انتفاضة الضفة والمبادرات الفردية

الكاتب: ياسر الزعاترة

نذ مجيء السلطة الحالية بقيادة محمود عباس، ووضوح موقفها الرافض للمقاومة، والمصر على التنسيق الأمني، لم تتوقف محاولات المقاومة لكسر الحاجز، وإيجاد سبل لجعل الاحتلال مكلفا، لكن ذلك كان يصطدم بعقبة القدرات الأمنية الصهيونية المتطورة، ومعها التنسيق الأمني “المخلص”، وعدم وجود أي ملاذ آمن للمقاومين، إلى جانب انكشاف الوضع الداخلي أمام طرفين نافذين، فضلا عن تعاون حركة فتح مع مسار رئيسها الجديد، وقبل ذلك وبعده عمليات السحق التي تعرضت لها حماس تحديدا على مختلف الأصعدة بعد الحسم العسكري في قطاع غزة منتصف عام 2007.

خلال الشهور الأخيرة برز تطور جديد في الساحة الفلسطينية، تمثل أولا بانتفاضة القدس التي تتقدم وتتراجع حسب الظروف، لكنها تعرّضت هي الأخرى لمواجهة شرسة، وصلت حد سماح الاحتلال بإدخال عناصر أمن فلسطينيين إلى القدس لمواجهة الموقف، وطبعا حتى لا تمتد الانتفاضة لاحقا إلى الضفة الغربية وتخرِّب على مشروع عباس المعروف. فيما تمثل الثاني في مبادرات فردية من قبل بعض الشبان الفلسطينيين كانت نتيجتها عددا من العمليات الهامة التي أسفرت عن قتل وجرح عدد معتبر من جنود الاحتلال ومستوطنيه.

لكن العمليات المذكورة لم تتحول إلى ظاهرة تقلق الاحتلال بشكل جدي، والسبب أنها بقيت محدودة ومتباعدة إلى حد ما رغم ترحيب المجتمع الفلسطيني النسبي بها، هو الذي يتعرض منذ عام 2004 إلى عملية غسيل دماغ أو إعادة تشكيل للوعي كي ينصرف عن مقاومة الاحتلال إلى قصص التجارة والبزنس والاستثمار، وهو المسار الذي كان من تخصص توني بلير، فيما كان المسار الأمني، وإعادة تشكيل المؤسسة الأمنية الفلسطينية، من مهمات الأميركان عبر الجنرال دايتون، ومن خلفوه في المهمة.

واللافت فيما يجري في الساحة الفلسطينية أن مشروع عباس الذي كان ينبغي أن لا يُمنح أكثر من 3 سنوات لاختبار نجاحه، قد حصل على أكثر من عشرية كاملة، من دون أن يُخرج القضية من عنق الزجاجة، ومن دون أن يقدم بديلا مقنعا للفلسطينيين، حتى ضمن التعريف البائس للثوابت ممثلة في دولة على حدود 67 (حق العودة صار جزءا من الماضي في جوهر خطاب القوم، وإن لم يعترفوا بذلك تماما).

ولمعرفة حجم الضغط الذي تعرض له الفلسطينيون خلال السنوات الماضية، بخاصة الأربع الأخيرة، يمكن النظر إلى الأجواء الثورية التي سادت المنطقة، والتي لم تجد لها صدىً يُذكر في الضفة الغربية، وذلك رغم تصاعد عمليات الاستيطان والتهويد واستهداف المسجد الأقصى، مع الفشل المزمن لمسار المفاوضات.

والسؤال الذي يطرحه المخلصون في الساحة الفلسطينية، وربما العربية المعنية بالقضية المركزية للأمة، يتمثل في الكيفية التي يمكن بها الخروج من هذا المأزق، والتمرد على خيارات محمود عباس، ما دام ذلك لن يحدث من خلال حركة فتح التي يسيطر عليها الرجل سيطرة كاملة لا تسمح لأي صوت معارض بالظهور، وبالطبع بسطوة المال، وبسطوة المحتل في آن.

لا حل لهذا المأزق سوى تشجيع المبادرات الفردية على نحو يجعلها ظاهرة تتصاعد لتشمل كل الأرض الفلسطينية. وحين يذهب شبان أيا كان عددهم من الأراضي المحتلة عام 48 للقتال في سوريا، فإن السؤال هو لماذا لم يفكر هؤلاء بعمليات ضد الاحتلال في الأرض الفلسطينية، حتى لو كانت فردية ومبتكرة ولا تحتاج إلى مراكمة أسلحة؟!

على حماس والجهاد ومن يؤمنون بهذا الخيار، والحالة هذه أن يحثوا جميع الشبان الفلسطينيين على أن يجدوا سبيلا لمقاومة الاحتلال بالوسائل التي يرونها مناسبة، مع التأكيد أن من يستشهد منهم سيكون جزءا من شهداء الحركتين، حتى لو لم يكونوا أعضاءً فيهما، مع تشجيع عناصر التنظيمين وبشكل فردي على ابتكار أساليب جديدة من بينها السيارات والسكاكين وما تيسر من سلاح فردي، ولا شك أن الشبان في الساحة سيكونون قادرين على ابتكار وسائل جديدة. وحين تتحول هذه العمليات إلى ظاهرة شبه يومية، سينخرط فيها المزيد والمزيد من الشبان إلى أن تتحول الساحة إلى انتفاضة شاملة تضطر حركة فتح إلى دعمها ومساندتها والتخلي عن مسار عباس، وقد يفرض ذلك على الأخير ترك الأمر، وإكمال رحلته العمرية بعيدا عن فرض خياراته البائسة على الشعب الفلسطيني.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن