ستراتفور: مستقبل إثيوبيا مع اقتراب قوات تيجراي من أديس أبابا

ستراتفور: مستقبل إثيوبيا مع اقتراب قوات تيجراي من أديس أبابا
ستراتفور: مستقبل إثيوبيا مع اقتراب قوات تيجراي من أديس أبابا

مع احتمال التوصل إلى تسوية تفاوضية سريعة، وصلت حرب تيجراي الإثيوبية إلى منعطف حرج سيؤثر بشكل دائم على المجتمع الإثيوبي، وقد يؤدي إلى انهيار البلاد، ما يزيد من مخاطر الخلافات الدبلوماسية والعنف في أماكن أخرى من القرن الأفريقي.

وأعلنت حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” حالة الطوارئ على مستوى البلاد في 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وسط مخاوف من تقدم “جبهة تحرير شعب تيجراي” مع مرور عام على بدء الحرب ضد منطقة تيجراي الشمالية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وتم إعلان حالة الطوارئ فيما كانت الجبهة وحلفاؤها يستعدون لشن هجوم على أديس أبابا بعد سلسلة من الانتصارات العسكرية. وفي غضون ذلك، منحت الحكومة المحلية في أديس أباب سكان العاصمة 48 ساعة لتسجيل أسلحتهم وطالبتهم بالاستعداد للدفاع عن أحيائهم.

وتأتي دعوة أديس أبابا لحمل السلاح في أعقاب دعوة مماثلة في 31 أكتوبر/تشرين الأول من قبل حكومة أمهرة الإقليمية (موقع القتال الأخير) حيث طالبت السكان بتسليم الأسلحة والمركبات إلى الحكومة لاستخدامها في “حملة القتال من أجل البقاء”.

وفي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، قال المتحدث باسم جبهة تحرير شعب التيجراي “جيتاتشو رضا” لوكالة “رويترز”: “إذا كان تحقيق أهدافنا في تيجراي يتطلب أن نسير إلى أديس أبابا، فسنقوم بذلك، لكننا لا نقول إننا سنسير إلى أديس أبابا”.

• وزير الخارجية الأمريكي يدعو لإنهاء الصراع في إثيوبيا فورًا

وأصدرت السفارة الأمريكية في إثيوبيا إنذارا أمنيا في 2 نوفمبر/تشرين الثاني دعت فيه مواطني الولايات المتحدة لإعادة النظر في السفر إلى إثيوبيا، وحثت أولئك الموجودين حاليا في إثيوبيا على التفكير في اتخاذ الاستعدادات لمغادرة البلاد. وأضافت السفارة أنه تم منع موظفيها من السفر خارج أديس أبابا. وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني، أذنت وزارة الخارجية الأمريكية أيضا بالمغادرة الطوعية لموظفي الحكومة الأمريكية غير الأساسيين من البلاد.

وحققت قوات تيجراي و”جيش تحرير أورومو” المتحالف معها مكاسب عسكرية سريعة خلال الأسبوع الماضي قد تمكن من شن هجوم على أديس أبابا. وتعد تلك المكاسب انعكاسا مفاجئا في الأحداث بعد أن شن “آبي” هجوما لاستعادة أجزاء من أمهرة قبل أقل من شهر.

وفي 30 و31 أكتوبر/تشرين الأول، استولت قوات تيجراي على بلدتي ديزي وكومبولشا على الطريق السريع “إيه 2” الاستراتيجي، الذي يربط مدينة ميكيلي، عاصمة تيجراي، بأديس أبابا. وفي الوقت نفسه، زعمت جبهة تحرير تيجراي أنها سيطرت على عدة بلدات جنوب كومبولشا على الطريق السريع المؤدي إلى أديس أبابا. وبالرغم من عدم التحقق من بعض عمليات الاستيلاء بشكل مستقل، إلا أن ردود فعل الحكومة تشير إلى تراجعات كبيرة من قبل الأمهرة والقوات الإثيوبية.

وتتحكم كل من “جبهة تحرير أورومو” و”جبهة تحرير شعب التيجراي” الآن في معظم الطريق السريع “إيه 2” المؤدي إلى أديس أبابا. وقد أعلنت الجبهتان عن اتفاق عسكري لتنسيق الأنشطة في أغسطس/آب 2021.

ويعد الاستيلاء على ديزي وكومبولشا أيضا انتصارا نفسيا مهما لكل من الجبهتين. وخلال الحرب الأهلية الإثيوبية التي بدأت منذ عقود، استولى تحالف أوسع يضم كلا من “جبهة تحرير أورومو” و”جبهة تحرير شعب التيجراي” على ديزي في مايو/أيار 1991 بعد أعوام من القتال للسيطرة على أديس أبابا. وبعد الحرب، سيطرت “جبهة تحرير شعب التيجراي” على إثيوبيا في عهد رئيس الوزراء “ميليس زيناوي”، وظلت تسيطر عليها حتى وفاة “زيناوي” في عام 2012.

وما يزال من غير الواضح ما إذا كانت الجبهتان ستحاولان الاستيلاء على أديس أبابا. ولكن مع احتمال عدم إجراء مفاوضات سياسية، فإن الصراع يسير في هذا الاتجاه؛ حيث تحاول “جبهة تحرير تيجراي” كسر الحصار المفروض على تيجراي في ساحة المعركة.

وتتراجع احتمالية إجراء مفاوضات بين جبهة تحرير تيجراي والحكومة الإثيوبية، حيث قال مسؤولو الجبهة مؤخرا إن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب للمحادثات. وتجعل المكاسب العسكرية التي حققتها الجبهة إلى جانب حليفتها منذ يونيو/حزيران من غير المحتمل دخولهما في محادثات دون تنازلات جوهرية من أديس أبابا.

• ستراتفور: إثيوبيا تتجه إلى صراع عرقي أوسع

وكان مسؤولو الجبهة قد قدموا في السابق مطالب طموحة للغاية ترقى إلى أن تصبح تيجراي منطقة حكم ذاتي إلى حد كبير، وهو أمر من المستبعد جدا أن توافق عليه الحكومة الإثيوبية. ولا يزال “آبي أحمد” يعتمد بشكل كبير على الدعم السياسي من عرقية الأمهرة، الذين يخسرون حاليا المزيد من الأراضي.

وفي مواجهة الهزائم العسكرية الأخيرة في ديزي وكومبولشا، أظهر “آبي” تحديا واضحا، حيث قال في 3 نوفمبر/تشرين الثاني: “سندفن هذا العدو بدمائنا وعظامنا ونجعل مجد إثيوبيا عاليا مرة أخرى”. ونُشر البيان على صفحته على فيسبوك، ثم حذفه فيسبوك فيما بعد.

وإذا شنت الجبهتان هجوما على أديس أبابا، فسيواجهان تحديات جديدة في تأمين سلاسل التوريد الطويلة والضغط الدولي المكثف لوقف تقدمهما. وتمكنت الجبهتان من تجنيد الرجال ولديهما قوة نيران عسكرية كافية لصد قوات التحالف الإثيوبي من المناطق القريبة من تيجراي، ولكن كلما توغلا جنوبا نحو أديس أبابا، كانت سلاسل التوريد أكثر عرضة للخطر. وهذا قيد جديد سيتعين عليهم التغلب عليه حتى ينجح الهجوم على أديس أبابا.

بالإضافة إلى ذلك، قد يعارض بعض سكان البلدات الأقرب إلى أديس أبابا وجود “جبهة تحرير شعب التيجراي”، ما قد يؤدي إلى انتفاضة من الميليشيات المحلية غير النظامية ضد الجبهة وحليفتها. وبالرغم من هذه التحديات، قد تنظر الجبهتان في المكاسب الاستراتيجية التي ربما تستحق بذل هذا الجهد وقبول المخاطرة.

وقبل هجوم محتمل على العاصمة، يبدو أن”جبهة تحرير شعب التيجراي” تحاول تعزيز سيطرتها على الطرق الاستراتيجية في أديس أبابا. وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني، قال المتحدث باسم الجبهة إن قواتها كانت تقترب من بلدة ميل في منطقة عفار الإثيوبية المجاورة.

وتقع ميل في نقطة استراتيجية من الطريق السريع “إيه 1″، وهو الطريق السريع الوحيد الذي يربط إثيوبيا غير الساحلية بجيبوتي. وسيطرت “جبهة تحرير شعب التيجراي” على كل من الطريقين السريعين “إيه 1” و”إيه 2″، ومن شأن ذلك أن يقطع وصول أديس أبابا إلى جيبوتي من جميع الطرق الممكنة.

وبغض النظر عمن يسيطر على أديس أبابا، من المرجح أن يستمر القتال ويمتد إلى مناطق أخرى ما يؤدي إلى تفاقم التوترات على طول الخطوط العرقية لإثيوبيا.

ولدى إثيوبيا تاريخ طويل من العنف بدوافع عرقية، وينذر عدم وجود حل سياسي للحرب المستمرة بمزيد من إراقة الدماء. وقد شهد صراع “تيجراي”، الذي استمر عاما حتى الآن، فظائع بالفعل من كلا الجانبين.

ووجد تحقيق حقوقي مشترك بين الأمم المتحدة وإثيوبيا نُشر في 3 نوفمبر/تشرين الثاني أن جميع فصائل الصراع ربما تكون قد نفذت أنشطة تشكل جرائم حرب، بما في ذلك التعذيب وقتل المدنيين والاغتصاب الجماعي والاعتقالات على أساس العرق.

وتدرس الولايات المتحدة رسميا تصنيف أنشطة الحكومة الإثيوبية ضد شعب تيجراي باعتبارها إبادة جماعية. ولن يؤدي تفاقم المظالم بين المجتمعات الإثيوبية المختلفة إلا إلى جعل الاستقرار في إثيوبيا أكثر صعوبة في المستقبل. وحتى أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، وهي الأورومو، التي لا تمثل سوى ثلث سكان البلاد، فهي منقسمة بشدة.

وتمنح حالة الطوارئ، التي أعلنها “آبي أحمد” في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، قوات الأمن سلطات أكبر بشكل ملحوظ لاعتقال الأفراد بمن فيهم أتباع عرق التيجراي. وستزداد المخاوف بشأن الإبادة الجماعية أو التنميط العرقي والقتل مع استمرار “آبي” في تأطير الصراع باستخدام لغة مثل “دفن العدو بدمائنا وعظامنا”.

موازنة النتائج المحتملة

ومن شأن النصر العسكري لـ”جبهة تحرير شعب التيجراي” أن ينذر بمزيد من العنف حيث إن العديد من الإثيوبيين (ولا سيما الأمهرة التي تعد ثاني أكبر مجموعة عرقية في البلاد) سوف يقاومون أي نظام تؤسسه الجبهة. وبالرغم من تهديد العاصمة، لا تسيطر كل من “جبهة تحرير شعب التيجراي” و”جبهة تحرير أورومو” إلا على مساحة محدودة من الأراضي وقد يتعين عليهما التعامل مع عدد من الجماعات الرافضة لشرعيتهما.

وقد يكون السيناريو الأقل عنفا هو السيناريو الذي تُظهر فيه “جبهة تحرير شعب التيجراي” وحليفتها قدرتهما على الاستيلاء على المدينة، ما يدفع المجتمع الدولي إلى الضغط على حكومة “آبي” لإجراء محادثات لتجنب القتال في شوارع أديس أبابا.

ولكن حتى إذا أدى ذلك إلى تشكيل حكومة إثيوبية انتقالية، فقد تستمر حركات تمرد متعددة في معارضة تلك الحكومة، قائلة إن الحكومة التي يقودها “آبي”، التي فازت مؤخرا في الانتخابات العامة في يونيو/حزيران، هي الحكومة الشرعية الوحيدة. ومن المحتمل أن تحاول “جبهة تحرير شعب التيجراي” إحياء إثيوبيا الفيدرالية، حيث يتم نقل سلطة كبيرة إلى مناطق البلاد، وقد تستغرق هذه المفاوضات فترة طويلة من الزمن.

جبهة تحرير شعب التيجراي

وستؤدي عودة “جبهة تحرير شعب التيجراي” إلى السلطة إلى إزعاج الرئيس الإريتري “أسياس أفورقي” الذي لا يزال ينظر إلى الجبهة على أنها عدو بعد خوض حرب وحشية معها بين عامي 1998 و2000. ودعم “أسياس” في البداية الهجوم الإثيوبي على تيجراي، ومن المرجح أن يعاود الاشتباك إذا اقتربت الجبهة من الاستيلاء على السلطة. ومن المحتمل أن تدعم حكومة “أسياس” في إريتريا المجاورة الجماعات المتمردة خلال أي فترة انتقالية بقيادة الجبهة.

وفي حالة عجز الجبهة عن إزاحة الحكومة الإثيوبية، فإن الصراع المستمر سيكون له تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة. ويبدو أن القوات العسكرية الإثيوبية غير قادرة على عكس المكاسب العسكرية التي حققتها الجبهة، ما يفرض ضغوطا كبيرة على “آبي”. وكلما طال الصراع زاد خطر الإطاحة بـ”آبي أحمد” من السلطة إما من خلال استقالة قسرية أو انقلاب فعال من قبل بعض حلفائه الحاليين.

وبالإضافة إلى إثارة الاضطرابات السياسية في العاصمة، فإن عزل “آبي” سينهي مشروعه السياسي القائم على مركزية السلطة في إثيوبيا. وقد يؤدي عدم حسم الصراع أيضا إلى مزيد من الدعوات من قبل “جبهة تحرير أورومو” و”جبهة تحرير شعب التيجراي” للضغط من أجل الحكم الذاتي أو حتى إعلان الاستقلال، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى صراع آخر مع إريتريا حيث سيرفض الرئيس الإريتري “أسياس” بشكل شبه مؤكد فكرة استقلال تيجراي.

ولا يمكن استبعاد السيناريو الذي تنهار فيه إثيوبيا بشكل خطير وتغرق البلاد بأكملها في حرب أهلية. وعلى مدى العام الماضي، أثر الصراع الدائر في تيجراي على معظم إثيوبيا، ما ساهم في التضخم على مستوى البلاد ونقص الضروريات الأساسية. ومع ذلك، ظل القتال الفعلي محصورا إلى حد كبير في أجزاء من تيجراي وأمهرة وعفر. لكن قد يتغير ذلك وسط انهيار أوسع لإثيوبيا، مع انتشار العنف إلى الأماكن التي نجت حتى الآن وهي المناطق الجنوبية والغربية من البلاد.

التداعيات الإقليمية

وسوف يتردد صدى الصراع في إثيوبيا على الصعيد الإقليمي، ما يؤثر على العلاقات مع الدول المجاورة. وتعد إثيوبيا أكبر دولة في القرن الأفريقي، وتعمل كمركز دبلوماسي إقليمي، حيث يقع مقر الاتحاد الأفريقي المكون من 55 عضوا في أديس أبابا. وسيؤدي انهيار حكومة يقودها “آبي” إلى انهيار التكامل الاقتصادي ومشروع التعاون السياسي بين إثيوبيا والصومال وإريتريا. وسيسعى خصوم إثيوبيا (كينيا والسودان ومصر) إلى الاستفادة من أزمة إثيوبيا.

وقد يحاول السودان تعزيز سيطرته على منطقة الفشقة المتنازع عليها بين البلدين، وقد تحاول كينيا توسيع نفوذها في جنوب الصومال. ومن المرجح أن تحاول مصر تشكيل نتيجة الصراع لصالحها من خلال دعم الجماعات التي ترى أنها قد تكون أكثر مرونة في نزاعها مع إثيوبيا حول سد النهضة. ومن غير المرجح أن تنتهي إثيوبيا في خضم الأزمة من ملء السد أو توسيع المشروع.

ولدى العديد من البلدان غير الأفريقية أيضا مصالح استراتيجية في إثيوبيا، ما سيجعل الاستقرار والوساطة أكثر صعوبة حيث سيكون لأصحاب المصلحة الخارجيين أولويات مختلفة. ولا يزال الوسطاء الغربيون التقليديون مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية يمارسون بعض النفوذ في المنطقة. لكن الإمارات والصين وروسيا وتركيا والسعودية والهند زادت جميعها من علاقاتها مع القرن الأفريقي على مدار العقد الماضي، وجميعها لديها مصالحها الخاصة.

وقد تؤدي النتيجة المفاجئة، مثل حدوث انقلاب أو الانهيار، إلى زيادة المخاوف بشأن زعزعة استقرار الحكومات الإقليمية الأخرى في أعقاب الانقلابات المتتالية هذا العام في مالي والسودان وغينيا.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن