ما وراء الحشد الروسي البيلاروسي على الحدود الشمالية لأوكرانيا

الحشد الروسي البيلاروسي على الحدود الشمالية لأوكرانيا
الحشد الروسي البيلاروسي على الحدود الشمالية لأوكرانيا

تسعى روسيا وبيلاروسيا إلى زيادة التهديد على الحدود الشمالية لأوكرانيا خلال الأسابيع المقبلة، لكن غزوا بريا روسيا من بيلاروسيا أو انضمام القوات البيلاروسية للحرب لا يزال غير مرجح بسبب حسابات بيلاروسيا الخاصة.

وأدى تصاعد النشاط العسكري في بيلاروسيا خلال الأسبوع الماضي إلى إثارة مخاوف أوكرانيا من أن روسيا تستعد لإطلاق تحرك جديد نحو كييف ربما بمساعدة القوات البيلاروسية.

وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الرئيس البيلاروسي “ألكسندر لوكاشينكو” أنه وافق على نشر وحدة مشتركة من القوات الروسية والبيلاروسية ردًا على التهديدات المزعومة من أوكرانيا.

وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن “لوكاشينكو” إدخال “نظام عمليات مكافحة الإرهاب” مشيرا إلى أن نشر القوات الروسية – البيلاروسية المشتركة على الحدود الجنوبية لبلاده يتعلق “بتهديد إرهابي متصاعد” و تفاقم العدائيات من جانب الناتو والقوات الأوكرانية.

وبعد ذلك بيوم، قالت وزارة الدفاع البيلاروسية إن أول مجموعة من الجنود الروس الذين سيشاركون في القوة المشتركة وصلوا إلى البلاد. وفي هذه الأثناء، جرى الحديث أنه سيتم نشر ما يقرب من 9000 جندي روسي في بيلاروسيا.

وأثار الانتشار العسكري وعوامل أخرى – مثل الشائعات بأن بيلاروسيا تقوم بتعبئة عسكرية – مخاوف من أن روسيا تستعد لشن هجوم آخر ضد كييف بعد فشلها في الاستيلاء على العاصمة الأوكرانية في وقت سابق من هذا العام، كما أثار ذلك مخاوف من أن بيلاروسيا تستعد أيضًا للانضمام بشكل فعال للحرب بجانب روسيا.

ومن المحتمل أن يكون هدف التعزيزات العسكرية الروسية في بيلاروسيا هو جذب بعض الموارد العسكرية الأوكرانية من الجنوب إلى الشمال، واستخدام التهديد بغزو من الشمال لاكتساب النفوذ خلال مفاوضات السلام المحتملة مع كييف.

وإذا كان الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” يعتقد أن انسحاب روسيا من كييف في وقت سابق من هذا العام دفع أوكرانيا إلى التخلي عن محادثات السلام، فقد يعتقد أيضًا أن إضعاف موقف أوكرانيا وإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات يمكن تحقيقه ​​من خلال تهديد العاصمة الأوكرانية مرة أخرى أو على الأقل تنمية هذا التصور لجعل التهديد يبدو أكثر منطقية في الأسابيع القادمة.

وبالنسبة لموسكو، فإن وجود عدد أكبر من القوات الروسية في بيلاروسيا أو احتمال انضمام بيلاروسيا إلى الغزو يساعد في الحفاظ على التهديد بشن هجوم على كييف.

بالإضافة إلى ذلك، تنظر روسيا إلى بيلاروسيا كموقع جيد لتدريب جنود الاحتياط الروس الذين تم تجنيدهم حديثًا (وبالتالي تقليل ومنع الاكتظاظ في قواعدها ومناطق التدريب الخاصة بها) وسط التعبئة العسكرية المستمرة لموسكو.

ويمكن أن يتسبب التهديد من بيلاروسيا في إجبار كييف على نشر بعض قواتها ومواردها العسكرية تجاه بيلاروسيا وليس على الجبهة الشرقية أو الجنوبية. وتأمل موسكو أن يساعد ذلك في وقف التقدم الأوكراني وانتزاع زمام المبادرة في الجنوب، حيث ستصل القوات الروسية التي تم تعبئتها مؤخرا إلى الجبهة في الأسابيع والأشهر المقبلة.

من جانبها، فإن بيلاروسيا مستعدة لزيادة التهديد لشمال أوكرانيا مقابل الدعم الاقتصادي الروسي. وبينما وقفت بيلاروسيا إلى جانب روسيا منذ بداية الحرب، لم تنظر أوكرانيا أبدًا إلى دور مينسك في الصراع على أنه تهديد خطير، لكن النشاط الأخير لبيلاروسيا يشير إلى أنها تحاول تغيير هذا الافتراض، حيث تحاول مينسك زيادة دعمها لروسيا والحصول على مكاسب سياسية واقتصادية إضافية دون التدخل مباشرة في الصراع.

في الواقع، جاء نشر القوات الروسية البيلاروسية المشتركة على الحدود الأوكرانية بعد أن التقى “لوكاشينكو” و”بوتين” في سوتشي يومي 26 و 27 سبتمبر/أيلول لمناقشة تعميق التعاون الاقتصادي والأمني ​​والسياسي بين بلديهما.

ومن المحتمل أن يكون “لوكاشينكو” حصل على موافقة “بوتين” الأولية بخصوص قرض بقيمة 1.5 مليار دولار خلال تلك الاجتماعات. وبالفعل، أعلنت مينسك أنها حصلت على القرض في 7 أكتوبر/تشرين الأول قبل أيام فقط من الإعلان عن نشر القوات الروسية الجديدة في بيلاروسيا.

ويشير هذا إلى أن “لوكاشينكو” يزيد من التهديد المتصور بانضمام قواته إلى الحرب ضد أوكرانيا في مقابل الحصول على دعم مالي إضافي من روسيا لدعم اقتصاد بلاده الخاضع لعقوبات شديدة.

ولكن حتى يكون مثل هذا الترتيب يستحق تكلفته بالنسبة لروسيا، يجب على مينسك اتباع تعليمات موسكو للحفاظ على مصداقية هذا التهديد، ومن هنا جاءت زيادة النشاط العسكري فور إعلان القرض.

ومن غير المرجح أن تنجح روسيا بسرعة في تجميع ما يكفي من القوات لشن هجوم ضد كييف، مما يقلل الخطر المباشر لتوغل روسي متجدد في شمال أوكرانيا عبر بيلاروسيا.

ووفقًا لتقديرات الناتو، شارك ما لا يقل عن 30 ألف جندي روسي – بما في ذلك العديد من وحدات النخبة – في محاولة روسيا الاستيلاء على العاصمة الأوكرانية في المراحل الأولى من الحرب، والتي فشلت بالرغم أن كييف كانت غير محمية نسبيًا.

وعلى النقيض من ذلك، يبدو أن القوات الروسية التي تصل الآن إلى بيلاروسيا تتكون إلى حد كبير من قوات روسية تم حشدها حديثًا، كما تصل إلى مناطق التدريب البيلاروسية وهي خالية إلى حد كبير من المعدات الثقيلة. بالإضافة إلى ذلك، فإن القوات الأوكرانية حاليًا أفضل تجهيزًا وتحصينًا مما كانت عليه عندما حاولت روسيا الاستيلاء على كييف في بداية الحرب.

وفي الواقع، فإن الهجوم على العاصمة الأوكرانية من الجنوب (حيث التضاريس الملائمة) سيكون أفضل بكثير من الهجوم عبر المستنقعات بين كييف وبيلاروسيا.

وفي حين أن روسيا ستحاول زيادة خطر شن هجوم على كييف في الأسابيع والأشهر المقبلة مع حشد المزيد من القوات والمعدات، فمن المتوقع أن يكون لدى أوكرانيا والغرب استعداد في الوقت المناسب لتحييد هذا التهديد.

لا يزال من غير المرجح أن تنضم بيلاروسيا إلى الحرب لأن قواتها لا تستطيع ضمان نصر روسي، في حين أن مشاركتها ستزعزع استقرار بيلاروسيا وتترك “لوكاشينكو” بدون نفوذ في مواجهة موسكو.

ويبلغ عدد القوات المسلحة البيلاروسية حوالي 48 ألف فرد مقاتل وهي ضعيفة التجهيز وعديمة الخبرة. ولن تكون هذه القوات قادرة على تغيير مسار الحرب من خلال الانضمام إلى جانب القوات الروسية – حتى لو قامت بيلاروسيا بالتعبئة لجلب عشرات الآلاف من الجنود الإضافيين.

ومن المحتمل أن يفكر “لوكاشينكو” في الانضمام إلى الحرب فقط إذا كان يعتقد أن قواته تستطيع ضمان نصر روسي حاسم يجبر كييف على قبول خسارة أراضيها. ويبدو أن “لوكاشينكو” لا يعتقد أن قواته يمكنها تحقيق ذلك الآن.

وليس من الواضح ما الذي يمكن أن يقدمه “بوتين” لإقناع “لوكاشينكو” بإدخال القوات البيلاروسية إلى الحرب. ومن المرجح أن يؤدي إكراه “لوكاشينكو” (عن طريق حجب الدعم الاقتصادي على سبيل المثال) إلى مزيد من زعزعة استقرار نظام “لوكاشينكو”، ويجعل ذلك بقاء بيلاروسيا في مدار موسكو أمرًا مكلفًا من الناحية السياسية.

ومن المرجح أن يدفع “لوكاشينكو” بلاده إلى الحرب فقط إذا كان يعتقد أنه من الضروري الحفاظ على نظامه (وبالتالي “بوتين”) وضمان انتصار روسيا، لكن كلا الشرطين غير حاضرين حاليًا وسيظلان كذلك على الأرجح.

لذلك، من المرجح أن تشارك مينسك وموسكو في عمليات نشر القوات والمناورات العسكرية الاستفزازية في بيلاروسيا، لكن من غير المرجح أن تنضم بيلاروسيا إلى الحرب لأن الفوائد المحتملة محدودة للغاية، بينما المخاطر على مينسك وموسكو هائلة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن