاذ مثل هذه الخطوة.

وفضلا عن ذلك، فرض “عون” نفسه مفاوضًا أساسيًا مع إسرائيل في ملف ترسيم الحدود البحرية، بعد أن كان “بري” يسعى إلى تولّي هذا الملف في البداية. في نهاية المطاف، وضع “حزب الله” شروط الاتفاق، لكن “عون” ناور جيّدًا ضمن هامش الصلاحية الذي منحه لنفسه. وكان اتفاق الطائف هو الذي أعطاه هذه الإمكانية.

ومع خروج عون من سدة الرئاسة وهو في أواخر الثمانين من العمر، يبقى السؤال المهم حول ما سيكون مصير حزبه “التيار الوطني الحر”. لقد سلّم عون التيار لـ”باسيل” على طبق من فضة، وعمد باسيل على مدى سنوات إلى تهميش كل المشكوك في ولائهم له شخصيا، لذلك يتساءل كثيرون اليوم عما إذا كان باستطاعة التيار الصمود في ظل قيادة شخصية خلافية مثل باسيل.

وستجيب الأيام فقط على هذا السؤال، لكن من المؤكد أن الفترة التي ستلي عهد عون ستحمل تحديات كثيرة لـ”باسيل”، فلم يعد لديه حليف في منصب رئاسة الجمهورية، ما يعني أن سياسة العرقلة التي أتقنها لن تبقى فعّالة بالدرجة نفسها كما في السابق.

ماذا بعد؟

يعتبر المتفائلون أن مغادرة عون تشير إلى نهاية عهد شهد انهيار لبنان لكن الحقيقة أن المشاكل التي تركها عهد عون جعلت البلاد في وضع خطير.

وحاليا هناك خلافات كبيرة حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال. ففيما يرى ميقاتي بأن الحكومة تتولّى دستوريًا صلاحيات رئيس الجمهورية في حال حدوث شغور رئاسي، يعتبر عون وباسيل أن هذا الأمر لا ينطبق على حكومة تصريف الأعمال، وقد هدّدا بسحب الوزراء العونيين من الحكومة، وأعلن “حزب الله” أنه سيتخذف نفس الموقف.

ومن شأن ذلك أن يضعف موقف ميقاتي أكثر، حتى لو لم يغيّر ذلك فعليًا وضع الحكومة، نظرًا إلى أنها سبق أن استقالت دستوريًا عقب الانتخابات النيابية في مايو/أيار الماضي.

وللمرة الأولى على الإطلاق، يجد لبنان نفسه اليوم بدون رئيس للجمهورية وبدون حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة. ولا يمكن الاستهانة بالتأثيرات المترتّبة عن ذلك، لا سيما في خضم التدهور المالي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد.

وينقل هذا الوضع مركز الثقل إلى مجلس النواب، لا سيما إلى رئيسه نبيه بري. ومن المفارقات أن ضغط عون وباسيل على الحكومة وانتهاج سياسة حافة الهاوية مع ميقاتي، عزّز فعليًا موقع خصمهما الأساسي بري.

وفي الوقت الراهن، يبدو أن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو أن ينتخب مجلس النواب رئيسًا جديدًا للجمهورية. وقد حاول بري اغتنام هذه الفرصة من خلال الدعوة إلى حوار تحت إشرافه لانتخاب رئيس توافقي. لكن من المستبعد أن تتوصّل القوى السياسية اللبنانية حاليا إلى الاتفاق على مرشّح للرئاسة، ومن المتوقّع أن يستمر الفراغ الرئاسي لأسابيع، أو حتى لأشهر.

في غضون ذلك، يقف بري وميقاتي لـ”باسيل” بالمرصاد، لا سيما أن سلوكه أدّى إلى تنفير الجميع تقريبًا، لذلك قد يضطر باسيل إلى الاعتماد أكثر من أي وقت مضى على “حزب الله”، الذي لا يرغب في أن يرى حليفه المسيحي الأساسي ضعيفًا، لكنه لن يقدم لـ”باسيل” نفس القدر من الدعم الذي قدمه عون.

ومن المرجّح أن يؤدي تقارب باسيل مع “حزب الله” إلى تراجع مكانته على الساحة المسيحية، كما لن يساعده ذلك في علاقته مع الأمريكيين. وبينما يسعى باسيل إلى التخلّص من العقوبات الأمريكية المفروضة عليه، فإن سلوكه يجعل هذا الأمر صعبا في الوقت الراهن.

الوطن اليوم

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن