التنسيق الأمني والتطبيع تعجيل بوعد الآخرة لجميعِ القطيع

التنسيق الأمني والتطبيع تعجيل بوعد الآخرة لجميعِ القطيع

 

قال تعالى: وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إسرائيل اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ”

يتراكض هذه الأيام كثيرٌ من زعماء العرب للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني، وما حصل مؤخراً من جلوس النتن ياهو مزهوَّاً كالطاووس في (وارسو)، وحوله تسعة من وزراء الخارجية العرب على طاولة مستديرة، كما حرص أكثرهم على التسلل لِواذاً من مِرْآبِ السيارات في مقرِّ إقامته؛ ليحظَوْا بدقائقَ من الخلوة به، ولسان حالهم أو مقالهم يطمئنه أن لا غالبَ لكم اليوم من الناس، وإني جارٌ لكم، وإنْ قُوتلتم لننصرنكم، وربما كان النتن ياهو هو الذي قال لهم ذلك، وقد جرى الاتفاق على تبادل الزيارات الحميمة، تحت ذريعة الخطر الإيراني، والأرجح أنه الوجل من المدِّ الإسلامي، لا سيما مقاومة أهل السنة، وبالأخص في فلسطين، ولم يتحرج أكثر من وزير خارجيةٍ خليجيٍّ أن يتهم مقاومتنا بالإرهاب، وأن الاحتلال في حالة دفاعٍ شرعيٍّ عن النفس، وأنه آنَ الأوان لِطَيِّ ملفِّ القضية الفلسطينية بالنسخة المُحَدَّثةِ من الاتفاقات المخزية المذلة، تلك التي لم تبدأ بأوسلو، وما أظنها تنتهي بصفقة القرن، إنها سياسة الاستفزاز من الدِّين قبل الاستفزاز من الأرض؛ لإخراجكم منها لاجئين مُهَجَّرين، أو ضحايا مقتولين.

وهنا لا بُدَّ من الوقوف على حكمة الله ومشيئته في أن يكون الفساد لبني إسرائيل المصاحب للعلوِّ الكبير في فلسطين، وعموم أرضه المباركة للعالمين، وهي أكناف بيت المقدس أو الشام؟

إن اليهود مفسدون في الأرض كلِّها، ولذلك فإما أن تطاردهم هذه الأرض المباركة في مشارق الأرض ومغاربها، وإما أن يأتي بنو إسرائيل إليها، ولا مِرْيَةَ في أن الخيار الثاني أيسر من الأول، خاصةً وأن من بركات فلسطين أنها حاضنة الطائفة المنصورة التي لا يَضُرُّها مَنْ خالفها، ولا مَنْ خذلها، فهم لا يزالون على الدين ظاهرين، ولعدوِّهم قاهرين، وتلكما الصفتان هما المعبَّر عنهما بالعبودية والبأس الشديد في قوله تعالى: “..بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ..” الإسراء (5) فالعبادة هي الظهور على الدين، والبأس الشديد هو القهر للعدو، ولكنْ بسلاحٍ متواضعٍ بالقياس إلى سلاح بني إسرائيل الذي هو صورة من نماذج العلوِّ الكبير، ولو أراد ربُّنا سبحانه غير هذا المعنى لقال: عباداً لنا أُولي قوةٍ وأُولي بأسٍ شديد.

ولعل السرَّ في هذا أنه عندما نُتَبِّرُ العلوَّ الكبير تتبيراً ونحن أذلةٌ أقلةٌ موقنين أنه كم من فئةٍ قليلةٍ غلبتْ فئةً كثيرةً بإذن الله، يُحِقُّ د. الله الحقَّ بكلماته، ويقطع دابر الكافرين، فيهلكُ مَنْ هلك عن بينةٍ، ويحيى مَنْ حَيَّ عن بينة؛ إذْ لا يعقل أن تنتصر القوة المادية الأضعف على القوة الأقوى بفارقٍ كبيرٍ أو خياليٍّ؛ ما لم يكن قد نزل عليهم مَدَدٌ من السماء، هذا المدد لا يهبط إلا لنصرة الحقِّ في الأرض، ولله جنود السموات والأرض، وما يعلم جنود ربِّك إلا هو.

هذا وقد نعت المولى عزَّ وجلَّ المرة الثانية بوعد الآخرة، وكأنها الثانية والأخيرة، وجعل علامتها أن يأتيَ بهم إلى فلسطين لفيفاً في هجراتٍ جماعية، كما في آية المقال، فقد أشارت أن الله عزَّ وجلَّ سوف يُقَطِّعُهم في الأرض كلها، وأنه متى قامت عليهم الحجة، وحان ميقات عقابهم، وإراحة الدنيا من فسادهم؛ جاء بهم إلى فلسطين جماعاتٍ جماعات، وبعث عليهم عباده أُولي البأس الشديد من جديد تارةً أخرى، فأساؤوا وجوههم خِزْياً وسواداً أولاً، ثم فتحوا بيت المقدس، ودخلوا المسجد الأقصى ثانياً، وفي النهاية يُتَبِّرون كلَّ ما علاه بنو إسرائيل تتبيراً.

ولما كان اليهود هم أحرصَ الناس على حياةٍ، حتى تفوَّقوا بذلك على الذين أشركوا، الذين لا يؤمنون بالبعث والنشور، وحتى إنَّ أحدهم يَوَدُّ لو يُعَمَّرُ ألف سنة، بل آلاف السنين، فلا يعقل أن يقبل بالاستدراج إلى فلسطين إلا إذا كان الأمن من الخوف مُغْرياً، كما الإطعام من الجوع، ولذلك فإن الله عزَّ وجلَّ الذي يدير المعركة معهم؛ بدلالة إسناد المجيء بهم إلى نفسه، وكذا بعث عباده أُولي البأس الشديد عليهم، هو الذي يهيِّئُ الأسباب لذلك، ومنها أن يوجد في المحسوبين على شعب فلسطين خونةٌ وعملاءُ رسمياً وصُعلوكياً، ومَنْ هو على استعدادٍ أن يكون خادماً أميناً، وحارساً ساهراً، وناصراً متفانياً في توفير ذلك الأمن، وهذا ما يفسِّر تقديس التعاون الأمني والعسكري مع الاحتلال؛ من أجل حاضر بني إسرائيل، ومستقبل شبابهم، ويتعهد بعدم السماح لِلَّاجئين الفلسطينيين بالعودة؛ حتى لا يؤثر على الوضع الديمغرافي الاجتماعي للكيان الصهيوني، بل إنه يطالب باستدعاء قوات الناتو لحماية الاحتلال، وحماية سلطة أوسلو من مقاومة الطائفة المنصورة التي تسعى اليوم –رغم أنوفهم- لاستنساخ تجربة غزة في الضفة الغربية.

ولا يخرج التطبيع العربي المحموم هذه الأيام عن هذا الإطار، فالزعماء العرب وَجِلُون من مدِّ الربيع العربي، وثورة الشعوب، ولو تذرعوا بالخطر الإيراني، وهم يَرَوْنَ أن الاحتلال يمثِّلُ اليوم طوق نجاةٍ لكراسيِّهم؛ فإن رضا الأمريكان من رضا الصهاينة، وزعماء اليهود يوهمون المستوطنين، وشُذَّاذَ الآفاق، أن الاختراق في الدول العربية قد بلغ الأعماق، فما عليهم إلا أن يَفِيئوا إلى واحة الأمن، وساحة الرخاء؛ تحقيقاً لما في نفوسهم من الأشواق للأرض التي تُدِرُّ لَبَناً وعَسَلاً؛ وما دَرَوْا أن الله جلَّ جلاله يستدرجهم من حيثْ لا يعملون، ويُملي لهم؛ إن كيده متين، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ مُنْقَلَبٍ ينقلبون، وانتظروا إنا معكم من المنتظرين.

ولَتعلمُنَّ نَبَأَه بعد حين.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن