والد الأسير المريض أبو وعر: حياة كمال في خطر

والد الأسير المريض أبو وعر: حياة كمال في خطر

لزمت الوالدة الستينية نوال قاسم أبو وعر الصمت، وصامت عن الكلام في ظل حالة الذعر والرعب التي تعيشها منذ تلقت نبأ إصابة نجلها المريض بالسرطان كمال نجيب أبو وعر بفيروس كورونا، وبينما بقيت تقاوم الأمراض التي اجتاحت جسدها وأثرت على صحتها منذ سنوات على أمل حرية فلذة كبدها وعودته لأحضانها، لم تحتمل الصدمات المتتالية والمآسي التي حلت بحياة كمال، الذي تحولت قضيته لعنوان لكافة القوى والفصائل والفعاليات والجماهير الفلسطينية التي تتوافد يومياً على منزل عائلته في جنين، لمؤازرتها ورفع معنوياتها، وإعلاء صوتها المطالب بحريته وخلاصه من مدافن الأحياء قبل فوات الأوان.

تقول شقيقته نسرين: ” كلنا نعيش دوامة الخوف والقلق على حياة شقيقي الذي يرفض الاحتلال الافراج عنه رغم تدهور حالته الصحية التي أصبحت بخطر أكبر منذ اكتشاف إصابته بفيروس كورونا “، وتضيف: ” والدتي رغم صبرها ومعنوياتها، انهارت ولم تعد قادرة على النوم والكلام، فأي شريعة وقانون في العالم يجيز احتجاز وسجن أسير يعاني من السرطان في الحنجرة وفيروس كورونا ؟”، وأكملت: ” الى متى سيبقى الاحتلال يتحكم بحياة كمال الذي دخل مرحلة الخطر؟ أين مؤسسات حقوق الانسان والمتباكين على العدالة والديمقراطية ؟ كل لحظة وثانية في حياتي شقيقي تفرق وتؤثراً كثيراً، ونطالب الجميع باعادته إلينا حياً وانقاذه من الموت البطيء قبل فوات الأوان “.

محطات من حياته

من بلدة قباطية تنحدر عائلة كمال، لكنه ولد في عام 1974 في دولة الكويت، ليكون الثاني في عائلته المكونة من 6 أنفار، ويقول والده: ” بعد النكسة سافرت لدولة الكويت، عملت مراقباً في شركة متخصصة في النقل، رزقت بأبنائي وبينهم كمال الذي نشأ وتربى وتعلم في الغربة حتى أنهى المرحلة الاعدادية، ويضيف: ” منذ صغره، تميز بالذكاء وحصد العديد من شهادات التكريم لتفوقه خاصة في مدرسة الفحاحية الكويتية ، تمتع بذكاء وفطنته وقدرات كبيرة حتى أعجب الجميع به، وفي عام 1990 استقرينا في الأردن لمدة 8 سنوات، أكمل خلالها دراسته الثانوية بنجاح “، ويتابع: ” عدنا للوطن عام 1998، واستقرينا في مدينة جنين، فانتسب لحرس الرئاسة في السلطة الوطنية وما زال على رأس عمله حتى اليوم “.

نضال وبطولة

يحدق الوالد السبعيني نجيب أبو وعر بصور نجله واليافطات التي تنتشر في كل مكان، منذ إطلاق الحملة الوطنية لتحرير كمال، ويقول: ” كل لحظة نفتقده، فقد عاش حياته باراً بوالديه وحنوناً، تميز بالشجاعة والشهامة والكرم والطيبة وحب عائلته والناس، وحظي بمحبة واحترام كل من عرفه وامتلك مكانة كبيرة لدى الأسرى خلف القضبان “، ويضيف: ” خلال الغربة، برزت لديه روح الانتماء لوطنه والحب الكبير لشعبه، وعندما عدنا للوطن، انتسب لصفوف حركة فتح، وأصبح ناشطاً في كافة الفعاليات الوطنية والنضالية “.

انتفاضة الأقصى

التحول الأكبر في حياة كمال، بدأ مع اندلاع شرارة انتفاضة الاقصى، فلم يقتصر دوره على المسيرات والمواجهات، بل ساهم في تأسيس كتائب شهداء الأقصى، لكنه في البداية تخفى ولم يعلم أحد بدوره حتى أدرج الاحتلال اسمه ضمن قائمة المطلوبين، وتقول شقيقته نسرين: “انخرط في صفوف المقاومة وشارك في كافة المعارك، تقدم الصفوف في مواجهة المحتل، وتميز بالسرية والكتمان حتى اقتحم الاحتلال منزلنا وطالبنا بتسليمه مهدداً بتصفيته”، وتضيف: ” رفض التراجع والاستسلام، وقاد مجموعات الكتائب في عملياتها الفدائية، وتنقل بين جنين ومخيمها ونابلس التي تشهد أزقتها وثوارها لبطولاته ودوره الكبير في المقاومة رغم تعرضه لعدة محاولات اغتيال “.

كمين الاعتقال والتحقيق

ببطولة وتحدي، وقفت العائلة بجانب ابنها كمال الذي لم يتوقف عن المقاومة في كافة ميادين القتال، حتى تمكنت عيون الاحتلال من رصده وتحديد مخبأه السري في اليوم الأول من عام2003 ، ويقول والده: ” كنا نعيش الخوف على حياته بسبب تهديدات الاحتلال الذي حرمنا رؤيته بسبب حملات الدهم والتفتيش التي لم تتوقف، وفي ذلك اليوم الأسود، حاصرته بمنزل مهجور في قباطية ” ، ويضيف: ” رفض تسليم نفسه وخاض معركة بطولية مع الاحتلال الذي حول المنطقة لثكنه عسكرية وساحة حرب، ولم يتمكن من اعتقاله إلا بعد نفاذ ذخيرته، وعلى الفور نقلوه إلى أقبية التعذيب في سجن الجلمة “، ويكمل: ” تعرض لكل صنوف التعذيب والعزل على مدار 6 أشهر، انقطعت خلالها أخباره ومنعت زيارته، وعانينا الكثير لعجز الجميع عن رفع الظلم والتعذيب عنه حتى بدأت مرحلة الوجع الاقسى بين المحاكم “.

الصمود والحكم

بفخر واعتزاز يقول الوالد أبو وعر: ” استخدام الاحتلال كل اساليب الضغط والتعذيب لفترة طويلة، لكن كمال صمد وتميز بصلابته وإرادته الفولاذية، بايمانه برب العالمين وعدالة قضية شعبه، تسلح بالمعنويات العالية وانتصر على السجن والسجان “، ويضيف: ” لم تنته معاناته، فخلال جلسات المحاكم التي استمرت فترة طويلة، منعنا الاحتلال من الحديث معه والاقتراب منه، عاقبنا بكل شيء حتى حوكم بالسجن المؤبد 6 مرات، إضافة لـ 50 عاماً”.

ويضيف: ” أكمل مشواره النضالي خلف القضبان مع اخوانه الأسرى بنفس روح التحدي والبطولة، فعاقبه الاحتلال بالنقل والعزل ومنع الزيارات، لكنه صمد وتحدى، وقبل مرض خاض امتحانات الثانوية العامة وحقق النجاح، وانتسب للجامعة للحصول على شهادة البكالوريوس، وبعدما قطع عدة فصول، نقله الاحتلال من سجن هداريم لعدة سجون لمنعه من التخرج ، ثم أصابته كارثة المرض التي أثرت على صحته ولم يتمكن من متابعة دراسته “.

رحلة المرض

تؤكد عائلة كمال، انه قبل اعتقاله تمتع بصحة ممتازة ولم يكن يعاني من أية مشاكل صحية، لكن أوجاعه القاسية بدات بعد سنوات بسبب ظروف الاعتقال الصعبة والتحقيق القاسي الذي تعرض له ، ويقول والده: ” فجأة و بشكل تدريجي بدأت تنهار صحته جراء إهمال علاجه، بعد اكتشاف وجود زيادة في نسبة الحديد لديه، ثم إصابته بتقرحات في المعدة وديسك”، ويضيف: ” اشتكى من ألم لا يتوقف في الفم والحنجرة، ولم تستجب إدارة السجون لطلباته بالعلاج حتى تدهورت حالته الصحية بشكل كامل “، ويكمل: ” بعدما تأخر الوقت، أجريت الفحوصات وصور الاشعة لابني كمال والتي كشفت الكارثة الكبرى التي حلت بحياته، فقد تبين إصابته بسرطان في الحنجرة والأوتار الصوتية”.

مضاعفات خطيرة

أمام هذا الواقع الرهيب، سارعت عائلته وهيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير، لتقديم العديد من الطلبات لاطلاق سراحه، ليتسنى علاجه وإنقاذ حياته، لكن الاحتلال رفض رغم تكرار حوادث استشهاد الأسرى ضحايا الإهمال الطبي، ويقول والده: ” لم تتغير سياسة الإهمال الطبي المتعمد، حتى بعدما كشفت الفحوصات التي أجريت لكمال، أن الورم ازداد حجمه، كما بدأ يُعاني من نقص في الوزن، وعدم قدرة على التواصل مع رفاقه الأسرى عبر الحديث، و بدأ يعتمد على الكتابة في ذلك، مما يؤكد عدم نجاعة العلاج، رغم خضوعه خلال الفترة الماضية لـ50 جلسة علاج إشعاعي “، ويضيف: ” الاحتلال يتحمل المسؤولية الكاملة عن المضاعفات التي يعاني منها كمال ، فقد اضطر الأطباء لإحداث فتحة في الحنجرة حتى يتمكن من التنفس، ورغم ذلك، رفضوا الإفراج عنه “.

الإصابة بكورونا

تؤكد هيئة الأسرى أنه فور الإعلان عن انتشار فيروس كورونا، سارعت لتقديم عشرات الطلبات للافراج عن الأسرى المرضى وفي مقدمتهم كمال، لعدم توفر الرعاية والتدابير الوقائية في السجون والخطر الكبير الذي يمثله التخالط بين السجانين والجنود والاسرى ، لكن الاحتلال رفض دون اتخاذ أي تدابير لحمايتهم ، وفي 18/7/2020، دفع كمال ثمن الإهمال، فقد اعترفت إدارة السجون إصابته بالفيروس، ويقول والده: ” كل المعاناة المريرة التي عشناها على مدار السنوات الماضية وخلال فترة مرضه بالسرطان لا تساوي شيئاً أمام حالة الذعر والرعب التي نمر بها اليوم بسبب اصابته بفيروس كورونا “، مضيفاً: ” لم نتمكن من التواصل معه لمعرفة حقيقة وضعه، وما يصلنا من أخبار عبر محامي الهيئة والنادي والأسرى، ففي البداية نقلوه لمشفى ” هروفيه “الاسرائيلي ، ثم إلى عيادة سجن الرملة التي يحتجز فيها أسرى يعانون من أمراض خطيرة ومزمنة، وذلك رغم الخطر الكبير التي يحيط بحياته وبمصير القابعين “.

ويتابع: ” كل لحظة تمر، نزداد خوفاً على حياته، فماذا بقي بعد اصابته بكورونا والسرطان ؟، ورغم مزاعم الاحتلال عن استقرار حالته، فإننا لن نرتاح ، وقد طالبنا بالسماح له بالاتصال بنا هاتفياً للاطمئنان على حالته، لكن الاحتلال ما زال يرفض، وهذا يعزز الشكوك المستمرة لدينا حول وضعه مع كورونا “.

صور أخرى

بشكل يومي، تزحف وفود التضامن والمؤازرة لمنزل عائلة كمال، ويقول والده: ” نتمنى أن يكون معنا قريباً ليرى محبة وتقدير واحترام الجميع له .. ليل نهار يقف معنا أبناء شعبنا وكافة القوى، فهم يعتصمون ويقفون بعزيمة وأمل، ونحن نتذكر كمال الذي لا تغيب ذكرياته وصوره عن أذهاننا وقلوبنا”.

ويضيف: ” والدته نوال (أم أمين) هي الأكثر حزنا، وهي تعاني من عدة أمراض وانسداد في الشرايين، وتردد اسمه ليل نهار، فقد رعته منذ طفولته الجميلة، وربته التربية الصالحة الطيبة الخلوقة وانتظرت أن تراه عريساً وتفرح بزفافه، لكن الاحتلال لم يكتفِ بسرقة زهرة شبابه، بل أورثه الأمراض والويلات “، ويكمل: ” لا تفارق سجادة الصلاة وهي تتضرع ككل أم في شوق لولدها والاطمئنان عليه، وحزنها كبير ووجعها لا تصفه كلمات، والاحتلال يحرمها رؤيته والوقوف معه وتخفيف وجعه وهو يأن من المرض “.

ويستدرك: ” كلما سمعت انه بالمشفى، تنهار من البكاء، لأن الاحتلال ملا يزال يمنعها من الوصول اليه ورعايته ومسح جبينه وضمه لصدرها، ومنذ فترة، لم نتوقف عن استصراخ العالم ومناشدته لانقاذ حياة ابننا لكن لاحياة لمن تنادي” ، ويتابع: ” قدمنا طلباً للصليب الأحمر، على الأقل للتنسيق مع الاحتلال للسماح بالحديث الهاتفي مع كمال لنتطلع على أوضاعه وحالته لكن دون جدوى، لا نريد اليوم ، سوى سماع صوته “.

الصبر والدعاء

تقول شقيقته نسرين ” تبددت أفراحنا ومشاعر السعادة منذ اعتقال كمال، فأصبحت لا تجف دموع والدتي حتى في المناسبات السعيدة، وعندما تزوج اخواننا ، لم تفرح ، وحتى بعدما أصبح لديها أحفاد ما زالت حزينة، والاكثر ألماً، أن الاحفاد لا يعرفون عمهم وخالهم لأن الاحتلال يمنعهم من زيارته “.

وتضيف: ” كمال المميز بين الجميع، بروحه وحياته ومحبته لنا .. اتذكر حنانه ورعايته وصوره الجميلة .. فقد كانت تجمعنا علاقات الأخوة والصداقة والأُلفة والمودة في منزلنا الذي عشنا فيه معا وتربينا وتعلمنا فيه “، وتكمل: ” كانت لحظات جميلة جدا لاتنسى ابداً، وستعود رغماً عن الاحتلال”.

أما والده ، فأضاف: ” الحمد لله الذي كرمنا بالصبر، ونحن على إيمان بالله وعلى قضائه وقدره، نتمنى له الشفاء العاجل والفرج القريب، ونقول له : اصبر وماصبرك إلا بالله .. وهذا حال جميع آباء وامهات الأسرى وهم كثر.. وهذا ابتلاء من الله وصبر رب العالمين يفرغ على من يشاء من عباده “، ويكمل: ” منذ 18 عاماً، لم نعرف طعم الفرح والأعياد .. لم نرى أي بهجة وسعادة وكمال ليس بين والديه وخلانه وأبناء شعبه، فأين وكيف سيكون العيد والخطر يهدد حياته ؟”، ويتابع ” اقترب العيد ، لكن في ظل جرحنا النازف، لن يكون في منزلنا وحياتنا عيد والاحتلال يحرمنا رؤية ابننا المريض والأسير “.

تضامن ودعم

بشكل يومي ، تشارك عائلة الأسير كمال بالفعاليات والوقفات التضامنية التي تنظم في جنين وكافة محافظات الوطن، ويعبر والده عن الشكر والتقدير لكافة الجهود المستمرة ، ويقول: ” كل برقية أو اتصال أو كلمة تضامن ترفع معنوياتنا كثيراً ، فنحن بأمس الحاجة لوقوف الجميع مع كمال حتى ينتصر على المرض والقيد والسجان “، ويضيف: ” نشعر باطمئنان لما يقوم به الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية والسلطة الوطنية الفلسطينية وجميع الفصائل والقوى والفعاليات للضغط في كافة المحافل لإطلاق سراحه “، ويضيف:” أتوجه بالشكر الجزيل، لجميع الأسرى داخل السجون لما يبدون من دعم واهتمام لايوصف لكمال ، ونسأل رب العالمين أن يحميهم ويفرج سجنهم جميعاً ، فهذا الجهد ، يحمي باقي الاسرى من ويلات وظلم الاحتلال “.

إضراب في السجن

فور الإعلان عن إصابة الأسير كمال بفيروس كورونا، أعلن القائد في كتائب شهداء الاقصى ، الأسير محمد التيع من قباطية، المحكوم (27 عاماً)، الإضراب عن الطعام تضامناً مع كمال ، مطالباً بعلاجه وإطلاق سراحه.

ويقول والد كمال: ” يرتبط كمال ومحمد، بعلاقة وطيدة، فقد ناضلا وقاتلا سوياً، وجمعها القيد والسجن، فعاشا خلف القضبان كروحٍ واحدة فهما صديقان واخوة “، ويضيف: ” هذا هو الشعب الفلسطيني الذي يتسابق من أجل الكرامة والحرية، وأشكر محمد وكل الاسرى على وقفتهم الصادقة وتحركهم المستمر لفضح الاحتلال والضغط لإنقاذ حياة ابني الذي تحول لابن لكل فلسطيني ورمز لكل أحرار العالم”.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن