حكومة فلسطينية قادمة ما هي آفاقها

بقلم: د. سامي محمد الأخرس

تعكف السلطة الوطنية والرئاسة الفلسطينية في الوقت الراهن على محاولات تشكيل حكومة تحت مسمى حكومة وحدة وطنية، وإنّ اختلفت المسميات إلَّا أنّ الأهم ما هي المهام الّتي تتطلب إقالة أو استقالة حكومة الوفاق، وتشكيل حكومة جديدة بمسمى جديد، برئيس ورزاء نفسه، ححيث إنّه في ظلّ تعدد الحكومات وتنوعها لَم تختلف مهامها أو واجباتها، أو متطلبات تجديد الوزارة الفلسطينية الّتي فيما يبدو أصبح العرف المتداول دون قانون كتابي أو منصوص أو حتى مُقر أنّ عمر الوزارة الفلسطينية عام واحد فقط، فإنّ لَم يجرِ تعديل، تُشكل حكومة جديدة، وهو ما يفترض العديد من التساؤلات لدى المواطن الفلسطيني عن جدوى هذه الحكومات الّتي لا تحقق سوى تحميل الأجيل القادمة عبء التزامات جيش من الوزراء الفلسطينيِّين، خاصة وأنّ هذا الجيش لَم يقتصر على حكومة واحدة فقط، بل أصبح من حكومتين جغرافيتيِّين كلًا منها يحمل مسمى حكومة فلسطينية، وحكومة شرعية، في غزة ورام الله فإنّ تعداد الوزراء منذ قدوم السلطة الوطنية عام 1994 أصبح يشكل جهاز مستقل أو جيش يضاهي هيئة الأركان في الجيش الأمريكي أو الروسي المنتشر في بقاع المعمورة.
ليس هنا بيت القصيد رغم الأهمية الكبرى لهذا الجانب، فهذه الفاتورة سيتحمل عبأها الأجيال القادمة الّتي سترث حملًا كبيرًا، وموروثًا ثقيلًا، ولكن الأهم لماذا حكومة وحدة وطنية؟ وهل الفصائل الرافضة للمشاركة في الحكومات السابقة وهما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة الجهاد الإسلامي لديهما الإستعدادية للمشاركة في هذه الحكومة؟ وما هي التطورات الّتي حدثت لتغيير موقف هذان الفصيلان من الدخول بحكومة جديدة؟
إنّ كان الهدف من تشكيل حكومة وحدة وطنية هو المصالحة الفلسطينية، وإحداث اختراق في جدار المراوحة والمماطلة في ملف المصالحة، فإنّ ذلك يكون هراء، واستغفال للفهم السياسي العام، فملف المصالحة لا يتحقق بحكومات، وتغيير وزراء ومسميات وزارية، خاصة وأنّ هناك عدة حكومات تناولت هذا الملف، وأخرها حكومة الوفاق الّتي لَم تستطع أنّ تبسط نفوذها على أكثر من قاعة اجتماعاتها، وبروتوكولات الاحتفالات في فنادق غزة على ايقاع وجبات السمك الغزاوي فقط، كما أنّ المصالحة منذ ثمانية أعوام تدور دون فاعلية، فتروسها مثلومة لا تحرك عجلة المحاصصة. وهناك عدة لجان مصالحة هي الأخرى لَم تحقق سوى صيغة تشريفية، تكريمية لقادة ورموز الفعل السياسي الحزبي الممفروضين على واقعنا الوطني فرضًا. إذن فمبرر المصالحة مجرد ترهلات في العقلية السياسية، يبنى على نظرية الاستغفال الممارسة من طرفي الإنقسام ضد شعبنا وقضيتنا الوطنية.
أما إنّ كان هناك أفق سياسي دولي وإقليمي في احداث إختراق حقيقي على الجبهة الفلسطينية- الإسرائيلية ومشروع قابل للتنفيذ – وهو الأرجح- فهذا فعلًا يتطلب حكومة وحدة وطنية، وخاصة أنّ يكون فيها ممثلين عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة الجهاد الإسلامي حتى يتم توريط أو تحميل الجميع مسؤولية ما هو قادم ولا يمثل أحد دور الرافض والمعارض، أو البريء كما كان عليه الحال في أوسلو 1994، خاصة وأنّ موازين النّظام السياسي الفلسطيني تغيرت، وخرجت حماس من دور المعارض إلى دور الشريك والمشارك، وعليه فلابد وأنّ يشارك الكل وخاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بصفتها الفصيل الثاني بمنظمة التحرير الفلسطينية، والجهاد الإسلامي بصفته القوة الثانية في قوى الإسلام السياسي، والفعل العسكري المؤثر والفاعل. أي لن يقف أحدهما أمام التاريخ ليبرئ ساحته كما في أوسلو سابقًا.
أما عن المتغيرات الّتي حدثت في الفصيلين ومواقفهما (الجبهة الشعبية، والجهاد الإسلامي) لتؤثر على مواقفهما المسبقه ودفعهما للموافقه في المشاركة بحكومة وحدة وطنية، فكلّ المؤشرات والدلائل تؤكد أنّ هناك متغيرات حقيقية، وفعلية في مواقف الفصيلين، ولكن هذه المتغيرات والحرّاكات لم تصل بعد لدرجة الجرأة بالمشاركة في حكومة وحدة، لأنه لا يوجد لديهما مبررات جديدة ومستحدثة يمكن من خلالها اقناع قواعدهما الحزبية والحركية الداخلية بالمشارك رغم أنّ هذه المسألة في ظلّ حالة الغيبوبة وغياب الوعي القاعدي الحزبي في الحركتين يمكن تمرير المشاركة بسهولة، وبمبررات بسيطة، وتقبلها من القواعد الّتي لا تمتلك أيّ أدوات تغيير، فما يمكن أنّ تمتلكه فعليًا الحرد والإستنكاف، وهو ما يعتبر طوق نجاة لقيادة الفصيلين ولديهما خبرة سابقة بالتأقلم معه كما حدث في مراحل سابقة، بل يمكن أنّ يشكل لهما طوق نجاة، بما إنّهما يستطيعا بسط النفوذ على القواعد المتبقية بشكل أكثر سهولة ويسر وتوفير مصاريف وأموال يمكن استغلالها بنشاطات صوتية فقط، ودون صداع من حالات تمرد وإزعاج وهو ما ممارسته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عندما زجت بنفسها في انتخابات المجلس التشريعي ناسفة كلّ مواقفها ومبادئها حول أوسلو مستغلة حالة الفراغ القيادي المبدأي بغياب أمينها المؤسس وأمينها الشهيد، وأمينها الأسير، فهي عمليًا فصيل مشارك بالمجلس التشريعي الوليد الشرعي لأوسلو الذي اعتبرته الجبهة رجس شيطاني هز أركان القضية الوطنية في مؤامرة غير شرعية، وكذلك الأمر بحركة الجهاد الإسلامي الّتي شاركت بالإنتخابات البلدية تحت مبرر إنّها انتخابات خدماتية، ومشاركتها في لجنة (تكافل) تحت مسؤولية السيدة جليلة دحلان والنائب ماجد أبو شمالة عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، وبأموال اماراتية، وهو ما ينطبق على الجبهة الشعبية بمبرر لجنة وطنية، رغم كلّ ما قيل وقالت الحركتين عن النائب محمد دحلان سابقًا.
رغم ذلك فإنّ الموقف الرسمي للفصيلين سيتم إصداره بالرفض والامتناع عن المشاركة في حكومة وحدة وطنية، لأنّ هذا الرفض أخر أوراقهما في تبني لغة المحامي المدافع عن الثوابت والتمايز بين الفصائل الأخرى، وعملًا بالمآثر التي تقول:” اترك الباب مواربًا لا تفتحه كليًا ولا تغلقه كليًا” أو ” لا يقتل الذئب ولا يفنى الغنم”.
إذن فالحكومة القادمة مهما كان اسمها، يعتقد إنّها حكومة لمرحلة أو لمهمة أكبر من مهمة المصالحة الوطنية، وربما هي حكومة إنقاذ لحركتي حماس وفتح معًا، فما هو قادم حتى راهن اللحظة يؤكد على عدم إرادة الحركتين تحمل المسؤولية التاريخية لوحدهما، والدليل أن حركة فتح لراهن اللحظة تردد أن من وقع اتفاقية أوسلو 1994 هي منظمة التحرير الفلسطينية ونحن فصيل بهذه المنظمة، كما من ينسق أمنيًا هي منظمة التحرير الفلسطينية، بل وتقدم حركة فتح بعض أجنحتها كأذرع عسكرية لا تؤمن إلَّا بالكفاح المسلح والعمل النضالي، وأنّها صاحبة مشروع كفاحي كأيّ فصيل آخر، وهو نفس الفعل الذي تريد حماس اللجوء له في حال حدوث أيّ تطور سياسي على ملف القضية مع الكيان الصهيوني، فهي تبحث عن جهة لتحميلها مسؤولية الملف واعتبارها جزء من هذه الجهة، ولكن هي حركة تؤمن بقرآنية المعركة وميثاقها يؤكد على تحرير فلسطين كاملة، وأنها لا تتحمل المسؤولية لوحدها. أيّ في النهاية فإن هناك من يبحث عن تحميل المسؤولية التاريخية لأي تطورات للكل الفصائلي السياسي تحت مسمى جديد بما أن حركتي حماس والجهاد خارج إطار م . ت. ف. وهو ما فطنت له الرئاسة الفسطينية.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن