ريان.. درس في الحب والإنسانية

ريان.. درس في الحب والإنسانية
إسماعيل علالي

الكاتب: إسماعيل علالي

1- ريان درس في الإنسانية:

من ذا الذي كان يظن أن العالم كله سيولي وجهه نحو منطقة تمروت شمال المغرب، لمتابعة وضع الطفل ريان، والدعاء له بالنجاة، بكافة ألسن العالم وأديانها، وبغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية والصراعات السياسية التي استثمر فيها إنسان العالم طويلا، إلى أن جاء ريان ليطفئ نار الشر التي أججتها الصراعات بين دول العالم ردحا من الزمان، لمدة خمسة أيام، حين تركت الدول خلافاتها جانبا وولت وجهها نحو تمروت الشمال، ورفعت أكفها بالدعاء أملا في نجاته، ليقدم لنا ريان أعظم درس في الاتحاد والتآخي الكوني الذي تناسته البشرية حين انتصرت لسلطان الهوية الصماء، أيديولوجية كانت أو عرقية أو دينية أو ثقافية أو جغرافية.

فشكرا ريان لأنك وجهت البشرية الوجهة الصحيحة، وجهة عنوانها الانتصار للفطرة وإنسانية الإنسان.

2- ريان درس في الحب:

من ذا الذي كان يظن أن الإنسان المعاصر الذي ابتلي بآفات شتى منها برودة المشاعر وموت الروح، ، ما زال يملك قلبا ينبض بالحياة ويحس بأخيه الإنسان في كل مكان، قبل حادثة الطفل ريان الذي منحنا أبلغ درس في الحب، هذا الحب الخرافي الذي حرم العيون من النوم لمدة خمسة أيام، وكلها آمال في إنقاذ ريان، والنظر إلى وجهه البهي عبر شاشات العالم التي تناقلت خبر سقوطه وتابعت مجريات عملية إنقاذه، من بدايتها حتى النهاية، حيث رأينا ريان حديث كل المجالس والفئات العمرية، أطفالا وشبابا وشيوخا، لا هم لهم غير نجاة ريان، وخروجه حيا من البئر، كما تكرست هذه المحبة إبداعيا من خلال تعبير مبدعي العالم من شعراء ورسامين وفنانين عن حبهم وتعاطفهم مع ريان من خلال تخليد محنته والتأريخ لها إبداعيا، بعد أن خلدتها كبرى القنوات إعلاميا.

فشكرا ريان لأنك علمتنا كيف ينبغي أن يحب الإنسان أخاه الإنسان، ويتخلص مما علق بقلبه من أحقاد وأضغان.

3- ريان درس في الوطنية:

من ذا الذي كان يظن أن المغاربة في رمش عين قد يجتمعون ويجمعون على كلمة سواء ويتحدون من طنجة إلى الكويرة، قبل حادثة الطفل ريان الذي وحد المغاربة، من أقصى شمال المغرب إلى صحرائه، ومن شرقه إلى غربه، في صورة تترى بقيم الوطنية الصادقة المكرسة لروح “التمغربيت” الحقة التي حقَّ للمغاربة أن يفتخروا بها وللضمير الوجداني الجمعي الذي يؤلف بين قلوب المغاربة ساعة الأزمات وفي الشدائد، حيث حج المغاربة من مختلف المدن لتقديم المساعدة لريان والتطوع لإنقاذه، عبر البئر إذا ما تعذر الحفر بفعل نوعية التربة.

فشكرا ريان لأنك أكدت لنا بالملموس أن المغاربة جسد واحد، إذا أصيب منه عضو، انتفضت جميع الأعضاء، وصدق من قال: إن المغرب حرك جبلا لإنقاذ طفله ريان، ولا يخفى ما تضمره هذه القولة/ الحكمة من قيم الاعتزاز والفَخَارِ.

4- ريان درس في الصبر:

من ذا الذي كان يظن أن الطفل ريان، سيصمد لأكثر من يوم، لو لم تصور لنا الكاميرا تحركاته، داخل البئر، رغم آلام السقوط، كأنه يكلمنا رمزا قائلا: لا تقلقوا ما زلت متشبثا بالحياة لأكثر من يوم ، أسمع دعاءكم، و أسعد بتلاحمكم و اتحادكم و أثمن مجهوداتكم من أجل إنقاذي، كل من موقعه، كيما تصل قصتي إلى العالم، هذا العالم الواسع العامر بالخير الذي غمرني بالحب وتضامن معي في محنتي، و أكد لي أن الخير هو السمة الطبيعية للإنسان، لا الشر.

فشكرا ريان لأنك كتبت ملحمة جديدة من ملاحم الشعب المغربي، بل والعالم أجمع، وجعلت تاريخ ترجلك من قطار الحياة عيدا أمميا عنوانه: (يا أيها الناس اتحدوا من أجل الخير).

فسلام عليك يوم ولدت، ويوم رحلت، ويوم غذوت ملهما للبشرية جمعاء.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن