الاحتلال الصهيوني يدمر التنمية الفلسطينية

د. احمد لطفي شاهين
د. احمد لطفي شاهين

الكاتب: د. احمد لطفي شاهين

تخضع الأراضي الفلسطينية المحتلة لسيطرة القوات العسكرية والأمنية الصهيونية منذ عام النكبة 1948 ولا تزال خاضعة للاحتلال إلى اليوم ورغم التواجد المحدود للسلطة الفلسطينية في المناطق المصنفة « أ « بموجب اتفاقية اوسلو إلا أن السلطة بكاملها خاضعة قهرا للسيطرة الإسرائيلية برا وبحرا وجوا فلا تمتلك السلطة أي مظهر من مظاهر السيادة ولا الاستقلال بشكل فعلي أبدا وحتى الاقتصاد الفلسطيني مرتبط بالاحتلال بموجب اتفاقية باريس، وهذه التبعية الإجبارية للاحتلال الصهيوني تحرم الفلسطينيين من استثمار مواردهم وثرواتهم الطبيعية في أراضيهم المحتلة وتحرمنا من أن تكون لنا مصادر مستقلة للدخل أو التنمية أو الطاقة بكل أشكالها فالاحتلال يمنع إقامة أي مشروع قد يؤدي إلى الاستغناء عنه مستقبلا ويمنع المزارعين من الاقتراب من أراضيهم ويمنع الصيادين من التعمق في البحر حتى ضمن الحدود البسيطة التي قررتها اتفاقية اوسلو ويمنع السلطة كلها من التفكير في أي مشاريع تنموية فلسطينية والاحتلال أيضا يمنع إدخال المواد الخام للمصانع الفلسطينية في كل المجالات المدنية لدرجة أن كثيرا من المصانع اضطر أصحابها إلى الهرب إلى الصين برؤوس أموالهم وفتح خطوط إنتاج هناك ومحاولة التصدير إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بل أن الاحتلال الصهيوني يستثمر أي فرصة للتوتر الأمنيي ويهاجم المصانع المدنية الفلسطينية الناجحة بالقصف والتدمير بذرائع الأمني والإرهاب، كما ويعرقل الاحتلال استيراد البضائع من أي دولة عربية أو غيرها، بل ويحتجز المساعدات ويهدد بقصفها إذا دخلت دون إشرافه ودون تفتيشه وتعمل كل المعابر في ظلال الكاميرات الصهيونية.
إن الممارسات العدوانية العنصرية الصهيونية أكبر من أن يتم إحصاؤها وتشكل عائقا حقيقيا أمام تطور وتقدم وتنمية المجتمع الفلسطيني بل وتؤدي إلى تراجع وانهيار كل مؤشرات التنمية الفلسطينية ليس في الوقت الحالي فحسب وإنما كل تلك الممارسات تمثل تهديدا للأجيال القادمة وكل تلك الممارسات الهدف منها أن نضطر للاستيراد من منتجات الاحتلال فقط وأن نبقى خاضعين لسيطرة الاحتلال وتحت رحمة المعابر التي يسيطر عليها الاحتلال لأننا وللأسف سوق استهلاكي نموذجي وبشراهة غريبة ولا توجد عندنا إرادة قوية للتخفيف من حدة الاستهلاك وثلاثة أرباع حياتنا تناول للمأكولات والمشروبات. ومن يتابع حركة الأسواق يلاحظ كمية الشراء المهولة رغم ضيق الحال عند الكثيرين لكننا نأكل وننام ونتسبب في أزمات أخرى مثل النفايات والصرف الصحي التي تلوث البيئة وتنعكس سلبا على التنمية الفلسطينية أيضا بسبب عدم إعادة تدوير المخلفات وتراكم النفايات شرق القطاع مما يؤثر سلبا على المياه الجوفية.
إن الاحتلال الصهيوني يسيطر حاليا على أكثر من 80 % من أراضي فلسطين التاريخية والبالغ مساحتها 27000 كيلومتر مربع حيث يسيطر على كل أراضي فلسطين المحتلة والقدس ويسيطر على 60 % من أراضي الضفة الغربية من خلال الكتل الاستيطانية التي بدأت تتحول إلى مدن استيطانية والتي يتم اختيار مواقعها بعناية فائقة جدا بحيث تسيطر على مصادر المياه والمرتفعات الاستراتيجية للسيطرة الأمنية بينما تتحرك السلطة في حدود ما تبقى من الضفة الغربية عبر مئات الحواجز ومن خلال التنسيق المعقد والصعب وفي ظل الجدار الفاصل فأصبحت مدن الضفة الغربية عبارة عن كنتونات شبه منفصلة ولا يزال الاحتلال الصهيوني يصادر الأراضي ويزرع المستوطنات ويمارس سياسة التغيير الديموغرافي اليومي بخبث وذكاء شديدين بكل الطرق القذرة واللاإنسانية كالابتزاز والهدم والتهجير وإطلاق الخنازير البرية على المواطنين الفلسطينيين واحتجاز جثامين الشهداء والتهويد المنظم في القدس المحتلة وكل مناطق الضفة الغربية في محاولة لطمس الهوية الحضارية الفلسطينية.
وأما بخصوص قطاع غزة فالاحتلال لم ينسحب عمليا وإنما أعاد نشر قواته حول القطاع برا وبحرا وجوا، وأقام حزاما أمنيا غير معلن في محيط قطاع غزة ويعادل هذا الحزام مساحة الأراضي التي تركها الاحتلال في مستوطنات قطاع غزة. وخطورة هذا الحزام أنه مسرح للجرافات والآليات الصهيونية وقتما شاءت وممنوع الاقتراب منه نهائيا ولا يزال الاحتلال الصهيوني يتحكم في كل ما يدخل ويخرج إلى ومن قطاع غزة من بشر وموارد، ويصادر آلاف الأطنان إن بحجج أمنية ويؤخر إدخال البضائع ويأخذ ضرائب في المعابر تحت مسمى الأرضيات، وهذا التأخير يؤدي إلى تلف البضائع وخسارة التجار وبالتالي ارتفاع الأسعار على المواطن المستهلك لأن المواطن هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة خصوصا أن التاجر يدفع الضريبة ثلاث مرات وكأن قطاع غزة هو غوانتانامو خاص للشعب الفلسطيني…
وهذه هي المعادلة المرعبة التي يتعايش معها شعبنا في غزة والضفة :
غلاء شديد + فقر شديد بنسبة 45 % + بطالة عمال وبطالة خريجين بنسبة 65 %
وهذه المعادلة مقصودة حتى يكون هناك قلق دائم واستحالة تحقيق التنمية بل وحتى استحالة مجرد التفكير بالتنمية لأن العقل الفلسطيني يلهث كل لحظة من تراكم الهموم وليس هناك وقت للراحة والتفكير في شؤون الحياة فضلا عن التفكير في التنمية لذلك انخفض سقف المطالب الفلسطينية من تحرير كامل التراب الفلسطيني إلى مجرد توفير وظيفة وكهرباء وماء ومن يستطيع تحقيق تلك الأشياء يظن أنه حقق انتصارا تاريخيا ولن يخطر على باله القدس ولا ما يجري فيها ولن يهتم بالمعتقلين وسينسى حق العودة لأن هموم الحياة والضغط العصبي اليومي افقدنا توازننا جميعا وأصابنا جميعا بالإحباط الشديد، إذ كيف يمكن للإنسان الجائع أو العاطل عن العمل أن يفكر بالتنمية؟ وكيف يمكن للبنت التي تقلق من أن يفوتها قطار الزواج ولا تتزوج أن تفكر بالتنمية ؟ وكيف يمكن للأب أن يفكر في تنمية المجتمع إذا كان يقلق على مستقبل أولاده؟ وكيف يمكن للشعب كله أن يفكر بالتنمية في ظل انقسام مرير وتجاذبات سياسية وتراشق إعلامي يضيع الحقيقة ويضيع المواطن بين هذا وذاك؟ حتى فقد المواطن الثقة بكل القيادات والتنظيمات.
وختاما كيف لشعب فقد الثقة بقياداته، كيف له أن يفكر بالانتصار والتحرير والتنمية ذلك أن أقصى طموحه راتب منتظم وتيار كهربائي منتظم وأنبوبة غاز 12 كجم ممتلئة ؟
إن المواطن الفلسطيني يعاني الأمرين منذ النكبة إلى النكسة إلى الانقسام فالاحتلال الصهيوني لم يتوقف يوما عن سرقة ونهب خيرات الأرض الفلسطينية المحتلة. وكلنا من أبناء جيلي والأكبر نتذكر قوافل الشاحنات التي كانت تسرق الرمال من المستوطنات جنوب ووسط القطاع ليلا نهارا قبل إعادة انتشار قوات الاحتلال إلى خارج قطاع غزة وكلنا يسمع بسرقة المياه من باطن الأرض الفلسطينية إلى داخل الكيان الصهيوني على مدار الساعة، وكلنا سمع بحقل الغاز في عرض البحر والذي سيطرت عليه دولة الاحتلال. ويوميا نسمع مصادرة وتجريف وهدم في القدس والخليل والنقب وكل الأراضي المحتلة ودائما يوجد لدى الاحتلال الصهيوني الذرائع الجاهزة لتبرير الافعال والسرقات بشكل منتظم.

ولا يجب أن ننسى المناطق المصنفة «ج « وفقا لاتفاقية اوسلو في الضفة الغربية حاليا والتي تخضع أمنيا وإداريا للاحتلال الصهيوني والتي أصبحت وكرا لكل الخارجين عن القانون من تجار مخدرات وأسلحة فلا تتمكن السلطة من ملاحقتهم واعتقالهم من تلك المناطق ولا تستطيع منعهم من الدخول إلى مناطق السلطة بينما تستطيع قوات الاحتلال الصهيوني في أي وقت أن تقتحم مناطق السلطة وتقتل وتعتقل من تريد ولو تعرض لها أفراد السلطة يتم قتلهم أيضا، فالرصاص الصهيوني لا يفرق بين المواطنين الفلسطينيين ولا يحترم أي اتفاقيات ولا مواثيق ولو حصلت أي مصيبة داخل الكيان يسارع الاحتلال إلى اتهام السلطة بالتقصير الأمني والمسؤولية ويفرض عقوبات اقتصادية ويؤخر المقاصة ويعاقب كل الشعب الفلسطيني على تهمة ليس له ذنب فيها، فالمواطن الفلسطيني هو الحلقة الأضعف على كل الأحوال وهو من يدفع الثمن من دمه أو أعصابه أو جيبه.
إننا ومنذ بداية هذا القرن نعيش في معادلة دولية عرجاء وقوانين دولية ظالمة جدا جدا ترى الحق باطلا والباطل حقا، وتقف مع المنتصر وتجهز على المهزوم وتنصر القوي الظالم وتخذل الضعيف المظلوم، فالعالم كله شرعن الاحتلال الصهيوني وسكت عن مجازره المتتالية وسرقته ونهبه لأرضنا وخيرات بلادنا دون وازع إخلاقي وبمنتهى العنجهية والانحطاط. ولقد ثبت أن العالم كله يحترم لغة القوة وسياسة الأمر الواقع التي يفرضها الأقوياء ولن يكون لنا مكان في هذا العالم إلا إذا كان لنا قوة حقيقية نستند اليها. وأولى مقومات القوة هي الاتحاد فلابد أن ينتهي الانقسام السخيف بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، ولابد أن يتم الاتفاق على إدارة شؤون الشعوب من خلال قيادات حريصة على مصلحة الشعوب ولديها نظرة تنموية شاملة للأجيال الحالية وللأجيال اللاحقة وكفانا ما دمره الاحتلال من فرص للتنمية الفلسطينية والعربية ومن الخطوات التي يجب أن ننطلق منها لنستعيد مجدنا كوننا فلسطينيين قدوات لكل العالم سابقا :
1 – أن ننهي انقسامنا المرير لأن إنهاء الانقسام تنبني عليه كل الخطوات اللاحقة.
2 – أن يكون هناك برنامج سياسي ووطني واقتصادي فلسطيني موحد ومستقل تماما ليخدم الشعب الفلسطيني حاليا ومستقبلا.
3 – يجب أن يتم توحيد جميع المؤسسات والوزارات والهيئات الفلسطينية في شطري الوطن والداخل والخارج بحيث يكون بينها تنسيق كامل في العمل الإداري والتنظيمي لتحقيق التكامل في العمل وتحقيق الأهداف المراد تحقيقها.
4 – يجب أن تتوحد كل آليات الكفاح الفلسطيني سواء السلمي أو المسلح لإعادة الزخم للمقاومة الفلسطينية بكل أشكالها وأن يكون هناك تنسيق وإجماع على أساليب الكفاح والمقاومة الأنسب لكل مرحلة وأن يكون هناك تنسيق كامل ما بين المفاوض والمقاوم لتعزيز الموقف الفلسطيني بشكل تبادلي ومتكامل.
5 – التكاتف الإعلامي والتنسيق بين الفضائيات الفلسطينية والعربية لفضح الممارسات الصهيونية وتخصيص برامج للأرض المحتلة لرفع مستوى التوعية وعمل برامج موجهة إلى داخل الكيان الصهيوني لإيصال رسائل تحذيرية لهم من خلال الإعلام الفلسطيني عسى أن يساندنا من يدعو أنهم دعاة السلام والتعايش وإنْ كنت أعتقد أنهم كاذبون فالاحتلال الصهيوني لا يؤمن بالسلام لا ظاهرا ولا باطنا.
6 – التأكيد على وجوب مقاطعة المنتجات الصهيونية بجميع أشكالها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا جانب خطير يخشاه الاحتلال الصهيوني لكننا نستخف به للأسف الشديد.
7 – علينا جميعا أن نفكر في تحقيق التنمية للمجتمع حاليا وفي المستقبل للأجيال القادمة، وأن نحاول قدر الإمكان الحفاظ على مقدراتنا ومكتسباتنا وتطوير أنفسنا وأبنائنا وتعليمهم وتأهيلهم ليكونوا قادرين على حمل مسؤولية أنفسهم ومن ثم مسؤولية الوطن.
أكتفي بهذه الخطوات… والخطوات كثيرة ولا يمكن حصرها، ولكن المهم أن نبدأ في تنفيذ أي خطوات إيجابية لأننا في حالتنا الفلسطينية حاليا نشبه عربة يجرها حصانان أو أكثر، و كل حصان يجري في اتجاه خاص به فإذا اتحدت قوة الأحصنة استمرت العربة بقوة إلى الأمام وإذا اختلفت الأحصنة سوف تتكسر العربة وتضيع الأحصنة للأبد…
وطبعا..كل اللوم سيكون على الأحصنة لأنها هي التي تتحمل مسؤولية قيادة العربة. ألا يوجد بينكم.. حصان عربي أصيل؟

فلسطين المحتلة

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن