التصعيد على جبهة غزة.. جزء من معركة القدس أم معركة أم القرى؟

التصعيد على جبهة غزة.. جزء من معركة القدس أم معركة أم القرى؟
منصور أبو كريم

الكاتب: منصور أبو كريم

مع دخول فصائل غزة على خط المواجه الشاملة في معركة القدس الأخيرة بأهداف وطنية تتعلق بالقدس والمقدسات والدفاع عن سكان حي الشيخ جراح استبشرنا خيرًا وأكدنا أن هذا الأمر يمثل نقطة تحول رئيسية في معادلة فصائل المقاومة في غزة تؤكد من خلاله هذه الفصائل ارتباطها بالمشروع الوطني والجغرافيا السياسية الفلسطينية، وتؤكد على وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان، بعد محاولات الاحتلال الإسرائيلي عزل غزة بكتلتها السكانية وفصائلها عن باقي الأراضي الفلسطينية من خلال تعزيز الانقسام ومد أمده عبر المساعدات الدولية والإقليمية.

لقد مثل دخول فصائل غزة على خط المواجهة في القدس أمرًا إيجابياً كسرت من خلاله معادلة تقوقع غزة ومقاومتها في قضايا غزة الداخلية، وأكد على وحدة الهدف والمصير للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وهذا ما ساهم في توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية وسرعة تحرك المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية على المستويات السياسية والأمنية لوقف العدوان في كل الأراضي الفلسطينية بما فيها مدينة القدس وداخل المسجد الأقصى المبارك.

لكن مع انتهاء المعركة على جبهة غزة وفي سياق احتفال الفصائل الفلسطينية بالنصر الذي تحقق على جبهة غزة رفعت بعض من هذه الفصائل التي تتلقى دعماً من إيران صور قائد فيلق القدس السابق الجنرال “قاسم سليماني” وأعلنت في كثير من خطابات قياداتها في الداخل والخارج عن توجيه الشكر لإيران على دعمها، وأطلقت اسم سليماني على صواريخها المنطلقة تجاه إسرائيل.

هذا الأمر اثار جدل سياسي واعلامي كبير داخل الساحة السياسية الفلسطينية، وأثار تساؤلات جوهرية حول هدف المعركة هل كان حقاً القدس المقدسات؟ أم كانت معركة أم القرى، وبرنامجها النووي، وصراعها الإقليمي والدولي مع كثير من الدول العربية، والولايات المتحدة الأمريكية؟

مع تفجر المواجهة على جبهة غزة حاول نتنياهو وقادة الاحتلال جاهدين الربط بين ما يجري على جبهة غزة والتمدد الإيراني في المنطقة، وسعوا للاستفادة من ذلك عبر دفع إدارة بايدن لتشدد مع إيران في المفاوضات الجارية في جنيف، كما حاول نتنياهو جاهدًا إطالة أمد الحرب والعدوان على غزة باعتبارها جزء من محاربة التمدد الإيراني في المنقطة.
كما إن إيران حاولت بكل الطرق توظيف المواجهة على جبهة غزة بكل الطرق، من خلال الربط بين هذه المعركة وصراعها الإقليمي والدولي ومفاوضاتها في جنيف مع إدارة بايدن وباقي مجموعة دول 5+1 التي تحاول من خلال طهران عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي ورفع العقوبات الأمريكية عن طهران، ومن يراجع كيفية تغطية القنوات المحسوبة على إيران بدأ من قناة الميادين وضيوفها وباقي القنوات الإيرانية والقنوات العراقية التي تدور في فلق المحور الإيراني سوف يكتشف كيف عملت طهران على توظيف معركة القدس والتصعيد على جبهة غزة لخدمة الأهداف القومية الإيرانية عبر الإحياء أن طهران بيدها مفتاح الحرب والسلام في المنطقة، وتوظيف ذلك في المفاوضات الجارية في جنيف.

قبل سنوات صرح مستشار الرئيس الإيراني أن طهران تمتلك القرار السياسي في خمس عواصم عربية، جاء ذلك كتعبير عن مدى النفوذ الذي وصلت إليه طهران في التحكم في القرار السياسي في كثير من العواصم العربية التي أصبحت تخضع لهيمنه ولي الفقيه في القوس الممتد من بيروت وصولاً إلى صنعاء، وهو القوس الذي تعمل ظهران على امتداده لكي يشمل دول وعواصم عربية أخرى، من خلال بناء شبكة حلفاء من داخل هذه الدول تعمل وفق المصالح الاستراتيجية الإيرانية وتكون جزء من منظومة الأمن القومي الإيراني وفق نظرية أم القرى.

ولُبُّ نظرية أمِّ القُرى يرتكز على تأكيد “إنَّ إيران الإسلامية ليست إحدى الدول الإسلامية فحسب؛ بل هي (أمُّ القُرى/دار الإسلام). وإنَّ انتصار أو هزيمة إيران يمثل انتصار وهزيمة للإسلام. “و”دولة أمُّ القُرى ستصبح العالم الإسلامي التي يجب أن تكون بيدها قيادة العالم الإسلامي، وعندها تصبح طهران الحقيقة اللائقة لقيادة كُلِّ الأُمة الإسلامية”، “وإذا ادّعت دولة بأنَّها أمُّ القُرى فيجب عليها أنَّ ترفع مستوى قيادتها إلى أبعد من حدودها الجغرافية”. وتشدد هذه النظرية إن إيران ممثلة “قم وطهران” ملقى عليها مسؤولية وواجبات تجاه العالم الإسلامي تتمثل في أن يخضع الجميع لولاية الفقيه وأن تصبح قم (إيران) هي أم القرى، أي هي دار الإسلام .

ظهرت نظرية أم القرى في كتاب “مقولات في الاستراتيجية الوطنية”، لمؤلفه (محمد جواد لاريجاني) حيث يمثل هذا الكتاب خريطة طريق للسياسة الإيرانية وهذه النظرية لها بعدان: الأول داخلي في الحفاظ على الدولة، آخر خارجي يساهم في صناعة إمبراطورية توسعية لا تعترف بسيادة الدول ولا بحدودها. ومنذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 التي اطاحت نظام شاة إيران رضا بهلوي، اتخذت إيران سياسة تصدير الثورة للدولة من خلال عدة أساليب وطرق، لتمرير مشاريعها وأجندتها في المنطقة العربية على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والعسكرية، مهددة بذلك الأمن القومي العربي، وتعتمد الاستراتيجية الإيرانية لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط على القوة الذكية، التي تجمع بين مفهومي القوة الصلبة والناعمة في استراتيجية واحدة.

لقد سعت السياسية الخارجية الإيرانية لتوظيف الدين في تنفيذ اجندتها الإقليمية، ووجدت بغيتها في مساندة ومناصرة الجماعات والكيانات الشيعية في المنطقة العربية، كما هو الحال في العراق وسوريا والبحرين واليمن ولبنان. لذلك حولت طهران ذلك المكون المذهبي إلى شكل مؤسسي من خلال التعويل على بعض المؤسسات الثقافية في هذا المجال، مثل: المستشاريات الثقافية الإيرانية، والمجمع العالمي لأهل البيت، والمدارس والحوزات الإيرانية في الدول العربية، وممثليات مرشد الثورة في الخارج، ومنها على سبيل المثال جامعة أزاد الإسلامية، ومعهد الرسول الأكرم في لبنان. إلى جانب سياسة نشر التشيع في العالم العربي، والتي أفصحت عنها الاستراتيجية الإيرانية لعام 2025. إضافة إلى تسخير أداتها الإعلامية على مختلف أنواعها لتكوين الهلال الشيعي، حيث تدعم طهران إعلاميًّا وبشكل واضح جماعة الحوثي وحزب الله وجميع المكونات الشيعية، من خلال قنوات: المنار، والميسرة، وعدن لايف، والأنوار، والمعارف، وكربلاء، والنجف، والإمام الحسين، والعالم، فضلا عن عدد من الصحف والمطبوعات الأخرى، وبناء على هذه النظرية جاءت استراتيجية التمدد الإيراني وسياسة تصدير الثورة، وخلق حلفاء مواليين لها ودعمهم بالمال والسلاح وخلق ولاءات ومليشيات قادرة على الدفاع عن أم القرى في حروبها الدولية والإقليمية.

على سبيل المثال عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب في بداية العام الماضي 2020، باغتيال قاسم سليماني في العراق ردت طهران على هذه الحادثة مرة واحدة من داخل الأرضي الإيرانية وردت مئات المرات من العراق وسورية واليمن في إشارة لمحاولتها لتجنيب الأراضي الإيرانية أي صدام مباشر مع الولايات المتحدة، وفتح حرب بالوكالة مع أمريكا وحلفائها في المنطقة، كما ظهرت تساؤلات عن إمكانية دخول فصائل غزة معركة مع إسرائيل في حالة اندلاع مواجهة شاملة؟

منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة حصلت معظم الفصائل الفلسطينية على عتادها واسلحتها من الاتحاد السوفيتي السابق والصين والجزائر ومصر ودول عربية كثيرة دعمت الثورة الفلسطينية بالمال والسلاح، لكن لم تصل الأمور في يوم من الأيام أن تم رفع صورة زعيم سوفيتي أو صيني أو عربي أو إسلامي في عرض عسكري عقب المعركة للقول إن ولولاء هذا الشخص ودعمه ودعم دولته لنا ما تحقق هذا النصر!

بعد رفع صورة قاسم سليمان وشكر إيران يحق لنا أن نتسأل: هل دخلت الفصائل الفلسطينية المعركة من أجل القدس والمقدسات؟ أم من أجل أم القرى؟ ثمة العديد من التساؤلات التي يجب على الفصائل الإجابة عنها، لماذا هذا الإصرار على شكر إيران، وهل هو نوع من رد الجميل أم شرطا لاستمرار الدعم المالي والعسكري، وهل هو يخدم صورة المناضل الفلسطيني في عيون الأمم والشعوب الأخرى؟

في تقديري رفع صورة سليماني أو غيره يسئ للشعب الفلسطيني ويشوه نضاله الوطني ويضع مقاومته جزء من الصراع الإقليمي، ويساعد إسرائيل في ربط بين فصائل غزة والمشروع النووي الإيراني، كما أنه يعقد الوضع الداخلي الفلسطيني، فمن يرفع صورة قاسم سليماني في غزة يعلن عن نفسه جزء من المحور الإيراني في المنطقة بغض النظر خلفيته السياسية والأيديولوجية!

فلسطين والقدس أسمى من أن يتم المتاجرة بها في الصراع الإقليمي، وأسمى من الزج بها في المشروع الفرنسي التوسعي، أو الدفاع عن البرنامج النووي الإيراني؛ فلا تجعلوا البندقية الفلسطينية بندقية للإيجار!

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن