الميديا ليست الإعلام

الكاتب: أحمد حمودة

الكاتب: أحمد حمودة

مصطلح وسائل الإعلام يتضمن معاني الإبلاغ والتوصيل والإخبار, وهو على هذا النحو يختزل أدوار الميديا وأبعادها في مستوى واحد. وفي المقابل فإن التعبير اللاتيني media” الميديا” يحيل إلى معاني الوسط والوساطة mediation ولهذه المعاني علاقة وطيدة بأدوار الميديا وأبعادها المتعددة.

فالميديا في مستوى أول ليست “وسائل” بمعنى الأدوات التي تنقل مضامين من جهة “الباث- المرسل”, إلى جهة ثانية ” المتقبل- المتلقي” لأنها منظومة يتفاعل فيها البعدان “التكنولوجي لتشمل تكنولوجيات البث وأجهزة الاستقبال” والبعد المؤسساتي “التنظيمات المؤسسية المتنوعة التي تنتج المضامين وتوزعها ” . وبهذا المعنى فإن الميديا تقوم بدور الوساطة الذي لا يمكن اختزاله في عملية الوصل والربط بين جهتين فالوساطة عملية مركبة يقوم فيها الوسيط بدور نشط وغير محايد. والميديا لا تنقل لنا الوقائع كما هي بل تقوم بعمليات مركبة ومتعددة لتمثيل هذه الوقائع: “انتقاء.. استبعاد” للوقائع وعرضها وفق منظومة من الرموز، والأخبار التي تعرضها لنا الميديا ليست الأحداث في المطلق, بل هي الأحداث التي انتقتها الميديا وفق معايير حتى تصبح أخباراً تقدمها لنا في أطر معينة وبلغة مخصوصة (سمعية, بصرية, مكتوبة ..) إن الميديا إذن ليست وسائل أو حوامل تقنية تقوم بدور التوصيل وكأنها أدوات هامدة.

وفي مستوى ثان فإن الميديا أيضاً ليست الوسيط فقط , بل هي أيضا الوسط أو البيئة أي ذلك المجال الذي تشكله الوسائط المختلفة والذي تتفاعل فيه الرموز المتعددة (صور, فيديو, كلمات ..). والميديا بهذا المعنى بيئة نتحرك داخلها بأشكال متعددة, نتمثل من خلالها الأحداث الاجتماعية, نلج عبرها إلى العالم وتتجسد بواسطتها حياتنا الجماعية, لأن الميديا تصل الفرد بالجماعة والإنسان والعالم.

وفي مستوى ثالث. فإن تنوع الميديا الراهنة, يدفعنا كذلك إلى التخلي عن مصطلح وسائل الإعلام فالتطبيقات المتنوعة للتلفزيون التفاعلي أو تطبيقات الإذاعة الرقمية التفاعلية التي تتشكل في سياق الاندماج بين الميديا وأنظمة الاتصالات وأنظمة الكمبيوتر, ليست وسائل إعلام بالمعنى السائد والمتعارف عليه. والميديا الجديدة على وجه الخصوص منظومات متنوعة تتيح ممارسات لا حصر لها تتجاوز” الإعلام”, فالفايسبوك ليس “وسيلة” أو “إعلاما” بل هو وسط- بيئة يستعرض فيها الناس أنفسهم يسردون وقائع حياتهم اليومية, يتواصلون مع بعضهم البعض, يشاهدون فيديوهات, يستمعون إلى موسيقى, يرفّهون عن أنفسهم, ينخرطون في النقاش العام…

وفي مستوى رابع فإن موضوع حقل دراسات الميديا أو علوم الإعلام والاتصال لا يتقصر على دراسة الميديا (مؤسسات. مضامين) وتجاوز ذلك إلى دراسة الصيرورات التي تنشأ عن تفاعل الميديا مع المجلات التي تنساب فيها والتي يختزلها مفهوم mediatization الذي يحيل إلى مختلف الصيرورات الاجتماعية والثقافية .. التي تتشكل بواسطة الميديا .

وبناء على هذه المنطلقات كلها , نرى أن مصطلح ” وسائل الإعلام “, لا يمكن أن يعبّر عن الظواهر والممارسات المتعددة والمتنوعة والمركبة المتصلة بالميديا .

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن