أطفال فلسطين لا يمزقون الكتب المدرسية: هل هذا حلم؟

د. أسامة الميمي
د. أسامة الميمي

كتب د. أسامة الميمي : مع حلول شهر أيار من كل عام، تعلن السنة الدراسية عن نهايتها مع تعالي ضحكات الاطفال والطلبة وبدء إجازتهم الصيفية بكل ما تحمل من مرح، وبذات الشهر أيضا، تشهد الكتب المدرسية نهايتها المأساوية؛ ممزقة وملقاة في حاويات القمامة وحولها في مشهد مؤلم يتكرر مع نهاية كل امتحان دون ان يستوقف الكثيرين ممن لهم علاقة بالنظام التربوي.

قد لا تكون فلسطين المسرح الوحيد لهذه النهاية المحتومة للكتب المدرسية، لكن، لم لا تكون الاستثناء؛ ولتكن البداية من تشخيص حقيقي لأسباب هذه الظاهرة…

هذا المشهد باعتقادي، يلخص العملية التعليمية التعلمية برمتها؛ فهو ربما يعبر عن اغتراب الكتب المدرسية عن المعنى الحقيقي لعملية التعلم. مشهد محزن يتطلب منا جميعا التأمل فيه وقراءة أسبابه ولا يجب اعتباره مشهدا عابرا. هذا مشهد كلنا نُساءَل عنه وكلنا سبب فيه بطريقة او بأخرى.

برأيي، يجب أن يلتقط المسؤولون عن النظام التربوي هذا المشهد ويقوموا بإعادة صياغة سياساتهم وخططهم الاستراتيجية لتشكل الاساس نحو “أطفال فلسطين لا يمزقون الكتب المدرسية”. لا أقول ان هذا حلمنا بل على الأقل هذه خطوة أولى نحو ” أطفال فلسطين ينتجون المعرفة ولا يكتفون باستهلاكها”؛ فالصياد الذي يشبعه صيده لا يكسر صنارته.

كيف تمر سنة دراسية كاملة على الطلبة دون ان يتشكل لديهم أي علاقة مع هذه الكتب؟ أحدهم ربما يقترح الإجابة التالية: تمزيق الكتب هو فعل يرمز أو يدلل على عدم رضاهم عن كل مكونات العملية التعليمية التعلمية وعن الكثير مما حصل خلال السنة الدراسية. وآخر ربما يفكر أن الإجابة تكمن في ان الطلبة يعتقدون ان لا شيء في هذه الكتب مفيد أو لم تتح لهم الفرصة لربط محتويات هذه الكتب بحياتهم اليومية أو ان الكتب المدرسية نفسها خالية من السياقات التعلمية التي تتيح للمعلم فرصة “صنع المعاني” وللطلبة فرصة “إنتاج المعرفة”. ولا يخفى عليكم جميعا ان هناك أسباب أخرى غير غياب الفرح والحياة من الكتاب المدرسي تدفع الطلبة الى تمزيقه.

باعتقادي، لا يمكن ان تتشكل علاقة وطيدة بين الطلبة وكتبهم المدرسية، وبالتالي تقدير ما فيها، إذا لم توفر هذه الكتب الأساس لعملية تعلم حقيقية خلال السنة الدراسية. الأساس في هذه الكتب الدراسية ان تركز على السياقات الحياتية وإنتاج المعرفة؛ إن تحقيق الأهداف التعلمية يتطلب توفير سياقات تعلمية ذات معنى ومرتبطة بحياة الطلبة اليومية سواء على الصعيد الفردي او المجتمعي تجعلهم أكثر قدرة على فهم وتقدير ما يتعلمون بالإضافة الى تعزيز دافعيتهم نحو التعلم. كما ان العملية التعليمية التعلمية يجب ان تتعدى فكرة الاكتفاء بفهم الطلبة لموضوع معين والانتقال الى فكرة ان يكون الطلبة شركاء في عملية إنتاج المعرفة؛ يكون ذلك فقط إذا تورط الطلبة بمهام حقيقية مفيدة لهم ولمجتمعهم تحثهم على التفكير والفعل.

يتساءل الطلبة دائما عن الهدف من تعلم موضوع معين. ويجيب المعلم بالأغلب: غدا عندما تكبرون وتصبحون كذا او كذا ستدركون ان هذا الموضوع او المفهوم مهم لكم. وهذا الجواب للأسف لا يقنع غالبية الطلبة؛ فهم يريدون إدراك أهمية تعلم الموضوع الان ليخلق لديهم الدافع والرغبة في تعلمه.
ان الاساس في الكتب المدرسية وطرق تعليم محتواها ان تركز على المهارات الحياتية والمواطنة من أجل تحقيق أهداف التعلم الكبرى المتمثلة أولا في خلق مجتمع متماسك، وثانيا في خلق مجتمع مبني على المعرفة، وثالثا في خلق مجتمع متمكن اقتصاديا. وبالتالي يجب التخطيط بشكل منهجي ومدروس لإدماج المهارات الحياتية بأبعادها المختلفة الذهني والادائي والفردي والمجتمعي ولا يجب ان تأتي بالصدفة!

إن كانت “الهوية هي ما نورث لا ما نرث، ما نخترع لا ما نتذكر” كما قال درويش، فلم لا نورث أبناءنا القدرة على خلق هويتهم الخاصة فالهوية الحقيقية هي “فساد المرآة التي يجب ان نكسرها كلما أعجبتنا الصورة”.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن