التونسيون ينتظرون أن يكشف قيس سعيد عن خططه

التونسيون ينتظرون أن يكشف قيس سعيد عن خططه
أسامة رمضاني

الكاتب: أسامة رمضاني

بعد أكثر من شهر من لجوء قيس سعيد للأحكام الاستثنائية من أجل تعليق الدستور وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه، بدأت ملامح طريقة حكمه تظهر للعيان وإن بقيت خططه المستقبلية غير معروفة.

من الواضح أن سعيد يفضل تجميع السلط بين يديه وقد خلق كل الظروف الملائمة لذلك. فقد جمد أنشطة البرلمان حتى إشعار آخر ولم يعيّن إلى حد الآن رئيس حكومة جديد رغم وعده منذ مدة بأنه سوف يعلن قريبا عن الشخصية التي اختارها لهذا المنصب.

ليس هناك ما يدل على نية لدى سعيد للتخلي عن سلطاته أو عن جانب منها في أجل قريب. لكن رؤيته لممارسة السلطة ستبقى رهينة خططه المستقبلية التي لم يكشف عنها بعدُ ودرجة استجابة مختلف مكونات النخبة السياسية والمجتمع المدني لمبادراته.

في الوقت الحالي لا يبدو أن هناك بديلا لنظام الحكم الذي وضعه سعيد ولا يبدو أن هناك منافسا للرئيس على السلطة. خلال الشهر الأول من الأحكام الاستثنائية، بادر بتغيير العديد من أعضاء الحكومة. وكان من الواضح خلال استقباله المسؤولين وكبار الزوار الأجانب أنه هو من يمسك بمقاليد الأمور وليس مساعدوه. وأصبحت تسجيلات الفيديو لخطابات الرئيس ومداخلاته على منصات التواصل الاجتماعي المصدر الرئيسي للأخبار اليومية في البلاد.

يستند سعيد في الوقت الحالي في ترسيخ موقعه على ثلاثة عوامل. أولها شعبيته. فحتى إن أثارت بعض قراراته مؤخرا انتقادات من عدد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني فهو يحظى بتأييد واسع. وقد أظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه في منتصف أغسطس أن نسبة الرضا عن أدائه تفوق التسعين في المئة.

ليس هناك ما يدل على نية لدى سعيد للتخلي عن سلطاته أو عن جانب منها في أجل قريب ورؤيته لممارسة السلطة ستبقى رهينة خططه المستقبلية التي لم يكشف عنها بعدُ

وتعود ردود الفعل الإيجابية تجاه طريقة حكمه ومبادراته إلى وجود شعور عام بالارتياح بعد انتهاء الفترة الماضية التي كان يسودها انسداد الموقف في البرلمان والمناكفات التي لا تنتهي. لذلك وجد معارضو قراره التمديد في الأحكام الاستثنائية إلى أجل غير مسمى وفي الحل الفعلي لمجلس نواب الشعب أنفسَهم في صفوف الأقلية.

العامل الثاني الذي يرتكز عليه سعيد هو القوات المسلحة العسكرية والأمنية. ليس هناك شك أن سعيد ما كان ليلجأ إلى الإجراءات الاستثنائية دون مساندة الجيش الذي لعب دورا حاسما في تجنيب البلاد الدخول في دوامة عنف.

وكانت إحدى أولوياته تعيين مسؤول سام في الحرس الرئاسي مكلفا بوزارة الداخلية. وقد عبر عديد المرات عن ثقته في القوات المسلحة سواء في قيامها بمهامها الاعتيادية أو في لعب دور أساسي على صعيد تسيير حملة محاربة أزمة كوفيد – 19، من ذلك تعيينه ضابطا ساميا في الجيش في منصب المكلف بوزارة الصحة.

ثالث العوامل التي يستند عليها سعيد هي قبول المجموعة الدولية بالإجراءات التي اتخذها إن لم تكن مساندتها لها.

وجاءت أوضح مظاهر المساندة من بلدان الخليج العربية وخاصة السعودية، في حين أصبحت العلاقات مع تركيا وإلى حد ما مع قطر (وهما من أكبر داعمي حركة النهضة في الخارج) تتسم بالفتور إن لم تكن البرودة. ويرى الخبراء أن انقسام ردود الفعل في المنطقة إلى شقين متقابلين يعكس حالة الاستقطاب الثنائي للمواقف الإقليمية تجاه الإسلام السياسي. أما الجزائر فقد اختارت لنفسها بين هذين الشقين موقع “الشقيقة الكبرى” وهي تراقب الأحداث عن كثب.

من ناحيتها بقيت البلدان الغربية في حالة ترقب وانتظار. ويبدو أن أوروبا والولايات المتحدة قد أخذتا بعين الاعتبار المساندة الشعبية التي يحظى بها سعيد إضافة إلى حساسية أي انطباعات بوجود تدخل غربي في الشؤون الداخلية التونسية لدى الرأي العام.

وإن كانت واشنطن والعواصم الأوروبية دعت سعيد لتأكيد التزامه بالديمقراطية والحريات فإنه كان من اللافت التمشي الحذر الذي اتبعه الوفد الأميركي الذي زار تونس خلال شهر أغسطس الماضي.

بشكل عام يبدو وكأنما قد تم منح سعيد ما يكفي من الوقت لبلورة أفكاره وبرامجه التي تخص المستقبل الديمقراطي إضافة إلى معالجة الأزمات المتعددة للبلاد.

ولكن المساندة الخارجية مثلها مثل التأييد الواسع في الداخل يمكن أن يتآكلا بمقتضى قانون الجاذبية للسياسة.

وهناك مؤشرات لعدم الارتياح حتى بين صفوف مساندي سعيد بسبب قلة الوضوح حول الأهداف الكبرى التي يسعى الرئيس التونسي لتحقيقها وتهميشه للعديد من الفاعلين السياسيين بمن فيهم الأحزاب السياسية الصديقة له والنقابات الواسعة النفوذ.

امتنع سعيد الآن عن الإعلان عن خارطة طريق ملتزما فقط بعدم العودة إلى الوراء، قائلا إن سياساته ستتبع “إرادة الشعب”. وليس من الواضح تماما ما يعنيه بذلك على الصعيد العملي وإن كان العديد من الخبراء يتوقعون أن يتعلق الأمر في نهاية المطاف بتنظيم استفتاء شعبي حول تنقيحات للدستور والمجلة الانتخابية بشكل يكرس تفضيل سعيد للنظام الرئاسي ولصيغ أكثر تركيزا على التمثيل المحلي.

كل هذا قد يستغرق على الأقل شهورا. في الأثناء تبقى الضبابية سيدة الموقف.

لا يختلف اثنان على أن تونس تحتاج إلى تغيير. فبالرغم من الوعود التي أطلقتها الحكومات المتتالية خلال العقد الماضي تفاقمت فقط الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

اليوم يعرف التونسيون نظام الحكم الذي لا يريدونه بعد أن عايشوه. ولكنهم ينتظرون البدائل من سعيد.

الرأي العام مستعد للقبول بحكمه على أساس الأوامر الرئاسية ولكنه من غير الثابت أن تستطيع مثل هذه الأوامر رفع التحديات الكبرى التي تواجه البلاد. ومن منظور أوسع، يريد الجمهور أن يتعرف على المبادرات القادمة التي ينوي الرئيس التونسي الاستجابة بواسطتها “لإرادة الشعب”.

وستكون قدرة سعيد على الحفاظ على قاعدته الشعبية رهينة التغييرات الملموسة التي سيدخلها على الأوضاع في البلاد مع حفاظه على الحريات. وهو قد يكتشف لاحقا أن تجميع السلطات قد يجعله عرضة بشكل أكبر للانتقادات. كما قد يقتنع في نهاية المطاف أن عليه القبول بتنازلات وتشريك الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني أو على الأقل بعضها في القرارات حتى وإن استبعدها إلى حد الآن.

المهمة العاجلة أمامه اليوم هي تبديد الضباب الذي يكتنف قراراته ومخططاته وإزالة الشكوك حول قدرته وتصميمه على قيادة السفينة إلى بر الأمان. والتونسيون مستعدون عامة لانتظار سعيد حتى يتقدم على درب الإنجاز. ولكنّ التونسيين أيضا، مثلما اكتشفت ذلك الحكومات المتعاقبة منذ 2011، لهم قدر محدود من الصبر وهم ينتظرون تطور الأحوال نحو الأفضل.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن