التاريخ لا يعيد نفسه

كاتب

 الوطن اليوم/بقلم: يحيى رباح

انها رياح أيار، تهب علينا نحن الفلسطينيين أصحاب أعدل قضية، وأقدم جرح، وأفدح تراجيديا، الضحية النموذجية الكاملة للنظام الدولي السابق الذي تشكل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد انتهت الحرب، وبدأ الناس في الشرق والغرب ينفضون عنهم آثار الدمار الشامل، ويعيدون بناء مدن ودول وانظمة حياة دمرت بالكامل في تلك الحرب المجنونة، لكننا باستثناء العالم كله وجدنا انفسنا بلا حصة مطلقا، بلا نصيب مهما كان صغيرا، بلا اعتراف حتى بأننا موجودون وخاسرون، بلا اسم حتى يدل علينا، مشردون في الأرض، مقيدين تحت الاحتلال الاسرائيلي الأبشع من نوعه في التاريخ تحت اسم مزور” العرب الاسرائيليون”، ومبعثرون في هويتهم الوطنية تحت اسم اللاجئين، وفاقدون لبطاقات التعريف الفلسطينية حتى في الأجزاء المتبقية من ارضهم في الضفة والحمة وقطاع غزة، تلك كانت صدمة النكبة.

ولا شك أن شعبنا على امتداد سبع وستين سنة قد صنع ما يفوق المعجزة بكثير، قيامة مدوية من موت شامل، هذا هو الحضور الفلسطيني الذي وصلنا الى درجاته العليا هذه الأيام ونحن نزرع وجودنا من جديد في ذاكرة العالم، حين وضع اسرائيل بدلا من فلسطين في الجغرافيا السياسية، دون ان يزعج نفسه ولو قليلا بالسؤال عن هؤلاء الفلسطينيين الذين اخذوا منهم مكانهم على الأرض، فالى أين يذهبون.

هذه القيامة التي وصلت الى الاسقاط النهائي للانكار الصهيوني، والى حد الاعتراف بفلسطين وشعبها وله من يمثله وهو منظمة التحرير الفلسطينية، والى حد الاعتراف أن هذا الشعب الفلسطيني الصامد فوق أرضه والثابت على حقوقه، يحوز كل الشروط والمعايير ليكون دولة، دولة عضو مراقب في الأمم المتحدة، وتستحق أن تأخذ بطاقة عضوية كاملة في نادي الدول.

هذه القيامة حققها الفلسطينيون باعجاز كبير، بالقدرة على الحضور في اصعب اللحظات والمواقع والأحداث والمشاركات، وما زال يتوجب علينا أن نواصل الاعجاز نفسه والابداع نفسه لكي نحول النكبة الى ذاكرة، مجرد ذاكرة تتصارع فيها الكارثة والبطولة بعد ان نسترد باستحقاق واقتدار وكفاءة حقيقة الدولة المستقلة.

على هذا الانتقال من الحلم الى الواقع، من النكبة الى القيامة، من الشتات الدامي الى الدولة القائمة فعلا، يدور الحوار، ويدور البحث، ويتصاعد الجدل، خاصة اننا في اللحظات الأخيرة قبيل الوصول، ابتلانا اعداؤنا بكل أنواعهم بهذا الانقسام الرهيب الذي يتغول في دمنا وفي سمعتنا وفي تراثنا النضالي المجيد، هذا الانقسام الذي صنعه أعداؤنا بكل عبقرية، ووقع في غيه واغرائه وأوهامه بعض منا تحت اسم حماس أو الاسلام السياسي أو الطموحات المجنونة غير المشروعة، انقسام يستثمره الأقربون والأبعدون، ويرعاه الاحتلال بكل ما يملك من امكانيات وتحالفات، في صيغ ومعادلات ومشاريع تضليلية، هذا الانقسام الذي بدا أولا كما لو انه مجرد حفرة ثانوية أو سقطة جانبية !!! فاذا به يلتهم كل حلم السنين وابداع الأجيال، والنقاش يتراوح بين العمق والصراخ، والمبررات المزيفة تصل الى حد الكفر والجنون، حتى أن اهل الانقسام وعبيده لم يتركوا مقدسا الا وفسقوا فيه لتبرير خطيئتهم، ولكن يجب أن نثق بأنفسنا وانجازاتنا، وأن التاريخ لا يكرر نفسه، وان فلسطين صعدت لتكون عنوانا، وعلينا أن نستبسل في حماية هذا الصعود.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن