إن تحقق حلم الدولة.. هل يعود “حزب الحمير” الكردستاني للواجهة؟

حزب الحمير الكردستاني

 

يقول مسؤولون كُرد، إنهم في إقليم كردستان العراق يؤمنون بحرية الرأي، ووفقه لا يُعاقِبون على ردات فعل شعبية، وأفعال فردية، على أن لا تضر المصلحة العامة.

جاءت تصريحات المسؤولين الكُرد تلك مؤخراً، مع ارتفاع حدة المناوشات الكلامية بينهم وبين سياسيين عرب من أعضاء مجلس النواب، على خلفية قرار حكومة الإقليم بالانفصال عن بغداد، حيث وصلت ردود الفعل الشعبية عند الكرد إلى حرق العلم العراقي في مدن إقليم كردستان.

وكان قرار الانفصال اتخذت أولى خطواته بإجراء استفتاء، الاثنين (25 سبتمبر 2017).؟

للكرد تاريخ طويل في العمل السياسي، وتنشط في كردستان عدة أحزاب تشارك بالعملية السياسية في البلاد، فضلاً عن أحزاب قليلة الجماهيرية والتأثير.

في حال حقق الكرد مسعاهم في دولة مستقلة سيترتب على هذه الأحزاب العمل بشكل أكبر، وكسب تأييد جماهيري أوسع، إذ ستعمل داخل دولة وليس إقليم، مثلما في السابق.

وأكثر الأحزاب الكردية الصغيرة، القليلة الجماهيرية، التي حظيت بشهرة واسعة، واضطرت لإيقاف عملها السياسي هو “حزب الحمير”.

وتأكد للجميع أن “حزب الحمير”، حزب مختلف عن باقي الأحزاب، فهو حزب غير قومي، وبعيد عن المذهبية، ولا يحلم بالسلطة الانفرادية، ولا يؤمن بالاستئثار، بل يؤمن بالتواضع أساساً للحياة، والعمل لبناء الوطن، والتكاتف لأجل التقدم، والحب مبدأ للتعايش.

والحزب أيضاً لم يكن طارئاً حال غالبية الأحزاب؛ بل أُسس في سبعينيات القرن الماضي، وكان تحت اسم “جمعية”، وذلك في مدينة السليمانية ضمن إقليم كردستان، لكن السلطة آنذاك منعته من مزاولة نشاطاته، وفي عام 2005 نال ترخيصاً رسمياً بصفته حزباً، لكنه واجه ضغطاً رسمياً؛ بسبب اختلاف أفكاره وتسميته.

واعتزازاً بحزبهم، دشن أعضاء “حزب الحمير” تمثالاً لحمار في حديقة وسط السليمانية.

تمثال الحمار، الغريب من نوعه، الذي صنع من البرونز، وهو من عمل النحات زراك ميرا، يجسد رأس حمار يرتدي بدلة وقميصاً وربطة عنق.

التمثال هو عمل فني متقن، وضع في حديقة بشارع نالي في السليمانية، ونالي هو شاعر كردي مشهور، كتب قصيدة شهيرة عن الحمير، ولم يكن يعلم أنه سيأتي يوم يصنع حزب تمثالاً لبطل قصيدته في تلك الحديقة.

وتحولت الحديقة إلى مزار مهم من قبل زوار المدينة، الذين يأتون ليلتقطوا الصور التذكارية مع تمثال الحمار.

معتنقو فكر حزب الحمير لديهم تصور خاص، واعتقاد عميق بأن تحلي الإنسان بصفات الحمار يحيله إلى شخص منضبط في كل شيء، ومعطاء إلى أبعد حد، ومتعاون دون بحث عن منفعة، لذلك فإن من بين تسميات وصفات تعظيم الشخص أن يُطلق عليه اسم من أسماء الحمير، أو صفة من صفاتها، بحسب ما يعتقدون.

الحزب ووفقاً لما يرى مؤسسوه، ليس حكراً على قومية، أو فئة أو جنسية، بل متاح لكل الناس بكل تسمياتهم وقومياتهم وبلدانهم، فالحمار تتوحد صفاته، وتختلف أسماؤه، لكن على المنتمي فقط ألّا يقل عمره عن 18 عاماً.

ويرى مؤسسو الحزب أن على الأكراد أن يحترموا “الحمار”؛ لأنه تحمل كثيراً في سبيل القضية الكردية، التي دفع الأكراد كثيراً من التضحيات في سبيلها، وخاضوا حروباً لأجلها، وكان الحمار خلال تلك المعارك يحمل الجرحى، ويوصل المؤن والأعتدة، ويقطع مسافات طويلة، وسط ظروف بيئية وعسكرية صعبة.

كذلك فإن صفات الحمار الكثيرة جعلت الإنسان يعتمد عليه في رزقه؛ فهو صبور موثوق به، وكان على مدى الأزمنة أحد أهم وسائل النقل.

وبحسب المتبع والمعروف بين الأحزاب، فإن لأعضاء حزب الحمير تسميات للمنتمين في صفوفه بحسب مدة العضوية.

ويطلق على المنتمي الجديد لحزب “الحمير” اسم “الجحش”، وبعد فترة من العمل ضمن صفوف الحزب وحين يتم قرار ترقيته يصبح “حماراً”، ويبقى العضو يترقى في سلم العضوية فينال درجة “الحمار الكبير”، وبعدها “صاحب الحدوة”، تليها مرتبة “صاحب البردعة”، وصولاً إلى “الحمار الأكبر”؛ وهي رتبة أمين عام الحزب.

ولحزب الحمير هيكلية حزبية؛ فالمكتب السياسي يطلق عليه “الخان” وهو مكان مبيت الحمير، في حين تسمى الفروع الحزبية بـ”الإسطبل” والفرق الحزبية بـ”المعالف”.

أعضاء الحزب ولأجل إظهار الاحترام فيما بينهم لا يتنادون بأسمائهم، بل بكلمة “يا حمار” أو “أيها الحمار”، والعضو بذلك يعبر عن تقديره البالغ للعضو الآخر، وفق مبدأ الحزب، واعتقاد الأعضاء بفكره.

حركات الحمار دليل احترام كبير إذا ما جسدها العضو، لذلك هي موجودة ومطبقة بين الأعضاء؛ فحركة الرفس باستخدام القدم وتحريكها إلى الخلف، والنهيق، كلها تدل على تقدير كبير ومن بين التحايا في أثناء لقاء الأعضاء، كما أن كلمة “الرفس” تعني العمل الدؤوب، والإشارة إلى عطاء العضو.

مطلع عام 2014 حل أمين سر حزب الحمير الكردستاني، عمر كلول، الحزب بعد معاناة اجتماعية، مؤكداً عجزه عن إفهام الناس ضرورة احترام الحمار كرفيق درب للإنسان بشكل عام والكردي بشكل خاص، وقد اصطدمت جميع محاولات الحزب بالتهكم، كما أن الحزب فشل في إشاعة ثقافة احترام الحمار، الذي يقترن اسمه بالصبر في أكثر من مكان.

أحلام جميع أعضاء حزب “الحمير” بدءاً من “الجحش” وصولاً إلى “الحمار الأكبر” كلها تبددت على صخرة الواقع؛ فالخريطة السياسية في العراق كانت تشير إلى أن صراعات الأحزاب للانفراد بأكبر قدر ممكن من السلطة والمنافع في البلاد، تزداد احتداماً يوماً بعد آخر، وهو ما ليس موجوداً في قاموس حزب الحمير ومبادئه، الذي كان يسعى لنشر ثقافة التعاون والإخلاص والمحبة والعمل والإيثار والاجتهاد ومصلحة الجميع.

ومع اقتراب الكرد من تحقيق حلمهم في دولة مستقلة، ستسعى الأحزاب الكردية للمشاركة في العملية السياسية بقوة للفوز بمقاعد نيابية تؤهلها لتحقيق رؤاها، وهي فرصة مواتية لـ”حزب الحمير” للظهور مرة أخرى بشكل أقوى، فهل يُسمع لـ”الحمير” نهيق مجلجل في الدولة الجديدة؟

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن